لا يمر يوم في المغرب من دون أن نسمع أخباراً من هنا وهناك عن اغتصاب أو تحرش جنسي لطفل أو طفلة. وبحسب تقرير حقوقي، تشكل الاعتداءات الجنسية 80 بالمئة من حالات الاستغلال الجنسي للأطفال، التي يحصل معظمها من طرف الأقارب، الذين يشكلون 75 بالمئة من المعتدين. ويُرجع مراقبون تفشي الظاهرة إلى غياب الرادع القانوني والتربوي.
وخلصت دراسة، أنجزها "منتدى الزهراء للمرأة المغربية" في شراكة مع "الشبكة العربية للمنظمات الأهلية"، إلى أن "ارتفاع نسبة الأمية يشكل سبباً رئيسياً في تفشي الظاهرة بحيث ينعكس المستوى الدراسي للآباء والأمهات على مدى توفير الرعاية الأسرية السليمة والملائمة لاحتياجات الأطفال، والتي من شأنها تحصينهم ضد مختلف أشكال الانحرافات. فالمستوى الثقافي الجيد للآباء والأمهات يضمن للطفل تنشئة اجتماعية متوازنة، ويمكّن الآباء من تواصل أفضل مع أبنائهم وخصوصاً في مرحلة المراهقة".
كذلك أوضحت الدراسة أن أغلب القاصرين المستغلين جنسياً يتحدرون من أسر فقيرة أو أسر مضطربة وغير مستقرة تتسم بغياب لأحد الأبوين.
ويفيد تقرير لـ"المرصد الوطني لحماية الطفولة"، لسنة 2010، بأنه استقبل ما بين الأعوام 2000 و2009، 3708 حالات اعتداء على الأطفال، من بينها ألف شكوى تتعلق بالاعتداء الجنسي.
حلوى ودراهم
يلجأ أغلب المغتصبين إلى استدراج ضحاياهم باستعمال أساليب مغرية، تجعل القاصرين عجينة ليّنة بين أيديهم، ومن هذه الأساليب تقديم الحلويات أو الدراهم.
وبحسب تقرير صدر عن جمعية "ماتقيش ولدي" (لا تلمس ولدي) فإن "الفئة العمرية حتى الثامنة هي الفئة الأكثر عرضة للاعتداءات من بقية الفئات العمرية الأخرى للأطفال، وذلك بحكم السن والأهلية وقابليتها للإغراءات والإكراهات المادية والرمزية".
واعتبر التقرير أن "أطفال الفئات الفقيرة من الأسر المغربية هم الفئة المستهدفة والأكثر عرضة للاعتداء والاستغلال الجنسيين بسبب الفقر والتهميش والتفكك الأسري وغياب الحماية والوقاية".
فخلال الأسبوع الماضي فقط تم توقيف رجل ستيني في منطقة أولاد تايمة بإقليم تارودانت (جنوبي المغرب)، متزوج وله أطفال، متلبّساً باغتصاب طفلة يتيمة لا يتعدى عمرها ثماني سنوات داخل أحد المنازل، حيث قامت قوات الأمن بإخراجه عارياً أمام أنظار العامة التي استنكرت هذا الاعتداء.
وفي مدينة الناظور (شرقي المغرب) اعتقل رجل خمسيني يملك محل بقالة بتهمة محاولة هتك عرض قاصرين بين السادسة والعاشرة من العمر من بين (ثلاث إناث وذكر)، كان يغريهم بالحلويات ويتحسس أعضاءهم بطريقة شاذة.
وأفادت محاضر الاستماع المنجزة للضحايا بأن صراخهم وامتناعهم عن تلبية رغبة الموقوف كانا يحولان دون قضاء مآربه الشاذة، كما كان يطالبهم بعدم إفشاء الأمر مقابل إغرائهم ببعض الحلويات.
وفي الأسبوع ذاته في مدينة البيضاء، تم توقيف أب عاطل من العمل ومدمن على المخدرات كان يقوم باغتصاب ابنته التي تبلغ من العمر 11 سنة لمدة تزيد على السنة، حيث لزمت الطفلة الصمت خوفاً من التهديدات التي كانت تتلقاها من والدها، لينكشف أمره حينما اكتشفت ابنته الثانية ما يقوم به.
سياحة جنسية
لا يقتصر اغتصاب الأطفال في المغرب على بعض المغاربة فقط، بل تنتشر قضايا وجرائم بشعة أخرى أبطالها من الأجانب، إذ دائماً ما يرتبط وجودهم في المغرب بالسياحة الجنسية والبيدوفيليا، فهم يملكون المال الوفير، ولهم القدرة على استدراج الضحايا واستغلال فقرهم وحاجتهم مقابل إشباع غرائزهم المنحرفة.
