من السائد أنّ قطاعاً واسعاً من الجزائريّين يهتمّ بتجديد أثاث البيت في مناسبات دينية واجتماعية معينة، مثل حلول شهر رمضان. يدخل الجديد إلى البيت، فيما يودع القديم في السطح أو في الكاراج أو غرفة المؤونة أو يُهدى، وقلّما يباع، بل إنّ مناطق عدّة تجد في بيع أثاث البيت إساءة إلى البائع والشاري في آن واحد. في السنوات الأخيرة، تغيّرت هذه النظرة تماماً، وبات لكلّ قطعة قديمة طريقها إلى البيع أو المقايضة.
يأتي هذا التحوّل بحسب باسم شرقي، وهو طالب اقتصاد في جامعة معسكر، في سياق التحوّلات الاقتصاديّة التي فرضت أنماط سلوك مختلفة عما كانت عليه في السابق. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الرفض يحصل في البداية بحسب العادة الاجتماعيّة المهيمنة في كل مناحي الحياة، لكنّ الوضع الاقتصادي يفرض قوانينه في النهاية". يضيف أنّ "عادات وطقوساً وقناعات كثيرة ما زالت في الفضاء الجزائري، بسبب الاضطرار في النهاية إلى تقبّل عمل المرأة. ومن جملة المفاهيم التي تغيّرت مفهوم قوامة الرجل".
ويوضح شرقي أنّ "عوامل موضوعية كثيرة أثمرت تجارات كانت مكروهة، منها تجارة الأثاث القديم. فالجزائري لم يعد يتمتع ببيت عائلي واسع تتوفّر فيه زوايا وأركان تستوعب المزهود فيه من الأغراض. العمارات الحديثة باتت بالكاد تستوعب الأثاث الضروري، كذلك فإنّ تراجع القدرة الشرائيّة بسبب هبوط أسعار النفط جعل المواطن يتحايل على وضعه الاقتصادي من خلال اللجوء إلى مزاولة مهن إضافية وبيع أغراض قد تكون حميمة أحياناً".
لم يعد حيّ شعبيّ، خصوصاً في مدن الشمال، يخلو من شاحنات صغيرة يقودها شباب وكهول، ينادون على الأثاث المستعمل. وما إن يلتقطوا إشارة من شرفة، حتى يصعد أحدهم بسرعة البرق لمعاينة السلعة، ويسمّى الكشّاف. هذه طريقة هؤلاء التجار في دفع البائع إلى القبول بالسعر المقترح.
يقرّ عثمان (25 عاماً) بأنّه بارع في اصطياد الفرص، من خلال ما يسميه "الضغط النفسي" على صاحب السلعة. يقول: "أستغلّ علمي المسبق بأنّه ما كان ليبيع تلك السلعة لو لم يكن محتاجاً إلى المال، كذلك فإنّ جهله بالسوق يساعدني في دفعه إلى قبول اقتراحي في النهاية". ويشير إلى "كثير من المناسبات الذهبية، في ظل حاجة الجزائري إلى المال، على غرار شهر رمضان وعيد الأضحى وبداية العام الدراسي. وقد بات من المعروف عن الجزائري عدم صموده أمام حاجته إلى المال. فهو يبيع أي غرض كان قد اشتراه قبل فترة. قد يكون ساعة أو لباساً أو ثلاجة، وقد يصل الأمر إلى السيارة".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يشير زهير (39 عاماً) إلى ملاحظات تتعلّق بردود أفعال الجزائريّين. يقول: "سابقاً، كنّا نحن تجّار الأثاث القديم نتعرّض للشتم والطرد من الأحياء الشعبية، بحجة أنّنا نقلق راحة الناس، خصوصاً أنّنا نأتي باكراً، وقد ذهب بعضهم إلى اتّهامنا بالسرقة وانتهاك حرمة البيوت. لا أنكر أنّ شباباً منّا يتساهلون في التعامل مع النساء، غير أنّنا بتنا مرتاحين تماماً خلال السنتين الأخيرتين، وبات دخولنا إلى تجمّع سكني ما مدعاة للفرح، ما يعني أنّ القدرة الشرائية للجزائري قد انهارت".
