15 مايو 2024
استفتاء كردستان وأفول حلم الدولة
تداخلت التصريحات، وتسارعت المواقف والتحركات الدولية والإقليمية، وكذلك العراقية، بشأن موضوع الاستفتاء الذي يزمع قادة إقليم كردستان العراق إجراءه في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، لتحديد مصير أكراد العراق، وتمهيداً لإعلان استقلال إقليمهم والإعلان عن تشكيل أول (دولة كردية) في العالم. ولعل اللافت بالنسبة للمنطقة برمتها حجم الرفض الدولي والإقليمي موضوع الاستفتاء بشكل عام، أو توقيته غير المناسب، بالنسبة لدول ذات وزن مهم في المعادلة الكردية، وكانت تحسب، حتى وقت قريب، أنها ستكون الداعم الرئيس لهذا الاستفتاء، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما. أما الدول الإقليمية، كتركيا، فإن القيادة الكردية كانت تراهن، فيما يبدو، على حجم الخلافات الكبيرة بينها وبين إيران، وظنت هذه القيادة فعلاً أنها أجادت لعبة حفظ التوازنات في عملية كسب ود أنقرة وطهران، سواء بالتعاملات الاقتصادية، أو بغض النظر عن تدخلات البلدين في الأراضي التابعة لسلطة الإقليم، لمتابعة مقاتلي التنظيمات الكردية المعادية للنظامين في تركيا وإيران.
انتفضت بغداد بشكل مفاجئ بعض الشيء، لتعلن رفضها موضوع إجراء الاستفتاء، بسبب تعارضه مع نصوص دستور العراق الذي أقر عام 2005، ووافق عليه الأكراد حينها، كما ترى حكومة المركز العراقية أن الاستفتاء لا يصب في مصلحة الأكراد سياسياً، ولا اقتصادياً، ولا قومياً، وعاد الوفد الكردي من بغداد خالي الوفاض.
وخيبت الولايات المتحدة، حليف القيادة الكردية الممثلة برئيس الإقليم مسعود البرزاني، ظنون أكراد العراق، وثبطّت من همتهم صوب الاستفتاء، عندما بدأت التصريحات تأتي تلميحاتٍ من واشنطن، ثم انتهت بزيارة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إلى المنطقة، ليعلن من أنقرة أن إعلان عزم إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء تقرير المصير "خطوة خاطئة". وأكد بشكل واضح وصريح رفض بلاده "أي إجراءٍ يهدف إلى تقسيم العراق وزعزعة استقراره"؛ وهذه العبارة تحديداً اعتبرها الأكراد موقفاً أميركياً سلبياً "مستقبلياً"، وليس لظرف الاستفتاء الزماني الآني، وقد أوضح ماتيس ذلك للقيادة الكردية في زيارته أربيل لاحقاً.
توافقت تركيا وإيران بشكلٍ تفوّق على تصورات القادة الأكراد، فأنشأ البلدان غرف عمليات
للتعامل مع المواقف الآنية، وأخرى مستقبلية، للتعرّض لأي موقفٍ يتخذه الأكراد ضمن سياسة "الأمر الواقع"، فكانت زيارة رئيس أركان القوات الإيرانية، وكذلك التنسيق الإستراتيجي، العالي المستوى، بين الخارجيتين الإيرانية والتركية، وهو ما انعكس بشكل كامل على مواقف كل المنظومة الدولية والشرق أوسطية، ونجحت الدولتان في إيصال رسالة شديدة الوضوح، بالغة القوة، مفادها بأن تشكيل دولة كردية في العراق أمر غير مسموح به، وسيفضي إلى حروب مؤكّدة، وعلى العالم تحمل وزر هذه الحروب.
