كان لفلسفة الألماني فريدريك نيتشه عميق الأثر على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث. إذ رحب بأفكاره عديد من الفلاسفة والكتاب الغربيين، في حين نبذها كثيرون وخلصوا إلى أنها نابعة من الجنون المحض. هذا الجنون، في فترة لاحقة، أي بعد أقل من نصف قرن على وفاة نيتشه، أصبح مفتاحًا ثمينًا لعبور بعض نظرياته الفلسفية، مثل "الإنسان الأعلى" و"العود الأبدي" إلى عالم السينما، وركيزةً فكرية نشأت بفضلها أفكار الرجل الفولاذي الخارق؛ فكان سوبر مان وبات مان أولى الشخصيات الخارقة في عالم القصص المصورة التي بدأتها "دي سي كومكس" التابعة لوورنر بروس، قبل أن تتحول إلى أفلام سينمائية تناسب العقل البشري البسيط التواق للعدالة والخير، وتقرأ فلسفة المجتمعات البشرية التي تعمق نيتشه سابقًا في ماهيتها ومدى حاجتها إلى تمثيلها من قبل الإنسان الخارق.
يتأثر الأميركيان جيري سيغل وجو شاستر بأفكار نيتشه، ويبتكران سوبر مان عام 1938، ثم يلتحق بهما بوب كين وبيل فينغر مبتكرًا بات مان عام 1939. شخصيات خيالية خارقة تناسب أفكار الألماني في عمله الشهير "هكذا تكلم زرادشت" ورؤيته الفلسفية. أخذوا هؤلاء بنظرية التطور التي انطلق نيتشه من خلالها نحو رؤيته النظرية في لزوم تطور الإنسان الذي حافظ "في حلقة التطور" التي وصل إليها، على نوعه وثباته، من دون أن يطرأ عليه أي تغيير.
من الناحية الترفيهية، الرجل الفولاذي وبات مان جاءا مناسبين ليقوما بملء الفراغ الوجداني، ليبعثا أملًا يخفف من ثقل الحروب وكوارثها بما يتناسب مع أحلام البشرية في وجه الدمار والانحطاط الإنساني اللذين شهدتهما أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى والثانية. العالم فقدَ الخير والأخلاق الفضيلة أمام منطق الشر والقوة وجبروت الأنظمة الديكتاتورية، وصار يبحث عنهما في أحلامه وخياله؛ فكانت تلك الرسومات خير مستقر وأفضل متنفس لتلك الأحلام.
تطورت صناعة السينما وشهدت أوروبا والعالم بأكمله نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا، وتحولت الكوميكس إلى أفلام سينمائية بالتزامن مع ظهور شخصيات سينمائية خيالية أخرى قدمتها شركة مارفل العالمية، بدءًا من الرجل الحديدي (الوجه الرسمي لعالم مارفل) وسبايدر مان وكابتن أميركا وثور والمذهلون الأربعة، والمنتقمون، وغيرهم من الشخصيات الخيالية جمعتهم مارفل ضمن عالم خيالي مشترك.
ترتكز هذه الأفلام على عنصرين رئيسين لجذب الجمهور، هما الإثارة والنبل الإنساني؛ فإنقاذ العالم، وتحرير مدينة من اعتداء فضائي، وغيرها من الأفكار المدرجة في سياقاتها القصصية المقدمة مع مؤثرات بصرية عالية الجودة، ستقترب جميعها من شعور الفرد العادي وخياله وحاجته للعاطفة والقوة المطلقة، ومن إحساسه العالي بقدرته على تحقيق المستحيل.
اقــرأ أيضاً
هكذا، تُزيل عنه شعور الخيبة وتغنيه في بعض الأحيان عن الخيال والحلم، وستحقق بذلك أهدافها الربحية وتوسع من قاعدتها الشعبية. جميع هذه الشخصيات الخيالية الخارقة تدور ضمن حلقة دائرية واحدة تنقل بشكل ضمني حالة الصراع بين مفهومي الخير والشر، وهي مفاهيم يراها نيتشه نسبية: "ما هو خير لأحد ليس بالضرورة خيراً للآخر". رأي ثبت سداده في كثير من الأفلام الخيالية، التي انتهجت فكرة الخير والخير المضاد في سيناريوهاتها وصراعاتها. فالبطل يناصر الضعفاء ويقف في وجه الشرور من جهة، ثم يتصادم مع الرأي الآخر ممن يعود عليهم نفع الخير بالشر أو الأذى بشكل أدق؛ "فالقوة تعد في بعض الحالات مرعبة في كينونتها حتى وإن كانت نابعة من ضمير خيّر"، بحسب ما يراه نيتشه. مثال على ذلك، في أحد أجزاء فيلم الرجل العنكبوت؛ ينزوي البطل على نفسه ويتوقف عن المساعدة بعد أن لاقى رفضًا جماعيًا من قبل محبيه سابقًا بتحريض من قبل الإعلام الافتراضي.