من ملاحظات زهير أيضاً أنّ "النساء أكثر صموداً أثناء لحظة البيع من الرجال. حين أشعر أنّ الرجل يريد التخلص من وجودي بسرعة ويضع المال في جيبي، تبدأ المرأة في الأخذ والردّ، وعادة ما تفرض سعرها". يحدث هذا في المحال والأسواق أيضاً، لافتاً إلى أنّ "كثيرين من الرجال الجزائريّين لا يسألون عن ثمن السلعة أصلاً، فيما قد يؤدّي إلحاح المرأة إلى إزعاج التاجر".
في الجزائر العاصمة، تشتهر ثلاث مناطق باستقبال هؤلاء الشباب حاملي الأثاث القديم، هي حمّادي ورويسو ووادي كنيس، حيث عشرات المحال الصغيرة والكبيرة التي باتت مقصداً للأفراد والعائلات، حتى المتزوّجين حديثاً.
خلال التجوّل في محال رويسو قبالة "محطة المعدومين الخمسة" التابعة لمترو الجزائر، لاحظنا مجموعة من السياح والسينمائيين والمسرحيين المتخصصين في الديكور، وقد زالت الدهشة عند اكتشاف السبب.. وجود تحف جديرة بالاقتناء. يقول خليل، وهو أحد أصحاب المحال: "يرتبط في أذهان كثيرين أنّ محلات الأثاث القديم تقدّم خردة وأغراضاً مزهوداً فيها، بينما بالإمكان إيجاد قطع ذات تاريخ وقيمة، معظمها يصلنا من باب أنّ أصحابها لا يدركون قيمتها".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه التجارة أخذت منحى مختلفاً خلال السنتين الأخيرتين، من خلال ظهور مواقع إلكترونية متخصصة، ولم يعد الأمر يقتصر على شاحنات صغيرة تقصد الأحياء والتجمعات السكنية. أشهر هذه المواقع "وادي كنيس"، حيث يمكنك أن تبيع أو تشتري خزانة أو أريكة أو تلفازاً أو غسالة أو دراجة أو سريراً أو مكتباً أو طاولة أو غيرها. يقول بلال (23 عاماً) إنّ الموقع يتكفل بنشر الإعلان في مقابل مبلغ تحدده طبيعة السلعة، وما على الراغب في الشراء إلا أن يتصل مباشرة بالبائع، ليحددا مكاناً وزماناً يلتقيان فيه.
اقــرأ أيضاً
يأتي هذا التحوّل بحسب باسم شرقي، وهو طالب اقتصاد في جامعة معسكر، في سياق التحوّلات الاقتصاديّة التي فرضت أنماط سلوك مختلفة عما كانت عليه في السابق. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الرفض يحصل في البداية بحسب العادة الاجتماعيّة المهيمنة في كل مناحي الحياة، لكنّ الوضع الاقتصادي يفرض قوانينه في النهاية". يضيف أنّ "عادات وطقوساً وقناعات كثيرة ما زالت في الفضاء الجزائري، بسبب الاضطرار في النهاية إلى تقبّل عمل المرأة. ومن جملة المفاهيم التي تغيّرت مفهوم قوامة الرجل".
ويوضح شرقي أنّ "عوامل موضوعية كثيرة أثمرت تجارات كانت مكروهة، منها تجارة الأثاث القديم. فالجزائري لم يعد يتمتع ببيت عائلي واسع تتوفّر فيه زوايا وأركان تستوعب المزهود فيه من الأغراض. العمارات الحديثة باتت بالكاد تستوعب الأثاث الضروري، كذلك فإنّ تراجع القدرة الشرائيّة بسبب هبوط أسعار النفط جعل المواطن يتحايل على وضعه الاقتصادي من خلال اللجوء إلى مزاولة مهن إضافية وبيع أغراض قد تكون حميمة أحياناً".
لم يعد حيّ شعبيّ، خصوصاً في مدن الشمال، يخلو من شاحنات صغيرة يقودها شباب وكهول، ينادون على الأثاث المستعمل. وما إن يلتقطوا إشارة من شرفة، حتى يصعد أحدهم بسرعة البرق لمعاينة السلعة، ويسمّى الكشّاف. هذه طريقة هؤلاء التجار في دفع البائع إلى القبول بالسعر المقترح.
