وبدأت الأزمة في 12 من أيلول/سبتمر الماضي، عندما أصدرت السفارة الأميركية في أنقرة، بيانا طويلا غير مسبوق، أشبه بالتحذير للسلطات التركية، ركزت خلاله على السماح للخدمات القنصلية الأميركية بالوصول إلى المواطنين الأميركين المحتجزين في تركيا، بتهم عدة منها تلك المتعلقة بالتعاون مع حركة الخدمة، المتهم الأول بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز 2016، بالإضافة إلى تهم أخرى، كما عبر البيان عن عدم ارتياح واشنطن من عمل الإدارة التركية على تقييد منظمات المجتمع المدني الأميركية، حيث أوقفت منح الموظفين الأميركيين تصاريح الإقامة، بسبب قيام معظم هذه المنظمات بالعمل في مناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) بشكل أساسي، والذي تصنفه أنقرة في إطار المنظمات الإرهابية.
وانفجرت الأزمة بعد قيام السلطات التركية باحتجاز المواطن متين توبوز، العامل في القنصلية التركية في مدينة إسطنبول، بتهمة "التجسس السياسي والعسكري ومحاولة تخريب النظام الدستوري والانقلاب على حكومة الجمهورية التركية".
وبحسب أحد تقارير صحيفة "حرييت" التركية، فقد عمل توبوز على التواصل بشكل مستمر مع المدعي العام التركي، زكريا أوز، المقيم حاليا في ألمانيا، والتابع لحركة الخدمة، خلال التحقيقات في عمليات الفساد التي شنتها الحركة بين 17-25 من ديسمبر/كانون الأول 2013، واستهدفت أربعة وزراء أتراك وكذلك نجل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
كما اتهمت التحقيقات توبوز بلعب دور في المحاولة الانقلابية الفاشلة، عبر التواصل مع العسكريين الانقلابيين، ومنهم النائب السابق لقائد قوات الدرك في مدينة إسطنبول، العقيد أوكتاي أككايا، والضابط في الدرك يوكسل أسان، وكذلك التواصل مع علي سربستجي، الذي عمل ضد قوات الشرطة التي قاومت المحاولة الانقلابية، وأيضا التواصل مع مدير الأمن، زكي تاشكين، المتهم بلعب دور في الهجوم الذي تعرضت له مديرية أمن العاصمة أنقرة، خلال المحاولة الانقلابية، حيث نفى توبوز كل هذه الاتهامات.
وكان السفير الأميركي في العاصمة التركية أنقرة، جون باس، قد عبر، قبل أيام، عن انزعاجه من اعتقال الموظف في السفارة، متهما بعض أطراف الحكومة التركية بالعمل على الانتقام، ومشيرا إلى انزعاج بلاده من الإعلام التركي الذي حاكم المتهم بدل القضاء، على حد تعبيره.
وربطت السفارة الأميركية في أنقرة في بيانها بشكل واضح إجراءات منح التأشيرات باعتقال موظفها، بالقول إن "الأحداث الأخيرة دفعت الحكومة الأميركية لإعادة تقييم التزام الحكومة التركية حول أمن منشآت البعثة الدبلوماسية الأميركية والعاملين فيها، ولتقليل عدد الزائرين للسفارة الأميركية والقنصليات وبينما تتم إعادة التقييم هذه، نعلن عن تعليق منح جميع أنواع تأشيرات الدخول غير المتعلقة بالهجرة في جميع منشآت الدبلوماسبة الأميركية في تركيا".
وقامت الخارجية التركية، اليوم الإثنين، باستدعاء وكيل السفارة الأميركية في أنقرة، فيليب كونسنت، لتعبر عن تطلعها لإلغاء قرار وقف منح تأشيرات الدخول.
ويبدو أن القرار الأميركي الأخير يعتبر قمة الجليد للتوتر والخلافات الكبيرة بين كل من الإدارة التركية والإدارة الأميركية، حول عدد من المواضيع يأتي على رأسها الملف السوري والتعاون بين واشنطن والعمال الكردستاني، وعدم قيام الإدارة الأميركية بتسليم فتح الله غولن، زعيم حركة الخدمة المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، والمتهم الأول بإدارة المحاولة الانقلابية، حيث أشار وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، في وقت سابق، إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا يطبقان حظرا غير معلن على تصدير السلاح إلى تركيا.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد لمح في وقت سابق، إلى أن أنقرة لن تقوم بتسليم القس البروتستانتي الأميركي، أندرو كريغ برونسون، المحتجز في تركيا بتهمة التعاون مع حركة الخدمة، إلا مقابل تسليم غولن، بالقول إن "الأميركان يطالبون باستعادة أحد القسيسين، لديكم أيضا قس، سلمونا إياه أنتم أيضا".