يندر أن ينتهي العام ويكون الشعور الغالب على متابعي السينما المصرية ومحبّيها أنه، رغم المشاكل والعقبات الرقابية والاقتصادية المتزايدة، كان عامًا جيدًا على مستوى الصناعة. لكن، هذا شعور يظهر مع نهاية عام 2018 الذي شهد حراكًا يكاد يكون استثنائيًا على المستويين الفني والجماهيري، إن يتمّ استغلاله بشكلٍ جيد، فربما يأتي بأثرٍ ممتاز في الأعوام المقبلة.
أول الأحداث وأكثرها تأثيرًا هذا العام، كان مشاركة "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ، وتنافسه مع أفلام أخرى، بعضها لمخرجين كبار، على الجائزة الأولى (السعفة الذهبية)؛ وهذا أحدث دويًا مؤثّرًا بين صنًاع السينما، فهو مخرج شاب، وهذا فيلمه الأول الذي حقّقه بماله الخاص بمشاركة زوجته وزملائه، في أعوام مديدة، بعيداً عن شركات الإنتاج والدوائر المعتادة في مصر.
كما أنه ليس فيلمًا سياسيًا، ولا يدور حول الثورة المصرية، ليجذب المهرجانات والمشاهدين الغربيين الذين يمتلكون فضولاً إزاء عالم لا يعرفون شيئًا عنه. رغم هذا كلّه، وجد مكانًا له في أهم مسابقة سينمائية في العالم. الدويّ استمرّ مع مشاركته في الدورة الثانية (20 ـ 28 سبتمبر/أيلول 2018) لـ"مهرجان الجونة السينمائيّ"، ثم في عروضه التجارية في القاهرة، وتحقيقه مليون جنيه مصري كإيرادات، وهذا رقم ضخم جدًا بالنسبة إلى فيلم مستقلّ، يُعرض في عدد قليل للغاية من الصالات السينمائية.
مع الصيت والاحتفاء بشوقي وفيلمه، فإن التجربة كلّها تمثّل إلهامًا كبيرًا، إن للسينمائيين الشباب في اتباع هذا النموذج الإنتاجي، وإن للمنتجين والممثلين في المساهمة بصورة أكبر في تجارب تملك طموحًا مختلفًا عن السائد.
إلى ذلك، هناك حدث آخر مؤثّر في عام السينما المصرية، يتمثّل في قرار تعيين محمد حفظي، السينمائي والمنتج الداعم للسينما المستقلة وأفلام الميزانيات الصغيرة ذات الطموح الفني المختلف، رئيسًا لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، ما ألقى بظلاله على تفاصيل كثيرة لهذه الدورة، من حيث عدد الأفلام المعروضة ونوعيتها وأماكن عرضها في العاصمة، بالإضافة إلى الندوات وورش العمل المُقامة أثناء الدورة. والأهمّ كامنٌ في أن قرارًا كهذا دفع مهرجان الدولة إلى أن يكون داعمًا لأفلامها، الجريء منها والتجريبي والمستقلّ.
اللافت للانتباه أنّ إدارة المهرجان لم تعثر، في العام الماضي، على فيلم مصري واحد لاختياره في المسابقة الرسمية، بينما اختلف الوضع هذا العام، إذْ اختيرت 5 أفلام تتفاوت في جودتها وطموحها، لكن ما يجمعها أنها مصنوعة بفضل تجارب إنتاج شبه ذاتية، وعلى هامش السوق، ووجدت طريقها إلى المسابقات المختلفة لـ"مهرجان القاهرة".
في هذا الإطار، يُشار إلى "ليل/ خارجي" لأحمد عبد الله السيد، المُنتَج بجهدٍ شخصي يحمل مخاطرة كبيرة، قبل عرضه في المسابقة الرسمية، وفوز شريف الدسوقي بجائزة أفضل ممثل عن دوره فيه.
هناك أيضًا "ورد مسموم" لأحمد فوزي صالح الذي يقدِّم رؤية سينمائية مختلفة لمنطقة "دباغة الجلود" الشعبية في القاهرة، ويحقق فيه مُنجزًا واضحًا على صعيد تصويره وعلاقته بالمكان، وهو مشارك في "مسابقة آفاق عربية" وفائز بـ3 جوائز، بينها أفضل فيلم عربي. هذان الفيلمان يمنحان، إلى جانب "يوم الدين"، دفعة قوية للأفلام المستقلّة المصرية، خصوصًا مع وجود محمد حفظي في موقع رسمي يؤمّن ـ ربما ـ بعض الدعم.
