حمل تعبير المغرب عن أسفه، من قرار مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء هورست كوهلر الاستقالة من منصبه، أول من أمس الأربعاء، موقفاً ضمنياً من خيبة أمله من هذه الاستقالة المفاجئة، وخصوصاً أن الرباط تنظر إلى كوهلر نظرة إيجابية رغم بعض التحفظات، وتعتبره أفضل من سابقه كريستوفر روس، من حيث التعاطي مع ملف نزاع الصحراء.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان، إن المملكة أخذت علماً "بأسف" باستقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، منوهة بالجهود التي بذلها منذ تعيينه في أغسطس/ آب 2017، ومشيدة بالثبات والاستعداد والمهنية التي تحلّى بها كوهلر في تأديته مهامّه. وينظر المغرب إلى عمل كوهلر بشكل إيجابي عموماً بالمقارنة مع انتقاده الصريح لولاية سابقه روس، الذي تعتبره الرباط أحد الأسباب الرئيسية في العلاقة المتوترة مع الأمم المتحدة بشأن حل نزاع الصحراء، وتتهمه بمحاباة الطرف الثاني، متمثلاً في جبهة البوليساريو. وظهر التقييم الإيجابي من المغرب لعمل كوهلر، رغم قصر المُدة التي عمل فيها على ملف الصحراء، من خلال تصريحات ومواقف رسمية لوزارة الخارجية، تعليقاً على العديد من الخطوات التي قام بها المبعوث الأممي مستنداً فيها على تجربته الدبلوماسية، وعلى مكانته الدولية، إذ كان رئيساً سابقاً لألمانيا.
وإذا كان المغرب يمتدح، دون إسراف كبير، خطوات المبعوث الأممي، خصوصاً عبر تحديد أطراف النزاع، فإن كوهلر وجد نفسه وسط مهمة معقدة للغاية، ذلك أن كل طرف بقي متمسكاً بمواقفه السابقة، رغم تثمين الجميع لعقد جولات الحوار في جنيف. وأمام إصرار المغرب الصريح على أنه لا يمكن إيجاد حل للنزاع خارج مقترحه، المتمثل في إقامة حكم ذاتي موسع بالصحراء، وأنه لا يمكن تقديم تنازلات في هذا الملف، كان لزاماً على كوهلر أن يصوّب جهوده نحو جبهة البوليساريو والجزائر، لعلهما يقدمان بعض التنازلات لتحريك الجمود في الملف، وهو ما فشل فيه. ويبدو أن كوهلر، عدا الظرف الصحي الذي علق عليه الاستقالة، لم يجد من أطراف النزاع المختلفة في ملف الصحراء إمكانية القبول بالتفاوض المباشر، وتقديم التنازلات المتبادلة من أجل وضع حد لأحد أقدم النزاعات في العالم، الشيء الذي جعل مهمته صعبة وشبه مستحيلة في الظرف الراهن.
ولم يخف مراقبون شكوكهم بشأن الأسباب الحقيقية لاستقالة كوهلر، وخصوصاً أنها جاءت بعد زيارة مسؤولين جزائريين وقيادات في جبهة البوليساريو إلى ألمانيا أخيراً، والذين أبدوا تحفظاتهم وانتقاداتهم لطريقة تدبير كوهلر للملف، ورفضهم خصوصاً لقرار مجلس الأمن الدول الرقم 2468.
وبهذه الاستقالة، التي عزاها كوهلر إلى ظروفه الصحية، يخشى البعض أن يعود ملف حل نزاع الصحراء إلى نقطة البداية، وخصوصاً أنه يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الإسراع بتعيين من يخلف كوهلر في هذه المهمة العسيرة، وأن يكمل طريق التقريب بين وجهات النظر بين أطراف النزاع. وبخصوص الموقف المستقبلي لمرحلة ما بعد كوهلر، فإن المغرب أعلن رسمياً "دعمه لجهود غوتيريس لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، والتزامه بالتوصل إلى حل سياسي واقعي، براغماتي ومستدام، قائم على التوافق، وذلك في إطار مبادرة الحكم الذاتي". من جهتها، حذرت جبهة البوليساريو من "استخدام رحيل المبعوث الشخصي كذريعة لتأخير أو عرقلة التقدم، الذي تم إحرازه منذ أول اجتماع للطاولة المستديرة حول الصحراء بإشراف الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2018"، داعية الأمين العام للأمم المتحدة إلى "التحرك بسرعة لتعيين مبعوث شخصي جديد له، ممن يتسم بمثل القناعة القوية والمكانة والهمة التي تميز بها كوهلر".