في فبراير/ شباط من عام 2011، وعقب الثورة المصرية مباشرة، تعالت الأصوات والحناجر في ميدان التحرير، "يا مبارك يا طيار جبت منين 70 مليار"، وزاد لهيب الصيحات عقب إطلاق الكاتب الصحافي، محمد حسنين هيكل، مقولته الشهيرة التي زلزلت ميدان الثورة وأكد فيها، أن حسني مبارك يمتلك ثروة تقدر قيمتها بـ 70 مليار دولار.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي 2015، دعا المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري، الدول المشاركة في المنتدى العربي الرابع لاسترداد الأموال المنهوبة، الذي استضافته تونس، أول من أمس الأربعاء، إلى تنظيم المنتدى الخامس المقرر عقده نهاية العام القادم 2016 في مدينة شرم الشيخ لبحث ما تم اتخاذه في ملف استرداد هذه الأموال.
وما بين التاريخين (2011 -2015)، يعيش المواطن العربي أكبر خدعة مارستها عليه الأنظمة العربية، وتمثلت في التلكؤ الشديد في إحداث اختراق جدي في هذا الملف، والفشل الذريع في استرداد، حتى ولو دولار واحد من الأموال المنهوبة من أنظمة ديكتاتورية، وتقدّر قيمتها بنحو 500 مليار دولار على أقل تقدير، في حين تقدرها مؤسسات دولية معنية بتتبّع الأموال غير المشروعة بنحو ترليوني دولار، أي ألفي مليار دولار.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد يغيب عن قمم مناكفة تركيا
في العاصمة التونسية اجتمع، قبل يومين، وزراء العدل العرب ورؤساء المنظمات والهيئات الرقابية العربية وأجهزة الاستخبارات والمحاسبات، لبحث ملف واحد، هو استرداد الأموال المنهوبة.
وفي المؤتمر خرج علينا الزند ليبشّرنا أن دولة في حجم مصر فشلت في استعادة دولار واحد من الأموال التي نهبها نظام مبارك، وقدّرتها مؤسسات دولية بنحو 132 مليار دولار، في حين قدرتها منظمة الشفافية المالية العالمية المعنية بمكافحة الفساد المالي، أول من أمس، بنحو 40 مليار دولار.
وفي تونس، أيضاً، زف لنا الزند بشرى، حينما قال إن الدولة المصرية لم تحصل، حتى الآن، على الأموال المُهرّبة إلى الخارج، بل ولم نظفر بتعويض ولو كان جزءاً ضئيلاً ممّا تم إنفاقه في هذا المجال.
وبما أن الدولة المصرية تبذل جهوداً خارقة في محاصرة موجة الإرهاب التي شهدتها البلاد، كما قال الزند، فبالتالي فإن ملف استرداد الأموال المُهربة للخارج لا يشكل أولوية قصوى، في هذا الوقت، فملاحقة المعارضين والزج بهم في السجون أهم من استرداد مليارات عدة من الدولارات.
اقرأ أيضاً: 7.8 تريليونات دولار أموال غير مشروعة عالمياً
لسان حال الزند في الفشل المرير في استرداد الأموال المهربة، هو لسان حال كل الدول العربية التي فشلت في استرداد أموالها المنهوبة في الخارج، والحال في مصر لا يختلف كثيراً عن الحال في اليمن والعراق وسورية والجزائر وتونس وليبيا.
للأسف يبدو أنه لا توجد إرادة سياسية لدى حكام هذه الدول في استرداد ما نهبه الحكام السابقون، بل وهناك ربما إصرار على عدم استرداد الأموال المنهوبة، والدليل أحكام البراءة الجماعية التي تمنحها حكومات هذه الدول سارقي هذه الثروات، وعدم توجيه إدانة وأحكام نهائية ضدهم تمهد الطريق لمطالبة الدول الخارجية بإعادة هذه الأموال.
وإذا كانت طريق استرداد الأموال العربية المنهوبة بدأت بهتاف "يا مبارك يا طيار جبت منين 70 مليار"، ومرت بمهرجان البراءة للجميع، فقد تنتهي بفسحة لوزراء العدل العرب في شرم الشيخ في نهاية العام القادم 2016.
اقرأ أيضاً: تقرير:39.8 مليار دولار خرجت من مصر بصورة غير مشروعة