دخلت الحكومة التونسية مرحلة تقييم الأضرار وتحديد المسؤوليات ومحاولة فهم ما حدث بعد الاعتداء الإرهابي على متحف باردو، بعد أن مرّت لحظة الصدمة وردة الفعل.
وبعيداً عن التأثيرات السياحية والاقتصادية التي تتفاوت فيها التقييمات والقراءات، تبدو القراءة الأمنية أهم الأسئلة التي شُرع في طرحها، بعد الإجماع على الثغرات الكثيرة التي أدت إلى الكارثة، وبقطع النظر عن النجاح الحاصل في الحد من عدد الضحايا ومن مدة التدخل خصوصاً بعد احتجاز الرهائن.
وكان لافتاً ما كشفه النائب الأول لرئيس مجلس النواب، عبد الفتاح مورو، عن أن عناصر أمن مكلفين بحراسة البرلمان المحاذي لمتحف باردو كانوا في "مقهى" ساعة تعرّض المتحف للهجوم، مندداً بما سماه "إخلالاً (أمنياً) كبيراً".
وقال مورو، لوكالة "فرانس برس": "علمت أن أربعة فقط من عناصر الشرطة كانوا مكلفين بتوفير الأمن حول البرلمان، اثنان منهم كانا في المقهى والثالث كان يأكل وجبة خفيفة والرابع لم يأتِ للعمل".
وتبدو الحكومة التونسية مصرّة على إعادة النظر في منظومتها الأمنية وهرم قياداتها وتفعيل كفاءاتها، على المستوى الاستخباراتي والعملي والإداري لكسب ما سمّته حرباً على الإرهاب.
وتؤكد معلومات متقاطعة أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تغييرات في عدد من القيادات الأمنية في تونس الكبرى (التي تضم ثلاث محافظات هي تونس وأريانة وبن عروس)، وربما يتم تغيير كامل الطاقم القيادي في باردو يشمل كل فرقه. وبحسب المعلومات، سيتم تعيين قيادات جديدة في عدة مدن تونسية أخرى داخل البلاد.
كما أن الرئيس التونسي والقائد الأعلى للقوات المسلحة، الباجي قائد السبسي، ورئيس حكومته الحبيب الصيد، العارف بالمسائل الأمنية، أذنا بفتح تحقيق لفهم تفاصيل الأحداث والأسباب والأخطاء التي أدت الى حصول عملية باردو، والقضاء التونسي بدأ عبر النيابة العامة في التحقيق في الاعتداء الذي كشف عن أخطاء متسلسلة أمنياً وقضائياً، خصوصاً أن أحد الارهابيَين (ياسين العبيدي)، كان قد تم إلقاء القبض عليه سابقاً وأطلق سراحه لعدم وجود أدلة كافية تدينه وتُبرر اعتقاله.
اقرأ أيضاً: بعد هجوم باردو: تونس تدعّم أمنها بوجه "الإرهاب"
كما أعادت قوات وزارة الداخلية والجيش التونسي انتشارهما في مداخل المدن والعاصمة بشكل خاص، وخصوصاً في قلبها، حي "لافيات"، الذي يحوي مبنى مؤسسة الإذاعة التونسية التي تلقت تهديدات بعد عملية باردو. وتم اتخاذ إجراءات سريعة لحماية المنشآت السياحية والموانئ والمطارات والمؤسسات العامة الحساسة.
ويحاول الأمن أن يُحكم الحصار حول العاصمة ويحدّ من تسلل الإرهابيين إليها من الشعانبي أو من ليبيا، بعدما تبيّن أن منفذَي عملية باردو تدربا على استخدام السلاح في ليبيا، وفق تأكيد كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي، الذي أكد أن منفذَي الهجوم عنصران متطرفان سلفيان تكفيريان غادرا البلاد في شهر ديسمبر/ كانون الأول خلسة الى ليبيا وتمكّنا من التدرب على الأسلحة هناك، مضيفاً أنهما من العناصر المشبوهة والخلايا النائمة، والداخلية تعرفهم وهم "تكفيريون ويمكن أن يقوموا بعمليات، لكن يجب جمع أدلة للقيام بعملية توقيف".
وقامت فرق مختصة من الأمن بمداهمة منزل عائلة الإرهابي جابر الخشناوي (الذي تم قتله في باردو)، في منطقة محاذية لمحافظة القصرين، وسط تونس، وجرى القبض على والده وشقيقته، وهي طالبة، للاشتباه في مشاركتهما في العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو. وكان الخشناوي فار منذ إلقاء القبض على ما يُعرف بـ"مجموعة كتيبة الشباب المجاهد بسبيطلة".
وبالعودة الى التحقيق الذي سيُفتح في أحداث باردو، عرضت الولايات المتحدة الأميركية على تونس المساعدة فيها، إذ أكد المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جوش إرنست، أن بلاده عرضت على تونس المساعدة في التحقيق في ملابسات الهجوم على متحف باردو، مضيفاً أن مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الإرهاب، ليزا موناكو، اتصلت هاتفياً بعد الحادثة بوزير الداخلية التونسي.
وقال البيت الأبيض، في بيان، إن الرئيس الأميركي باراك أوباما جدد التأكيد، خلال مكالمة هاتفية مع السبسي، على "التعاون الصلب في مجال مكافحة الإرهاب وفي المسائل الأمنية" مع الحكومة التونسية.
من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمام البرلمان الاتحادي، أول أمس، الخميس، إن حكومتها "ستفعل كل ما في وسعها لمساعدة تونس"، فيما وصل وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، أمس الجمعة، إلى تونس في زيارة ربما تتضمن مساعدة لوجستية أمنية، خصوصاً بعد تأكيد الصيد أن بعض الدول عبّرت عن استعدادها لتقديم معدات عاجلة من مخزونها المتوفر، في إشارة إلى أن البلاد لا يمكن أن تنتظر فترة طويلة معدات عسكرية كانت اشترتها من بعض الدول، وخصوصاً الطائرات التي يُفترض تسلّمها من الولايات المتحدة في العام 2017.
وتنتظر تونس من المجتمع الدولي أن يعبّر عن دعمه اللوجيستي سريعاً، خصوصاً في إحكام السيطرة على الحدود مع ليبيا، التي تتطلّب، حسبما تردد، أكثر من 100 مليون دولار، وكذلك معدات قادرة على تعقّب تحركات الإرهابيين ليلاً، وتحديداً لجهة دخولهم وخروجهم من جبل الشعانبي والجبال المحاذية، وكذلك في المنطقة المعزولة في الصحراء المحاذية لليبيا، تحسباً من تسلّل أعداد من المتدربين هناك بعد المتغيّرات التي طرأت على الميدان وبعد التهديدات التي نشرها تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، لتونس وفتح فيه ما سمّاه "سوق الجهاد في تونس". وهو ما اعتبره خبراء بمثابة إعلان الحرب على تونس ودعوة الخلايا النائمة للتحرك.
وقامت الوحدات الأمنية بالقبض على عدد من المتشددين قاموا بالاحتفال بعد عملية باردو في أكثر من مدينة. وشهدت محافظة قبلي، في أقصى الجنوب التونسي، فجر أمس الجمعة، حرق مقام الولي "سيدي حامد"، وهي عمليات منسوبة للمتشددين كانوا قاموا بها في أكثر من مقام في العديد من المدن التونسية على امتداد السنوات الماضية.