ليس هذا فقط، بل تحركت أنقرة وطهران تجاه بغداد، ومارستا حدود تأثيرهما على حكومة حيدر العبادي، فأنقرة أرسلت مستشار الاستخبارات التركية قبل زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ومعها إلى بغداد في 23 أغسطس/ آب الجاري. أما إيران فلا يحتاج تواصلها أو لنقل تأثيرها على إدارة الحكم في العراق مستشارين أو تواصلاً رسمياً معلناً، وموقفها واضح وحاسم، وتم إبلاغه للقيادة العراقية: لن يكون هناك استفتاء.
أربكت المواقف الدولية، مع موقف حكومة العبادي، رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، فخرج ليقول إنه "لا تراجع عن تنظيم الاستفتاء على استقلال الإقليم"، وهو في هذا الموقف يخطئ أيضاً، لأن ما يفترض بالبرزاني فعله هو الاستجابة للمواقف الواضحة تجاه هذا الأمر، وأن يركز على "إدارة منطقته بنجاح"، كما ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأن يفكر ملياً في تجنيب إقليمه وشعبه الكردي ويلاتٍ ومشكلاتٍ، ربما يكون مخططاً لها ضمن المرحلة اللاحقة من تدمير العراق، وأنه بإصراره على هذا الأمر إنما يمنح الآخرين، كل الآخرين، فرصة منح هذه الخطوة بكل الوسائل، وهي كثيرة.
حديث البرزاني عقب المواقف الدولية فيه دلالات كثيرة، على أن موضوع الاستفتاء، حصل في موعده أم لم يحصل، سوف يكون وبالاً على الشعب الكردي ومستقبل إقليم كردستان، فمما قاله البرزاني، عقب المواقف الرافضة إجراء الاستفتاء "لن ندعو إلى الحرب، ولن نبادر إليها، ولكن لدينا حق الدفاع (عن النفس) إذا فُرضت علينا، وهدف الاستفتاء على استقلال الإقليم هو منع كوارث وحروب جديدة". وحشر موضوعي الحشد الشعبي وتلعفر في موضع الاستفتاء، وأن مشاركة الحشد ستعني تمكينه لاحقاً من ولوج أراضي الإقليم، وهو أمر قد يفضي إلى حرب كبيرة داخل الأراضي العراقية وأراضي الإقليم، ولن يمنعه إلا إعلان استقلال الإقليم، وضمان الحماية الدولية له وفق المعايير الأممية.
توجه إقليم كردستان العراق نحو إجراء الاستفتاء، أو لنقل نحو إعلان الاستقلال، لن يجعل أكراد العراق في مأمنٍ من هذه المخاوف، لعدة أسباب، منها أن الإقليم استحوذ على أراضٍ تابعة لمحافظات عربية في ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، وأن هذه الأراضي سيتصدى جيش العراق المركزي، إضافة إلى الحشد الشعبي (إن بقي في هيئته الحالية، ولم يدمج
بالمؤسسات الرسمية) للدولة الجديدة، كي تعاد إلى حضن الوطن الأم (العراق)، كما أن لا دولة كردية مطلقاً من دون كركوك. هذا موقف كردي ثابت، وبغداد وغيرها لن تسمح بمنح المحافظة التي يشكل التركمان والعرب أحد أهم مكونات شعبها قبل 2003، كما أن وزير الخارجية التركي قال، في زيارته بغداد، إن بلاده ترى رفع أعلام إقليم كردستان فوق أسطح مباني كركوك غير قانوني (وهذا تصريح دلالاته جد خطيرة)، كركوك التي ستشكل شريان الدولة الكردية الاقتصادي، من خلال نفطها المتدفق بسخاء، والذي وعدت أربيل إسرائيل بترتيبات تنظيم تصديره إليها عقب إعلان دولتها الموعودة.
الكرة الآن في ملعب قيادة إقليم كردستان، خصوصاً وأن هناك توافقاً شبه كامل بين الأحزاب الكردية الرافضة موضوع الاستقلال في الأصل، للقبول بموضوع التأجيل، وأن لا يلزموا الشعب الكردي به، فيما ترى أطراف كردية أخرى، يقودها وزير الخارجية العراقي السابق والقيادي في إقليم كردستان، هوشيار زيباري، أن الاستفتاء يجب أن يجري، ولو من الناحية الشكلية، لحفظ ماء وجه القيادة الكردية أمام شعبها.