اقــرأ أيضاً
يصعب على صناعة سينما أن تُنتج أفلامًا قيّمة فنيًا من دون أن يوازي ذلك ازدهار تجاري يسمح بحركة الصناعة. فوجود فائض من المكسب يغري المنتجين بضخّ أموالهم، ويصنع هامشًا للسينمائيين المستقلين، تمامًا كما يحدث في هوليوود.
لذلك، فإن الوضع التجاري الجيد الذي شهدته السينما المصرية عام 2018 هو أيضًا خبر إيجابي. ففيلما "البدلة" لمحمد جمال العدل و"حرب كرموز" لبيتر ميمي مثلاً، بغضّ النظر عن مستواهما الفني، تجاوزت إيراداتهما 60 مليون جنيه مصري؛ بالإضافة إلى فيلم لديه طموح فني وتجاري كـ"تراب الماس" لمروان حامد الذي حصد 31 مليون جنيه مصري.
حتى نجاح أفلام أجنبية مثل The Mug لملغورزاتا سوموفسكا (28 مليون جنيه مصري) وMission Impossible: Fallout لكريستوفر ماك كاري وAvengers Infinity War لأنتوني وجو روسّو (17 مليونًا لكلّ واحد منهما)، هو مؤشّر جيّد على رغبة الناس في الذهاب إلى دور السينما، وعلى أن هناك أموالاً يُمكن أن تساهم في دوران الصناعة، وبالتالي في تحقيق حراكٍ موازٍ على الهامش الأكثر فنية وطموحًا وتجريبًا.
إلى ذلك، فإن الوضع المؤسَف عليه لصناعة المسلسلات التلفزيونية التي كانت مضمونة ورائجة أكثر بين المنتجين في الأعوام الأخيرة، قبل تدخّل الدولة وتقنين عدد المسلسلات المنتجة، هذا الوضع ـ الناتج عن أسباب رقابية واقتصادية عديدة ـ ربما يؤثّر إيجابًا في مستوى آخر، يتمثّل في عودة بعض المنتجين إلى السينما، مع شعور لديهم بأنها "سلعة" رائجة لدى الجمهور، يُحتَمَل أن تحصل على نجاحٍ أكبر وضغوط رسمية أقلّ.
هذه العناصر كلّها، المتضافرة رغم تنافرها، صنعت حراكًا عامًا كبيرًا في السينما المصرية خلال عام 2018. حراك ربما يكون أثره أكبر في المستقبل، وربما يكون مجرّد فورة استثنائية في عام مميّز لن ينتج عنها أيّ شيء.
أول الأحداث وأكثرها تأثيرًا هذا العام، كان مشاركة "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ، وتنافسه مع أفلام أخرى، بعضها لمخرجين كبار، على الجائزة الأولى (السعفة الذهبية)؛ وهذا أحدث دويًا مؤثّرًا بين صنًاع السينما، فهو مخرج شاب، وهذا فيلمه الأول الذي حقّقه بماله الخاص بمشاركة زوجته وزملائه، في أعوام مديدة، بعيداً عن شركات الإنتاج والدوائر المعتادة في مصر.
كما أنه ليس فيلمًا سياسيًا، ولا يدور حول الثورة المصرية، ليجذب المهرجانات والمشاهدين الغربيين الذين يمتلكون فضولاً إزاء عالم لا يعرفون شيئًا عنه. رغم هذا كلّه، وجد مكانًا له في أهم مسابقة سينمائية في العالم. الدويّ استمرّ مع مشاركته في الدورة الثانية (20 ـ 28 سبتمبر/أيلول 2018) لـ"مهرجان الجونة السينمائيّ"، ثم في عروضه التجارية في القاهرة، وتحقيقه مليون جنيه مصري كإيرادات، وهذا رقم ضخم جدًا بالنسبة إلى فيلم مستقلّ، يُعرض في عدد قليل للغاية من الصالات السينمائية.
مع الصيت والاحتفاء بشوقي وفيلمه، فإن التجربة كلّها تمثّل إلهامًا كبيرًا، إن للسينمائيين الشباب في اتباع هذا النموذج الإنتاجي، وإن للمنتجين والممثلين في المساهمة بصورة أكبر في تجارب تملك طموحًا مختلفًا عن السائد.