يقرّ عثمان (25 عاماً) بأنّه بارع في اصطياد الفرص، من خلال ما يسميه "الضغط النفسي" على صاحب السلعة. يقول: "أستغلّ علمي المسبق بأنّه ما كان ليبيع تلك السلعة لو لم يكن محتاجاً إلى المال، كذلك فإنّ جهله بالسوق يساعدني في دفعه إلى قبول اقتراحي في النهاية". ويشير إلى "كثير من المناسبات الذهبية، في ظل حاجة الجزائري إلى المال، على غرار شهر رمضان وعيد الأضحى وبداية العام الدراسي. وقد بات من المعروف عن الجزائري عدم صموده أمام حاجته إلى المال. فهو يبيع أي غرض كان قد اشتراه قبل فترة. قد يكون ساعة أو لباساً أو ثلاجة، وقد يصل الأمر إلى السيارة".
من جهته، يشير زهير (39 عاماً) إلى ملاحظات تتعلّق بردود أفعال الجزائريّين. يقول: "سابقاً، كنّا نحن تجّار الأثاث القديم نتعرّض للشتم والطرد من الأحياء الشعبية، بحجة أنّنا نقلق راحة الناس، خصوصاً أنّنا نأتي باكراً، وقد ذهب بعضهم إلى اتّهامنا بالسرقة وانتهاك حرمة البيوت. لا أنكر أنّ شباباً منّا يتساهلون في التعامل مع النساء، غير أنّنا بتنا مرتاحين تماماً خلال السنتين الأخيرتين، وبات دخولنا إلى تجمّع سكني ما مدعاة للفرح، ما يعني أنّ القدرة الشرائية للجزائري قد انهارت".
من ملاحظات زهير أيضاً أنّ "النساء أكثر صموداً أثناء لحظة البيع من الرجال. حين أشعر أنّ الرجل يريد التخلص من وجودي بسرعة ويضع المال في جيبي، تبدأ المرأة في الأخذ والردّ، وعادة ما تفرض سعرها". يحدث هذا في المحال والأسواق أيضاً، لافتاً إلى أنّ "كثيرين من الرجال الجزائريّين لا يسألون عن ثمن السلعة أصلاً، فيما قد يؤدّي إلحاح المرأة إلى إزعاج التاجر".
في الجزائر العاصمة، تشتهر ثلاث مناطق باستقبال هؤلاء الشباب حاملي الأثاث القديم، هي حمّادي ورويسو ووادي كنيس، حيث عشرات المحال الصغيرة والكبيرة التي باتت مقصداً للأفراد والعائلات، حتى المتزوّجين حديثاً.
خلال التجوّل في محال رويسو قبالة "محطة المعدومين الخمسة" التابعة لمترو الجزائر، لاحظنا مجموعة من السياح والسينمائيين والمسرحيين المتخصصين في الديكور، وقد زالت الدهشة عند اكتشاف السبب.. وجود تحف جديرة بالاقتناء. يقول خليل، وهو أحد أصحاب المحال: "يرتبط في أذهان كثيرين أنّ محلات الأثاث القديم تقدّم خردة وأغراضاً مزهوداً فيها، بينما بالإمكان إيجاد قطع ذات تاريخ وقيمة، معظمها يصلنا من باب أنّ أصحابها لا يدركون قيمتها".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه التجارة أخذت منحى مختلفاً خلال السنتين الأخيرتين، من خلال ظهور مواقع إلكترونية متخصصة، ولم يعد الأمر يقتصر على شاحنات صغيرة تقصد الأحياء والتجمعات السكنية. أشهر هذه المواقع "وادي كنيس"، حيث يمكنك أن تبيع أو تشتري خزانة أو أريكة أو تلفازاً أو غسالة أو دراجة أو سريراً أو مكتباً أو طاولة أو غيرها. يقول بلال (23 عاماً) إنّ الموقع يتكفل بنشر الإعلان في مقابل مبلغ تحدده طبيعة السلعة، وما على الراغب في الشراء إلا أن يتصل مباشرة بالبائع، ليحددا مكاناً وزماناً يلتقيان فيه.