كانت إسرائيل، خلال السنة الأخيرة، وما تزال سببا في تعكير صفو السياسية الأردنية، ودفع سلطاتها الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) إلى التوتر والتناحر.
غير أن الحكومة ذاتها تعجز عن الإفلات من مساعي إسقاطها، التي تكون السياسة الإسرائيلية لاعباً في شحذ همة الساعين إلى إسقاط الحكومة، برلمانيين كانوا أم فعاليات شعبية.
بالأمس نزل خبر اغتيال القاضي الأردني رائد زعيتر برصاص جندي إسرائيلي على معبر الكرامة أثناء توجهه من الأردن إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، كالصاعقة على رئيس الوزراء الأردني، وقال مصدر مقرب من الحكومة لـ" العربي الجديد" أن النسور ضرب يداً بيد عند سماعه الخبر.
ليس غريباً أن يفعل الرئيس ذلك، فمن المؤكد أنه قفز إلى ذهنه مباشرة، القرار الذي اتخذه مجلس النواب في 26 شباط/ فبراير الماضي، بطرد السفير الإسرائيلي دانييل نيفو من عمّان، واستدعاء السفير الأردني وليد عبيدات من تل أبيب رداً على محاولات الكنسيت (برلمان إسرائيل) نزع السيادة الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
يقول النائب الثاني لرئيس مجلس النواب الأردني مازن الضلاعين، قرار النواب كان مشروطاً، وشرح لـ "العربي الجديد"، نصَّ القرار على طرد السفير الإسرائيلي وسحب سفيرينا حال عاد الكنسيت إلى مناقشة نزع السيادة الأردنية عن المقدسات.
وقال الضلاعين "الحكومة تراقب الوضع في القدس، ومجلس النواب يراقب الحكومة".
قرار النواب يمثل توصية غير ملزمة للحكومة، التي لم تلتزم بتنفيذه، ويبقى للنواب سلاح رقابي مسلط على رقبة السلطة التنفيذية، يتمثل في حق النواب بطرح الثقة بالحكومة، التي اجتهدت في ترميم علاقتها بمجلس النواب، حتى لا يبلغ التوتر حد الطلاق.
ليست المرة الأولى التي يأخذ فيها مجلس النواب قراراً مشابهاً، فعلها منتصف العام الماضي عندما صوت بالإجماع على طرد السفير الإسرائيلي من عمّان، واستدعاء سفير الأردن من تل أبيب، إثر اقتحام جماعات متطرفة للمسجد الأقصى، ولم تنفذ الحكومة القرار يومها، واكتفى النواب بقرار غير منفذ، ساعد الحكومة الأردنية في الضغط على الجانب الإسرائيلي.
عضو لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني خميس عطية، أكد أن اغتيال القاض زعيتر عمل خطير.
وقال لـ " العربي الجديد" إسرائيل تنتقل من تهديد الأرض الأردنية والسيادة الأردنية على المقدسات الى تهديد الإنسان الأردني، مؤكداً أن كل ما تقوم به إسرائيل يمثل خرقاً لمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية (وادي عربة 1994)، والرد يجب أن يكون بإلغائها أردنياً.
ويوجد في أدراج مجلس النواب مذكرتين نيابيتين ومشروع قانون لإلغاء المعاهدة، موقعا من 13 نائباً.
الممارسات الإسرائيلية التي سممت العلاقة بين البرلمان والحكومة، تمتد اليوم لتزرع بذور تسميم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية التي تشعر بأنها استُهدفت باغتيال أحد كوادرها. وهي السلطة المنزهة في الأردن والتي يتمتع قضاتها بالحصانة.
سارعت الحكومة إلى وصف القاضي زعيتر بالشهيد، واعتبار ما تعرض له اغتيالا، وقامت وزارة الخارجية باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان مطالبة بتحقيق حول ملابسات الحادثة.
وتدحرجت كرة الغضب الشعبي وكبرت، من غضب واحتقان شعبي إلى اعتصام أمام مقر السفارة الإسرائيلية في عمّان مساء أمس (الأثنين) بهدف اقتحام منعته قوات الأمن الأردنية، إلى اعتصامات في جميع المحاكم الأردنية وأمام مجلس النواب، حده الأقصى إبطال معاهدة وادي عربة ويتدرج نزولاً بالمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، وأقله الإفراج عن الجندي الأردني المسرح أحمد الدقامسة الذي أطلق النار في 12 آذار/ مارس 1997 على وفد إسرائيلي وقتل سبعة إسرائيليات.
خيارات كلها صعبة التنفيذ أمام الحكومة الأردنية، التي لا بد لها أن تختار أحدها إذا أرادت النجاة.