تأتي أزمة اختفاء الإنسولين في مصر لتُضاف إلى أزمات صحية أخرى تشغل الناس وتهدد سلامتهم وحياتهم. ويعبّر معنيّون عن خشيتهم في ظلّ توفّر العقار في السوق السوداء.
خلال الأسابيع الأخيرة، اختفى عقار الإنسولين من صيدليات مصر، الحكومية والخاصة على حدّ سواء، ما تسبب في أزمة لأكثر من 12 مليون مريض مصري مصاب بداء السكري. يأتي ذلك إلى جانب نقص في عدد من الأدوية الحيوية المكمّلة لعلاج السكري، في حين أنّ مرضى كثيرين يشكون من ارتفاع أسعار الإنسولين إلى ضعفَيها تقريباً خلال الأشهر الستة الأخيرة.
ويعاني السوق المصري من أزمة حادة في نواقص الدواء بالتزامن مع ارتفاع أسعار عشرات الأدوية بصورة يومية. ويأتي الإنسولين على قائمة نواقص الدواء، إذ إنّ كل جرعة ناقصة منه تمثّل معاناة وخطراً على المرضى الذين يتلقون علاجاً به. بالتزامن، نرى عصابات ومافيا الإنسولين تهزأ بالجميع وتسرق مخزون المستشفيات الحكومية. وقد كشف "المركز المصري للحق في الدواء (ابن سينا)" عن تلقّيه خلال الساعات الماضية، مئات البلاغات سواء من الصيدليات أو أهالي مرضى السكري حول نقص الإنسولين، وهو ما يعرّض المرضى للموت. ويؤكد ذلك ضرورة تحرّك الأجهزة المعنية لمواجهة الأزمة التي وصفها المركز بالخطرة داعياً إلى المسارعة في تزويد السوق المصري بنواقص الإنسولين ومراقبته بعد قيام عدد من السماسرة بتهريب كميات من علاج السكري لبيعه في السوق السوداء.
في السياق، يتهم رئيس شعبة مصنّعي وتجار الأدوية في الغرفة التجارية بالقاهرة، سمير صديق، شركات الأدوية بافتعال الأزمة للضغط على وزيرة الصحة، هالة زايد، لإصدار قرار برفع أسعار الإنسولين. ويطالب الحكومة بالتحرك سريعاً لمواجهة تلك الأزمة التي راحت تتفاقم خلال الساعات الماضية مهدّدة حياة ملايين المصرين بالموت المحقق أو بعشرات الأمراض الأخرى التي تصاحب داء السكري. ويشير إلى أنّ ثمّة صيدليات صارت تصرف كمياتٍ محددة من الإنسولين.
ويتحدث صديق عن إهمال شديد من قِبَل مسؤولي وزارة الصحة في ملف الدواء الذي تتزايد الأنواع المدرجة على قوائم نواقصه يومياً، الأمر الذي يتسبب في تفاقم معاناة المرضى. يضيف أنّه في المقابل، تنتعش السوق السوداء للاتّجار بأدوية الأمراض المزمنة التي لا يمكن للمريض الاستغناء عنها، من قبيل الأدوية الخاصة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وداء السكري. وإذ يشير صديق إلى أنّ نواقص الأدوية بلغت أكثر من 1550 صنفاً، من بينها أكثر من 300 صنف لا بدائل لها، يقول إنّ ثمّة أدوية بديلة لبعض الأصناف متوفّرة في الصيدليات غير أنّها لا تحمل المادة الفاعلة نفسها ولا تحقق النتيجة المطلوبة في حين أنّ عدداً منها مجهول المصدر. ويبدي تعجبه من عدم توفّر عشرات من نواقص الأدوية في الصيدليات بما فيها الإنسولين، في حين أنّنا نجدها وبكثرة في السوق السوداء.
ويشكو مصريون كثر من النقص الحاد في عقار الإنسولين، في حين يطالب المرضى مسؤولي وزارة الصحة بتكثيف إجراءات مراقبة الصيدليات، ومتابعة كشوف استلام كل أنواع الأدوية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة مثل داء السكري التي تُباع في السوق السوداء بأضعاف ثمنها الحقيقي، وكذلك محاسبة الجهات التي تُخفي الدواء. في السياق، يقول عبد الفتاح إبراهيم (متقاعد) إنّه يعاني من داء السكري وقد بحث عن الإنسولين في كل مكان من دون فائدة، مشيراً إلى أنّه اشترى علبة أنسولين بمائة جنيه مصري (نحو ستة دولارات أميركية) في السوق السوداء، متسائلاً: "هل ذلك بداية لرفع سعره في الوقت الذي نعاني فيه من مشكلات اقتصادية أخرى مع ضعف المرتّبات؟".
من جهتها، تقول أميمة علي: "ابني لا يتجاوز الخامسة من عمره ومصاب بداء السكري، وأعاني في البحث عن حقن الإنسولين خصوصاً بعد ارتفاع الأسعار ووصول ثمن العبوة الواحدة إلى 55 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات). أمّا سيد عبد الصبور، فيقول: "ذهبت لصرف الأمبولات (العبوات) الخاصة بي من هيئة التأمين الصحي، فأخبرني الصيدلاني أن أعود بعد أسبوع". يُذكر أنّه في أسيوط بصعيد مصر، يُبلّغ المرضى بأنّ عملية صرف الأنسولين تأجلت خمسة أيام بسبب نقصه في الأسواق".
تجدر الإشارة إلى أنّ سرقات إنسولين من المستشفيات الحكومية سُجّلت أخيراً في محافظات مصر كلها، مثلما حدث في وقت سابق في مستشفى طوخ المركزي ومستشفى التأمين الصحي في بنها بمحافظة القليوبية، من دون أن تعلن الجهات المعنيّة حتى اليوم الترابط بين الواقعتَين والمتّهم الذي يتزعم عصابات السرقة. وقد أشارت التحقيقات إلى أنّ قيمة المسروقات تصل إلى 250 ألف جنيه (نحو 14 ألف دولار). وكانت سرقة مماثلة قد وقعت في محافظة الغربية في مستشفى التأمين الصحى بالمحافظة، وما زالت الأجهزة التنفيذية تسعى خلف المتورّطين.