يبدو الموقف بجملته وكأن إقليم كردستان العراق الذي عرف الرخاء الاقتصادي والاستقرار الأمني والتعاون الدولي والإقليمي منذ ما يقارب الـ27 عاماً بدأ يدفع نفسه خارج هذه النعمة، من خلال استعجاله حلم الدولة، على الرغم من أنه متمتع بكل مزايا الدولة، إلا الاعتراف الدولي بتسمية الدولة، قنصليات وعلاقات خارجية وميزانية وقوات مسلحة وجوازات... وغيرها.
ووفق ما تقدم، وغيره مما لا مجال لذكره، يعني الدفع خارج نعمة الإقليم إلى متاهات الدولة أن استعجال طلب الدولة هو استعجال ردات فعل المتأثرين سلباً بقيام هذه الدولة، وهي دول لن يتوقع أحد تغير مواقفها غداً، أبداً ومطلقاً، فتركيا وإيران وسورية والعراق (بعد تعافيهما) لن يسمحا بتمرير مشروعٍ كهذا. وبناء على ذلك التصور، بات حلم الأكراد بإنشاء دولة كردية تنطلق نواتها من كردستان العراق شيئاً من الحلم الذي أفل، بعد أن استعجلت قيادتهم الفاقدة للبعد الإستراتيجي باتخاذ قرار الاستفتاء في غير أوانه وتوقيته.
انتفضت بغداد بشكل مفاجئ بعض الشيء، لتعلن رفضها موضوع إجراء الاستفتاء، بسبب تعارضه مع نصوص دستور العراق الذي أقر عام 2005، ووافق عليه الأكراد حينها، كما ترى حكومة المركز العراقية أن الاستفتاء لا يصب في مصلحة الأكراد سياسياً، ولا اقتصادياً، ولا قومياً، وعاد الوفد الكردي من بغداد خالي الوفاض.
وخيبت الولايات المتحدة، حليف القيادة الكردية الممثلة برئيس الإقليم مسعود البرزاني، ظنون أكراد العراق، وثبطّت من همتهم صوب الاستفتاء، عندما بدأت التصريحات تأتي تلميحاتٍ من واشنطن، ثم انتهت بزيارة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إلى المنطقة، ليعلن من أنقرة أن إعلان عزم إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء تقرير المصير "خطوة خاطئة". وأكد بشكل واضح وصريح رفض بلاده "أي إجراءٍ يهدف إلى تقسيم العراق وزعزعة استقراره"؛ وهذه العبارة تحديداً اعتبرها الأكراد موقفاً أميركياً سلبياً "مستقبلياً"، وليس لظرف الاستفتاء الزماني الآني، وقد أوضح ماتيس ذلك للقيادة الكردية في زيارته أربيل لاحقاً.
توافقت تركيا وإيران بشكلٍ تفوّق على تصورات القادة الأكراد، فأنشأ البلدان غرف عمليات
ليس هذا فقط، بل تحركت أنقرة وطهران تجاه بغداد، ومارستا حدود تأثيرهما على حكومة حيدر العبادي، فأنقرة أرسلت مستشار الاستخبارات التركية قبل زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ومعها إلى بغداد في 23 أغسطس/ آب الجاري. أما إيران فلا يحتاج تواصلها أو لنقل تأثيرها على إدارة الحكم في العراق مستشارين أو تواصلاً رسمياً معلناً، وموقفها واضح وحاسم، وتم إبلاغه للقيادة العراقية: لن يكون هناك استفتاء.
