للأسبوع الثالث على التوالي، امتلأت ساحة ميدان الشهداء، وسط العاصمة الليبية طرابلس، يوم الجمعة الماضي، بآلاف المواطنين، ومثلهم في مصراتة ومدن ليبية أخرى، معلنين رفضهم لهجوم خليفة حفتر على العاصمة، لا بل مؤكدين أنه "مجرم حرب". لكن أياً من الأطراف المحلية أو الدولية الفاعلة في المشهد لم يلتفت لهذا الرفض الظاهر، ولم يسأل البرلمانيين الذين أيّدوا حرب حفتر من يمثّلون؟ وحتى الطيف النيابي من الرافضين لحرب اللواء الليبي، لا يزال يمنّي النفس بإمكانية عودة حفتر إلى طاولة الحوار والتفاوض، على الرغم من أن من يمثلونهم صرخوا بأعلى صوت واصفينه بـ"مجرم الحرب" الذي قصف أحياء سكنية بصواريخ الغراد.
الانفصام الظاهر بين الشعب ونوابه، ومحاولات المجتمع الدولي التغاضي عن صوت الناس، دفعا قطاعات عريضة من الشعب للانضمام إلى تيار وطني شعبي أطلق على نفسه "صوت الشعب"، شكّله في وقت سابق عدد من شباب المناطق الليبية غرباً وشرقاً وجنوباً، وبرز أخيراً داخل ميدان الشهداء، ليصل عدد منتسبيه اليوم إلى "أكثر من مائة ألف"، بحسب إعلانات قادة الحراك.
واللافت في بيانات حراك "صوت الشعب"، الذي لم يُخفِ قادته الشباب رغبتهم في تحويله إلى منبر يعبّر عن رغبات الشارع الحقيقية، تجاوزه للجهات الرسمية والحكومية، والتوجّه رأساً إلى دعم جبهات القتال في محاور الدفاع عن طرابلس، ومحاولة تعبئة الرأي العام بدعوته المتظاهرين يوم الجمعة المقبل للإعلان عن "عجز قادة البلاد عن خوض التحدي" وأن تتحوّل "ساحات التظاهرات إلى حراك شعبي ضاغط من أجل لفت نظر الرأي العام الدولي إلى صوت الناس".
دعوات قادة "صوت الشعب" إلى تأسيس ائتلاف شعبي يضم قوى شعبية أخرى في مدن ليبية شهدت تظاهرات مماثلة، قد يُذكّر القادة والسياسيين بـ"حراك لا للتمديد" عام 2014، الذي منع المؤتمر الوطني العام وقتها من التمديد لنفسه لولاية أخرى. لكن معطيات الأوضاع الحالية تختلف بشكل كبير عن السابق، فحتى الساحات في بنغازي والبيضاء وطبرق، والتي كانت تحفل بمؤيدي حفتر، أرسلت رسائل سلبية تجاه خطوته الأخيرة، فهي خالية تماماً منهم.
ظاهرة متجددة في ليبيا تختفي لكنها تبرز كلما ضاقت السبل، ويمكنها أن تغيّر ولو نسبياً من شكل الاتجاهات والقرارات الرسمية، لكن أبرز ما تظهره الانفصال الواضح بين مكوّنات الشعب والنخب الحاكمة، أو التي تسعى للحكم بقوة السلاح، منذرة بإمكانية تحوّلها إلى مقاومة مسلحة شعبية ما دام الكثيرون يشبّهون أحداث طرابلس اليوم بأحداثها عام 2011.