إلى ذلك، هناك حدث آخر مؤثّر في عام السينما المصرية، يتمثّل في قرار تعيين محمد حفظي، السينمائي والمنتج الداعم للسينما المستقلة وأفلام الميزانيات الصغيرة ذات الطموح الفني المختلف، رئيسًا لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، ما ألقى بظلاله على تفاصيل كثيرة لهذه الدورة، من حيث عدد الأفلام المعروضة ونوعيتها وأماكن عرضها في العاصمة، بالإضافة إلى الندوات وورش العمل المُقامة أثناء الدورة. والأهمّ كامنٌ في أن قرارًا كهذا دفع مهرجان الدولة إلى أن يكون داعمًا لأفلامها، الجريء منها والتجريبي والمستقلّ.
اللافت للانتباه أنّ إدارة المهرجان لم تعثر، في العام الماضي، على فيلم مصري واحد لاختياره في المسابقة الرسمية، بينما اختلف الوضع هذا العام، إذْ اختيرت 5 أفلام تتفاوت في جودتها وطموحها، لكن ما يجمعها أنها مصنوعة بفضل تجارب إنتاج شبه ذاتية، وعلى هامش السوق، ووجدت طريقها إلى المسابقات المختلفة لـ"مهرجان القاهرة".
في هذا الإطار، يُشار إلى "ليل/ خارجي" لأحمد عبد الله السيد، المُنتَج بجهدٍ شخصي يحمل مخاطرة كبيرة، قبل عرضه في المسابقة الرسمية، وفوز شريف الدسوقي بجائزة أفضل ممثل عن دوره فيه.
هناك أيضًا "ورد مسموم" لأحمد فوزي صالح الذي يقدِّم رؤية سينمائية مختلفة لمنطقة "دباغة الجلود" الشعبية في القاهرة، ويحقق فيه مُنجزًا واضحًا على صعيد تصويره وعلاقته بالمكان، وهو مشارك في "مسابقة آفاق عربية" وفائز بـ3 جوائز، بينها أفضل فيلم عربي. هذان الفيلمان يمنحان، إلى جانب "يوم الدين"، دفعة قوية للأفلام المستقلّة المصرية، خصوصًا مع وجود محمد حفظي في موقع رسمي يؤمّن ـ ربما ـ بعض الدعم.
يصعب على صناعة سينما أن تُنتج أفلامًا قيّمة فنيًا من دون أن يوازي ذلك ازدهار تجاري يسمح بحركة الصناعة. فوجود فائض من المكسب يغري المنتجين بضخّ أموالهم، ويصنع هامشًا للسينمائيين المستقلين، تمامًا كما يحدث في هوليوود.
لذلك، فإن الوضع التجاري الجيد الذي شهدته السينما المصرية عام 2018 هو أيضًا خبر إيجابي. ففيلما "البدلة" لمحمد جمال العدل و"حرب كرموز" لبيتر ميمي مثلاً، بغضّ النظر عن مستواهما الفني، تجاوزت إيراداتهما 60 مليون جنيه مصري؛ بالإضافة إلى فيلم لديه طموح فني وتجاري كـ"تراب الماس" لمروان حامد الذي حصد 31 مليون جنيه مصري.
حتى نجاح أفلام أجنبية مثل The Mug لملغورزاتا سوموفسكا (28 مليون جنيه مصري) وMission Impossible: Fallout لكريستوفر ماك كاري وAvengers Infinity War لأنتوني وجو روسّو (17 مليونًا لكلّ واحد منهما)، هو مؤشّر جيّد على رغبة الناس في الذهاب إلى دور السينما، وعلى أن هناك أموالاً يُمكن أن تساهم في دوران الصناعة، وبالتالي في تحقيق حراكٍ موازٍ على الهامش الأكثر فنية وطموحًا وتجريبًا.
إلى ذلك، فإن الوضع المؤسَف عليه لصناعة المسلسلات التلفزيونية التي كانت مضمونة ورائجة أكثر بين المنتجين في الأعوام الأخيرة، قبل تدخّل الدولة وتقنين عدد المسلسلات المنتجة، هذا الوضع ـ الناتج عن أسباب رقابية واقتصادية عديدة ـ ربما يؤثّر إيجابًا في مستوى آخر، يتمثّل في عودة بعض المنتجين إلى السينما، مع شعور لديهم بأنها "سلعة" رائجة لدى الجمهور، يُحتَمَل أن تحصل على نجاحٍ أكبر وضغوط رسمية أقلّ.
هذه العناصر كلّها، المتضافرة رغم تنافرها، صنعت حراكًا عامًا كبيرًا في السينما المصرية خلال عام 2018. حراك ربما يكون أثره أكبر في المستقبل، وربما يكون مجرّد فورة استثنائية في عام مميّز لن ينتج عنها أيّ شيء.