لكن هل ستبقى هذه الأفلام التجارية قادرة على الاستمرار والنجاح، أمام ما تقدمه استوديوهات دي سي ومارفل من تكرار ونمطية في عملية الإنتاج السينمائي؟ ربما قد نلقى جوابًا لهذا السؤال من خلال نظرية نيتشه في العود الأبدي: "أحداث الكون تكرر نفسها، والسيرورات التي شكلت تلك الأحداث توقفت على شكلها الحالي فكررت نفسها من جديد، ونظرًا لتمدد الزمن إلى لا نهاية وعدم وجود سيرورات جديدة سيصبح العالم في حالة عود أبدي ولا شيء يوقفه". وهذا ينطبق على عالمي مارفل ودي سي كوميكس الخيالي وسياستهما، سواء عن قصد أو غير قصد في عملية الترويج السينمائي لأفلام الأبطال الخارقين، التي تدور أحداثها في فلك روائي يحوم حول نفسه، ولكن بمعطيات سردية مختلفة.
من الناحية الترفيهية، الرجل الفولاذي وبات مان جاءا مناسبين ليقوما بملء الفراغ الوجداني، ليبعثا أملًا يخفف من ثقل الحروب وكوارثها بما يتناسب مع أحلام البشرية في وجه الدمار والانحطاط الإنساني اللذين شهدتهما أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى والثانية. العالم فقدَ الخير والأخلاق الفضيلة أمام منطق الشر والقوة وجبروت الأنظمة الديكتاتورية، وصار يبحث عنهما في أحلامه وخياله؛ فكانت تلك الرسومات خير مستقر وأفضل متنفس لتلك الأحلام.
تطورت صناعة السينما وشهدت أوروبا والعالم بأكمله نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا، وتحولت الكوميكس إلى أفلام سينمائية بالتزامن مع ظهور شخصيات سينمائية خيالية أخرى قدمتها شركة مارفل العالمية، بدءًا من الرجل الحديدي (الوجه الرسمي لعالم مارفل) وسبايدر مان وكابتن أميركا وثور والمذهلون الأربعة، والمنتقمون، وغيرهم من الشخصيات الخيالية جمعتهم مارفل ضمن عالم خيالي مشترك.
ترتكز هذه الأفلام على عنصرين رئيسين لجذب الجمهور، هما الإثارة والنبل الإنساني؛ فإنقاذ العالم، وتحرير مدينة من اعتداء فضائي، وغيرها من الأفكار المدرجة في سياقاتها القصصية المقدمة مع مؤثرات بصرية عالية الجودة، ستقترب جميعها من شعور الفرد العادي وخياله وحاجته للعاطفة والقوة المطلقة، ومن إحساسه العالي بقدرته على تحقيق المستحيل.
هكذا، تُزيل عنه شعور الخيبة وتغنيه في بعض الأحيان عن الخيال والحلم، وستحقق بذلك أهدافها الربحية وتوسع من قاعدتها الشعبية. جميع هذه الشخصيات الخيالية الخارقة تدور ضمن حلقة دائرية واحدة تنقل بشكل ضمني حالة الصراع بين مفهومي الخير والشر، وهي مفاهيم يراها نيتشه نسبية: "ما هو خير لأحد ليس بالضرورة خيراً للآخر". رأي ثبت سداده في كثير من الأفلام الخيالية، التي انتهجت فكرة الخير والخير المضاد في سيناريوهاتها وصراعاتها. فالبطل يناصر الضعفاء ويقف في وجه الشرور من جهة، ثم يتصادم مع الرأي الآخر ممن يعود عليهم نفع الخير بالشر أو الأذى بشكل أدق؛ "فالقوة تعد في بعض الحالات مرعبة في كينونتها حتى وإن كانت نابعة من ضمير خيّر"، بحسب ما يراه نيتشه. مثال على ذلك، في أحد أجزاء فيلم الرجل العنكبوت؛ ينزوي البطل على نفسه ويتوقف عن المساعدة بعد أن لاقى رفضًا جماعيًا من قبل محبيه سابقًا بتحريض من قبل الإعلام الافتراضي.
كما أن الخير والشر، في مفهوم نيتشه، عبارة عن جسر متصدع لا يُمكن حملهما معاً، إلا بالحكمة والمعرفة؛ فالشر الأعظم ضروري للخير الأعظم، وهذا ما كان واضحًا في الجزء الأخير من فيلم "المنتقمون"، من خلال شخصية ثانوس التي تمثل الشر؛ إذ يحصل على الأحجار الستة التي تمثل القوة المطلقة ويستخدمها لمحو نصف العالم البشري في سبيل إحلال التوازن الوجودي بحسب رؤية ثانوس لمنطق النظام الكوني والبشري.
لكن هل ستبقى هذه الأفلام التجارية قادرة على الاستمرار والنجاح، أمام ما تقدمه استوديوهات دي سي ومارفل من تكرار ونمطية في عملية الإنتاج السينمائي؟ ربما قد نلقى جوابًا لهذا السؤال من خلال نظرية نيتشه في العود الأبدي: "أحداث الكون تكرر نفسها، والسيرورات التي شكلت تلك الأحداث توقفت على شكلها الحالي فكررت نفسها من جديد، ونظرًا لتمدد الزمن إلى لا نهاية وعدم وجود سيرورات جديدة سيصبح العالم في حالة عود أبدي ولا شيء يوقفه". وهذا ينطبق على عالمي مارفل ودي سي كوميكس الخيالي وسياستهما، سواء عن قصد أو غير قصد في عملية الترويج السينمائي لأفلام الأبطال الخارقين، التي تدور أحداثها في فلك روائي يحوم حول نفسه، ولكن بمعطيات سردية مختلفة.