ومن هؤلاء من ارتكب فعلته وفرّ من المغرب ومنهم من تم توقيفه ومحاكمته. وقد كان آخرهم الانجليزي روبرت إدوارد بيل، الذي حكم عليه بعشرين سنة سجن في قضية التغرير بثلاث فتيات قاصرات (يقل عمرهن عن 12 سنة) حيث عمد إلى استدراجهن واختطافهن، بغرضِ هتك عرضهن باستعمال العنف.
كذلك اهتزّ المجتمع المغربي على واقعة اغتصاب الإسباني دانيال گالڤان لـ11 طفلا بمدينة القنيطرة عام 2008، والذي نال عفواً ملكيا بعدما تم الحكم عليه بـ30 سنة سجن، ليهتز المجتمع من جديد مطالبا بإعادته إلى السجن.
أما القصة الثالثة، وليست الأخيرة، فكانت قضية الصحافي البلجيكي فيليب السرفاتي، التي انفجرت في أبريل/نيسان 2005 في مدينة أغادير (جنوبي المغرب)، والذي كان بطلاً لفضيحة القرص المدمج الذي تضمن آلاف الصور البورنوغرافية لعشرات من الفتيات القاصرات، حيث كان يلتقط صوراً بورنوغرافية لضحاياه ليقوم بنشرها في أحد منتديات الحوارات الجنسية.
أسر مرعوبة
بسبب ازدياد حالات الاغتصاب تولّدت حالة من الرعب والهلع في صفوف معظم الأسر المغربية، بل أصبحت الأسر تخاف أكثر من أي وقت مضى على فلذات أكبادها من جحيم الاغتصاب الذي يصول ويجول في ظلّ غياب أي حل لمعالجته من الجذور.
تروي أمينة، وهي أم لطفلين، عن خوفها الشديد بعدما سمعت بخبر السائح الأجنبي الذي كان قد اغتصب 11 طفلاً ونال عفواً ملكياً بعدما حكم عليه بـ30 سنة سجن. تقول: "لم نعد آمنين على أطفالنا، فحتى المجرمون يتم إطلاق سراحهم بسرعة البرق"، متسائلة: "كيف سيتم زجر هؤلاء الوحوش بعد العفو عن هذا الوحش؟".
ويوضح الباحث ومؤلف كتاب "الإباحية الجنسية سلاح دمار شامل"، حسن السرات، لـ"العربي الجديد" أن "الاغتصاب كان موجوداً في مجتمعنا لكنه كان قليلاً ومتوارياً، غير أنه استفحل بسبب موجة الافساد العالمية المنظمة وهشاشة المجتمع والأسرة". وأكد أن "هناك من يسهر ليل نهار على إغراق المجتمعات في الإباحية المطلقة وتحرير كل الشهوات من كل المحرّمات والقيم، ويسعى إلى حماية الشهوات من القوانين المانعة لها"، مضيفاً أن "القاصرين أصبحوا عرضة للاغتصاب المحلي والأجنبي بكل سهولة".
وعن غياب الرصد الرسمي، يقول السرات: "لا تتوفر في المغرب إحصائيات دقيقة ترصد الحالات، غير أن جميع المؤشرات تشير الى استفحال الظاهرة وبلوغها أرقاماً مخيفة"، مشيراً إلى أن "كل الأطراف الحكومية والأهلية والقانونية والاعلامية والتربوية والثقافية والدينية يجب أن تتدخل لوضع خطة محكمة للتصدي لهذه الظاهرة".
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال الأمين العام لـ"المنظمة العربية للمحامين الشباب"، محمد اشماعو، إن "الظاهرة تستفحل في المجتمع المغربي بشكل سريع وخطير"، معتبراً أن "الحكم الصادر مؤخراً عن محكمة تطوان (20 سنة في حق البيدوفيل الإنجليزي) كان مناسباً كحكم رادع للمغتصب". ولم يخف عدم رضاه عن بعض الأحكام الأخرى التي وصفها بـ"غير المنصفة".
وطالب اشماعو الأجهزة الأمنية بـ"التحرك السريع بكل الوسائل الممكنة لاحتواء القضية والتعرف إلى كل ملابساتها"، لافتاً إلى "ضرورة استعمال تقنيات حديثة كتحاليل الـ"دي أن آي"، والتحريات العلمية، والانتقال إلى مكان الجريمة من أجل إنصاف الضحية، والمتهم الذي قد يكون بريئاً في بعض الحالات التي يتم فيها تقديم شكاوى كيدية ضده".
وصرّحت رئيسة جمعية "ماتقيش ولدي"، نجاة أنور، بأن "عدد مرات اغتصاب الأطفال بلغ 26 ألف حالة سنوياً، بمعدل 71 حالة تسجل يومياً على الصعيد الوطني". وطالبت أنور الحكومة المغربية بـ"تفعيل آليات الحماية للأطفال وضرورة التصدي لآفة اغتصاب الأطفال التي أصبحت تهدد صورة ومستقبل المغرب"، داعية الى "ملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية".