تكشّف أمس الأربعاء المزيد من التفاصيل حول اختفاء الإعلامي والصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، عقب دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، أول من أمس الثلاثاء، مع قول مسؤولين تركيين لـ"رويترز" أمس إنه لا يزال في القنصلية السعودية في إسطنبول التي دخلها لإنجاز معاملة إدارية تمهيداً للزواج من خطيبته التركية التي عرّفت نفسها باسم خديجة أ. من دون أن يخرج منها، فيما تواصل الأخيرة اعتصامها أمام القنصلية السعودية متساءلة "أين جمال؟". لكن وكالة "رويترز" نقلت في وقت لاحق عن مسؤول سعودي لم تسمه، قوله إن التقارير التي تحدثت عن فقدان خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول "كاذبة". وقال المسؤول إن خاشقجي زار القنصلية "لطلب أوراق متعلقة بحالته الاجتماعية، وخرج بعد فترة قصيرة". غير أن خطيبة خاشقجي نفت ما ذكره المسؤول عن مغادرته القنصلية، مؤكدة أنه فُقد داخلها. وقالت "إذا كان ذلك صحيحاً فأين هو؟"، مضيفة أنه لو كان ذلك صحيحاً فإنها كانت ستعلم هي أو الشرطة التركية. ودعت وزير الخارجية التركي مولو جاووش أوغلو إلى الاتصال بالسفير السعودي لدى تركيا للاستعلام عن مصير خاشقجي وسط مخاوف من أن يكون قد تم نقل خاشقجي إلى السعودية.
وتنتهج السلطات السعودية طرقاً عدة في التعامل مع المعارضين في الخارج، إذ تعمد أولاً إلى المفاوضات والإيهام بتقديم التنازلات أو العفو مقابل الصمت والعودة إلى البلاد، وهو ما حدث مع العشرات من المعارضين اليساريين في الثمانينيات ومن الشيعة في التسعينيات وعدد من الإسلاميين في الألفية. وإذا فشلت المفاوضات فإنها تعمد إلى التهديد باعتقال أفراد العائلة أو إيذائهم، وهو ما حدث مع المعارض السعودي في كندا، عمر بن عبد العزيز الزهراني، والذي أوقفت السلطات عدداً من إخوته بعد أن تحوّل إلى صداع في رأس النظام السعودي.
ويأتي الاختطاف كحل أخير للنظام السعودي لا يتوانى عن استخدامه مستغلاً خبرة استخباراته في تقديم الرشاوى لمسؤولي المطارات ومديري الأمن في بعض الدول، بالإضافة إلى الحصانة الدبلوماسية الممنوحة لرجال السفارات التابعين له في أنحاء العالم، إذ يتم اختطاف الكثير من المعارضين عن طريق السيارات الدبلوماسية ويجري نقلهم إلى المطار بحيل مختلفة، منها الإخلاء الطبي بعد الضرب والتخدير.
وقامت الاستخبارات السعودية بدفع أموال طائلة لمليشيات مسلحة كانت تنشط في لبنان عام 1979 لاختطاف المعارض القومي ناصر السعيد ومن ثم تصفيته. كما قام النظام السعودي بمحاولات حثيثة لاسترداد معارضَين إسلاميَين يملكان تأثيراً واسعاً على الشباب في السعودية، هما سعد الفقيه الذي يترأس "حركة الإصلاح الإسلامي"، ومحمد المسعري الذي يترأس حزب "التجديد الإسلامي"، ويعيشان في لندن منذ تسعينيات القرن الماضي بعد لجوئهما إلى هناك هرباً من الاعتقال.
وعمدت مجموعات تابعة للاستخبارات السعودية إلى الاعتداء على سعيد الفقيه بالضرب ومحاولة قتله عام 2003، كما خاض زميله المسعري حرباً قانونية لتجنّب تسليمه للسعودية أو ترحيله من الأراضي البريطانية لأن ذلك يعني أن السعودية ستختطفه فور ذهابه إلى دولة أخرى يمكن لها أن تمارس النفوذ السياسي عليها. وجيّش النظام السعودي العشرات من المستشارين القانونيين والمحامين في سبيل استرداد المسعري واتهامه بالإرهاب والتهرب الضريبي، لكن المحاكم البريطانية استمرت في رفض مطالبهم واتهاماتهم.
واعتُقل ماجد المسعري، ابن محمد المسعري، في الولايات المتحدة عام 2004 بتهمة حيازة مخدرات، قال والده حينها إن السلطات السعودية لفّقتها له، كون ابنه كان متديّناً ومحافظاً. وبعد قضاء ماجد مدة محكوميته، رُحّل عام 2007 إلى السعودية بعد رفض الولايات المتحدة طلب حصوله على اللجوء، ليختفي من الوجود منذ ساعة ترحيله، وتضغط السلطات على المسعري الأب لتسليم نفسه مقابل وعود بمعرفة مصير ابنه.
كما اختطفت السلطات السعودية أيضاً الأمير تركي بن بندر آل سعود، والذي قدّم طلباً للجوء في فرنسا، وقام بتسجيل مستمر لمقاطع فيديو معارضة للنظام السعودي ونشرها على الإنترنت، لكنه اختفى من الوجود عام 2015 عقب اختطافه ونقله للسعودية. وأشار الوثائقي إلى أنّ خبراً واحداً في الإعلام العالمي، يعود إلى صحيفة "الصباح" المغربيّة، يشير إلى أنّه سجن في المغرب، ثمّ تم ترحيله إلى الرياض بناءً على طلب السلطات السعودية.
واختطفت الاستخبارات السعودية أيضاً الأمير سعود بن سيف النصر بعدما فُبركت له عملية تجارية نُقل على أثرها من روما إلى الرياض، بحسب تصريح الأمير المنشق خالد بن فرحان آل سعود. وبدأ النصر عام 2014 تدوين تغريدات تنتقد النظام الملكي في السعودية، وتدعو إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين الذين أيدوا عزل الرئيس المصري محمد مرسي، ثم عام 2015 أيّد دعوة إلى الانقلاب على الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ويعرض الوثائقي نفسه شهادات من الأمير خالد بن فرحان آل سعود والذي حصل على اللجوء السياسي في ألمانيا عام 2013. ويقول بن فرحان إنّه يخشى أن يلقى المصير نفسه.