استعدادات مصرية لثاني اجتماعات سد النهضة... وضغوطٌ داخل إثيوبيا

01 ديسمبر 2019
قدّمت مصر مقترحاً فنياً جديداً (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

يبدأ اليوم الأحد توافد ممثلي إثيوبيا والسودان والولايات المتحدة والبنك الدولي على القاهرة، لحضور الاجتماع الثاني من سلسلة الاجتماعات الحاسمة الأربعة المتفق على عقدها بين وزراء المياه في الدول الثلاث لدراسة الحلول الفنية المقترحة لأزمة ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، والذي يبدأ صباح غدٍ الإثنين، ويستمر يومين.

وقالت مصادر مصرية من وزارتي الخارجية والري إنه من المفترض أن يخصص هذا الاجتماع لمناقشة ردود الجانب الإثيوبي وأسئلته المتوقعة بشأن المقترح المصري الجديد، والذي يعتمد على حجم فيضان النيل الأزرق، ما سيترتب عليه تقريباً تخفيض كمية المياه الواصلة إلى مصر سنوياً إلى ما بين 35 و38 مليار متر مكعب من المياه. ويعني هذا المقترح تخلّي مصر عن تمسكها القديم باتفاقيات النيل التي لم تكن إثيوبيا طرفاً فيها، فضلاً عن تخليها أيضاً عن مقترحها السابق بضمان تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب سنوياً. لكن المقترح الجديد، الذي يعتمد على هيدروليجيا النيل الأزرق، سيفتح الباب لاستفادة مصر ببواقي الفيضان، وذلك بعد استفادة إثيوبيا بالمياه المطلوبة لملء الخزان الرئيسي للسد.

وأضافت المصادر أن الأطراف الثلاثة للمفاوضات لم تتواصل مع بعضها البعض بعد انتهاء الاجتماع الأول في أديس أبابا، لكن وزارة الري المصرية أرسلت إلى نظيرتيها السودانية والإثيوبية بياناً تحريرياً بالمقترح المصري الذي طُرح خلال الاجتماع. ويهدف البيان إلى تصحيح الصورة التي وصلت إلى جانب السوداني بشأن تحديد المقترح مدة معينة لملء الخزان تقدّر بسبع سنوات.

وذكرت المصادر أنه إذا أبدت إثيوبيا موافقتها المبدئية على المقترح الجديد للقاهرة، فإن الجانب المصري جاهز بمقترح جديد لتشكيل آلية ثلاثية مشتركة لمتابعة وتقييم أثر الفيضان بصورة دورية على أن يكون مقرها في السودان. ويسمح ذلك بزيادة كميات المياه المحبوسة لملء الخزان في بعض السنوات وتخفيضها في أوقات أخرى حسب ظروف زيادة معدلات الفيضان أو تناقصها، وهو ما يدور حول مدة تتراوح بين خمس وسبع سنوات حسب التقييمات السودانية تحديداً.


وسبق أن قالت المصادر المصرية لـ"العربي الجديد" إن الأخذ بالمقترح المصري الجديد سوف يبعد النقاش تماماً عن فكرة "المدة القطعية لزمن الملء الأول للخزان". وأوضحت هذه المصادر أن الجانب السوداني يتوقع وفقاً للبيانات الفنية المتوفرة لديه عن حجم تدفق النيل الأزرق أن يكون الملء، وفقاً للمقترح المصري مع الحفاظ على معدلات المياه المطلوبة لتشغيل توربينات السد العالي، في متوسط 5 سنوات، لكن القاهرة لا ترغب في تصدير هذه المسألة على السطح. ويفضل الجانب المصري، عوضاً عن ذلك، التركيز على الآلية الجديدة، وعدم استباقها ببيانات وتوقعات ربما تقف عائقاً أمام مناقشة المقترح.

