كشف الجيش الأميركي عن استراتيجية عالمية جديدة، لإعادة تشكيل أكبر قوة عسكرية أميركية في العالم، إذ تواجه الولايات المتحدة العديد من التهديدات الصغيرة وغير المباشرة، بدلاً عن تحديات قليلة وكبيرة. وتطرّق الكاتب جوليان بارنز، في صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى هذا الوضع في مقاله.
وأتت سياسة التغيير من الدروس التي تعلمها الجيش في العراق وأفغانستان، وقُصد منها "الاستعداد لمواجهة التهديدات المستقبلية المتباينة، مثل تلك التي تتعلق بالمتطرفين في العراق، وعدم الاستقرار في كوريا الشمالية، والعدوان الروسي على شرق أوروبا".
وعلى الرغم من تحديد الجيش الأميركي منذ فترة طويلة مهمته الأساسية، بأنها "كسب الحروب"، لكنه يقع عليه الآن عبء مساوٍ لمنع الحروب. وسيُطلَب من الجيش الاستجابة إلى الأزمات الإنسانية، وتطمين الحلفاء، وردع العدوان، بالإضافة إلى القتال في ميادين المعارك.
وقال رئيس هيئة الأركان الجنرال ري أوديرنو، في مقابلة "كان تركيز الجيش في الماضي على إمكانية كسب المعارك، غير أنه بسبب تغيّر التعقيدات في البيئة العملياتية، بات علينا أن نفهم أنه سيتوجب علينا فعل المزيد".
ويقول الفريق المتقاعد ديفيد بارنو: "في ذلك إدراك لدور الجيش، الذي لا يعني الجلوس خلف الزجاج والاستعداد للمعارك في حالات الطوارئ فقط، بل القيام بمهمة استباقية لمنع نشوب الحروب أصلاً".
وتأتي هذه التغييرات، في وقتٍ يشهد فيه الجيش الأميركي تخفيضاً شديداً للإنفاق العسكري، ونقصاً في تمويل العديد من برامج التحديث.
ويلفت ضباط ومحللون، إلى أن "هذه السياسة الجديدة ستؤثر على أنواع التخفيضات التي من المحتمل أن يقوم بها الجيش، وتؤدي إلى استثمار أقل في الأسلحة الثقيلة الجديدة ومعدات أكثر لوحدات المشاة الصغيرة، مثل مروحيات النقل التي تستطيع التحرك بسرعة أكبر وقطع مسافات أطول".
وسيُعلَن عن الاستراتيجية الجديدة، التي أُطلق عليها رسمياً "مفهوم تشغيل الجيش"، هذا الأسبوع خلال الاجتماع السنوي لرابطة الجيش الأميركي في واشنطن.
وتشير الاستراتيجية إلى روسيا والصين باعتبارهما "قوى منافسة"، كما تشير إلى أن "موسكو تبدو مصمّمة على توسيع أراضيها، وأنها استخدمت قواتها البرية، بطرق مبتكرة، لضم شبه جزيرة القرم، وزعزعة أوكرانيا، بدون التسبب في رد عسكري من حلف شمال الأطلسي".
وبحسب الاستراتيجية، سيتطلب ردع مثل ذلك العدوان استخدام القوة الأميركية البرية بشكل مبتكر، إذ "من دون وجود قوة برية قادرة على معارضة الجيش الروسي وتفويضه غير المنتظم، ستستمر مثل تلك المغامرات من دون ردع".
ويعتبر أوديرنو، أن "الاستراتيجية تبني على ما يقوم به الجيش حالياً، فالجيش الأميركي ينشر سبعة من فرق قياداته العشر حول العالم، لتنسيق ردود الولايات المتحدة على مجموعة من الأزمات، بما فيها تواصل القتال في أفغانستان وتهديد مسلّحي "داعش" وتفشي وباء فيروس إيبولا في غرب أفريقيا".
ويضيف أن "العالم يتغير حولنا، وعلينا التكيف مع ذلك التغير، إننا نواجه تهديداً في كوريا، ولكننا نواجه تهديداً آخر في روسيا، وآخر يتعلق بداعش، وعلينا اعداد ردّنا".
ويلفت رئيس هيئة التدريب والعقيدة في الجيش، الجنرال ديفيد بيركينس، إلى أن "ردع ومنع القتال لا يعني أن الجيش سيبتعد عن قوته في ميدان المعركة، والتي ساعدت في صياغة الاستراتيجية الجديدة، وعلى العدو أن يتأكد أنه سيخسر القتال تماماً".
ويتطرّق إلى "مفاهيم التشغيل السابقة للجيش مثل: معركة أرض ـ جو أرضية، التي صِيغت خلال الثمانينيات، قادت الجيش خلال جيل". وقال إنه "عندما التحق بالجيش كان عليه حفظ أنواع الدبابات والتشكيلات العسكرية الروسية، لكن على الجيش اليوم إعداد ضباطه الشباب لما هو غير متيقن منه".
وبينما تمثل قوات البحرية الأميركية حالياً "قوة الردّ" عند الأزمات المستعدة للردّ الفوري على أي تهديد ينشأ ضد الأمن القومي، يُبدي جنرالات الجيش، رغبتهم في إعادة تشكيل الجيش، ليصبح قوة لحلّ الأزمات، على أن تكون مستعدة لنشر العمليات في مراكز قيادية أكبر لتنسيق الرد العسكري المشترك على كل مشكلة.
ويستطرد الجنرال أوديرنو قائلاً "يقول بعض الناس إننا نكسب المعارك ونخسر الحروب، نحن ناجحون في الرد على الأزمات، ولكن علينا أن نرد ويكون لنا نتائج مستدامة".