أربكت المواقف الدولية، مع موقف حكومة العبادي، رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، فخرج ليقول إنه "لا تراجع عن تنظيم الاستفتاء على استقلال الإقليم"، وهو في هذا الموقف يخطئ أيضاً، لأن ما يفترض بالبرزاني فعله هو الاستجابة للمواقف الواضحة تجاه هذا الأمر، وأن يركز على "إدارة منطقته بنجاح"، كما ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأن يفكر ملياً في تجنيب إقليمه وشعبه الكردي ويلاتٍ ومشكلاتٍ، ربما يكون مخططاً لها ضمن المرحلة اللاحقة من تدمير العراق، وأنه بإصراره على هذا الأمر إنما يمنح الآخرين، كل الآخرين، فرصة منح هذه الخطوة بكل الوسائل، وهي كثيرة.
حديث البرزاني عقب المواقف الدولية فيه دلالات كثيرة، على أن موضوع الاستفتاء، حصل في موعده أم لم يحصل، سوف يكون وبالاً على الشعب الكردي ومستقبل إقليم كردستان، فمما قاله البرزاني، عقب المواقف الرافضة إجراء الاستفتاء "لن ندعو إلى الحرب، ولن نبادر إليها، ولكن لدينا حق الدفاع (عن النفس) إذا فُرضت علينا، وهدف الاستفتاء على استقلال الإقليم هو منع كوارث وحروب جديدة". وحشر موضوعي الحشد الشعبي وتلعفر في موضع الاستفتاء، وأن مشاركة الحشد ستعني تمكينه لاحقاً من ولوج أراضي الإقليم، وهو أمر قد يفضي إلى حرب كبيرة داخل الأراضي العراقية وأراضي الإقليم، ولن يمنعه إلا إعلان استقلال الإقليم، وضمان الحماية الدولية له وفق المعايير الأممية.
توجه إقليم كردستان العراق نحو إجراء الاستفتاء، أو لنقل نحو إعلان الاستقلال، لن يجعل أكراد العراق في مأمنٍ من هذه المخاوف، لعدة أسباب، منها أن الإقليم استحوذ على أراضٍ تابعة لمحافظات عربية في ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، وأن هذه الأراضي سيتصدى جيش العراق المركزي، إضافة إلى الحشد الشعبي (إن بقي في هيئته الحالية، ولم يدمج
الكرة الآن في ملعب قيادة إقليم كردستان، خصوصاً وأن هناك توافقاً شبه كامل بين الأحزاب الكردية الرافضة موضوع الاستقلال في الأصل، للقبول بموضوع التأجيل، وأن لا يلزموا الشعب الكردي به، فيما ترى أطراف كردية أخرى، يقودها وزير الخارجية العراقي السابق والقيادي في إقليم كردستان، هوشيار زيباري، أن الاستفتاء يجب أن يجري، ولو من الناحية الشكلية، لحفظ ماء وجه القيادة الكردية أمام شعبها.
يبدو الموقف بجملته وكأن إقليم كردستان العراق الذي عرف الرخاء الاقتصادي والاستقرار الأمني والتعاون الدولي والإقليمي منذ ما يقارب الـ27 عاماً بدأ يدفع نفسه خارج هذه النعمة، من خلال استعجاله حلم الدولة، على الرغم من أنه متمتع بكل مزايا الدولة، إلا الاعتراف الدولي بتسمية الدولة، قنصليات وعلاقات خارجية وميزانية وقوات مسلحة وجوازات... وغيرها.
ووفق ما تقدم، وغيره مما لا مجال لذكره، يعني الدفع خارج نعمة الإقليم إلى متاهات الدولة أن استعجال طلب الدولة هو استعجال ردات فعل المتأثرين سلباً بقيام هذه الدولة، وهي دول لن يتوقع أحد تغير مواقفها غداً، أبداً ومطلقاً، فتركيا وإيران وسورية والعراق (بعد تعافيهما) لن يسمحا بتمرير مشروعٍ كهذا. وبناء على ذلك التصور، بات حلم الأكراد بإنشاء دولة كردية تنطلق نواتها من كردستان العراق شيئاً من الحلم الذي أفل، بعد أن استعجلت قيادتهم الفاقدة للبعد الإستراتيجي باتخاذ قرار الاستفتاء في غير أوانه وتوقيته.