وبالتوازي مع هذه الاستعدادات، تبدو إثيوبيا منشغلة حالياً أكثر من أي وقت مضى بانتشار الشائعات المحلية التي تتهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالتفريط في حق بلاده والإذعان للضغوط الأميركية. ويأتي ذلك في ظلّ تفاقم الأزمة السياسية الداخلية، ورفض زعماء قومية تغراي الحاكمة سابقاً الانخراط في الحزب السياسي الموحد الجديد الذي يشكله رئيس الوزراء الإثيوبي تحت اسم "حزب الازدهار الإثيوبي"، لخلافة تحالف الجبهة الديمقراطية الشعبية الحاكم المكون من أربعة أحزاب رئيسية.

وقال مصدر ينتمي إلى قومية التغراي، ويعمل في صحيفة محلية تابعة للتحالف الحاكم، إن هناك مطالبات من داخل البرلمان الإثيوبي بالامتناع عن قبول المقترح المصري وعدم الاستجابة للضغوط الأميركية، ومطالبة روسيا بلعب دور الوسيط. ويعود ذلك، بحسب المصدر، إلى انتشار شعور في بعض الأوساط الإثيوبية، بأن موسكو ستكون أكثر حرصاً على مصالح أديس أبابا في الوقت الحالي، فضلاً عن عدم ارتياح قسمٍ كبير من السياسيين الإثيوبيين لتدخلات الولايات المتحدة المتكررة في الشؤون الداخلية للبلاد.

وفي المقابل، يرى آبي أحمد، بحسب المصدر، ضرورة المضي قدماً في الاجتماعات الجارية لتلافي اتهام بلاده بتعطيل التوصل إلى اتفاق، مع ضرورة إعلاء الاعتبارات الفنية المطلوب توافرها فيه، ودون استجابة لأي ضغط محتمل من الولايات المتحدة أو أي دولة غربية لتعطيل العمل بالسد أو انتظار انتهاء المفاوضات.

وكانت إدارة السد قد أصدرت بيانات عدة خلال الأسبوعين الماضيين، أكدت فيها عدم تأثير تقليل عدد التوربينات المسؤولة عن توليد الطاقة الكهربية، في ظل زيادة كفاءة التوربينات الثلاثة المستخدمة حالياً، والتي تمد إثيوبيا بها شركة "جي أو هيدرو" الفرنسية. وكانت مصر قد طالبت الحكومة الفرنسية بالضغط على هذه الشركة لوقف التعاون مع أديس أبابا لحين التوصل إلى حلّ للقضية، دون جدوى. ويأتي ذلك أيضاً في ظلّ الإعلان عن اكتمال بناء لوح الوجه الخاص به في سد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار سد النهضة الرئيسي. وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، تم إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام، حيث سيضم السد ثلاثة مجارٍ للمياه بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بأكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج.

وجرى خلال الأسبوع الماضي تداول معلومات في القاهرة بشأن تلقّي مصر تهديدات أميركية بعدم التدخل لتقليل الآثار السلبية المترتبة على إنشاء سد النهضة، في حالة استمرت الحكومة المصرية في خطة استيراد طائرات "سوخوي 35" من روسيا بعد أيام من تهديدها رسمياً بتوقيع عقوبات، ما يعني ابتزازها مصر في هذا السياق. لكن مصادر دبلوماسية مصرية قالت لـ"العربي الجديد" إن "تلك المعلومات غير موثوقة، ولم يصدر بشأنها أي تصريح أو حتى تلميح من المسؤولين الأميركيين"، مرجّحة أن تكون مجرد "اجتهادات من محللين أو مسؤولين مصريين".

وتشارك الولايات المتحدة في الاجتماعات الأربعة الحاسمة ممثلة في وزارة الخزانة ومساعدي الوزير ستيفن منوتشين، ومن المقرر ضرورة الوصول إلى اتفاق بتحديد قواعد ملء وتشغيل السد بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني المقبل، وأن تستضيف واشنطن اجتماعين في 9 ديسمبر/ كانون الأول الحالي و13 يناير/ كانون الثاني المقبل لمتابعة التطورات.   

وفي حال الفشل في التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف يناير، نجحت مصر في تمرير اتفاق على تطبيق المادة 10 من إعلان المبادئ، والتي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير أو تنفيذ الاتفاقية، ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.

 

المساهمون