بدت حالة الفوضى وتعدد القيادات والمراجع العسكرية والأمنية في ساحل الموصل الأيسر هي اللغة السائدة، بعد نحو أسبوع من إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، استعادة السيطرة على هذا الجزء من المدينة والبدء بإعداد خطة عبور دجلة لاستعادة النصف الثاني منها. وتجلّت الفوضى في تداخل القرارات والصلاحيات بين قيادة الجيش، وقيادة الشرطة الاتحادية، وقيادة شرطة الموصل المحلية، وقوات حرس نينوى، وقوات مكافحة الإرهاب، ولواء الاستخبارات العسكري الأول، وجهاز الاستخبارات، ومكتب الأمن الوطني، ومليشيات الحشد الشعبي. وصعّبت تلك القرارات من وضع السكان المحليين وأخّرت استعادة الأوضاع طبيعتها، في ظلّ عمليات اعتقال تجريها كل قوة بمفردها بحسب امتلاكها قوائم مطلوبين ومشتبه فهم خاصة بها.
وهاجس تلك القوات الأول هو عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذين اندمجوا بين السكان بعد حلقهم لحاهم وإلقائهم السلاح، إذ تسعى كل قوة للتعرف إليهم واعتقالهم وسط شكوى من عدم تعاون السكان معهم. وبدا ذلك بصورة أوضح عندما تم اعتقال أحد المدنيين بدعوى الاشتباه فيه بكونه من أعضاء التنظيم، ثم أطلق سراحه بعد التأكد من براءته، إلا أنه أُعيد اعتقاله على يد قوة أخرى، قبل إطلاق سراحه بنفس اليوم، ثم جاءت قوة أخرى واعتقلته.
وما زال الساحل الشرقي للموصل منطقة عسكرية، يسكنها نحو نصف مليون مدني موزعين على 57 حياً سكنياً، ينتشر فيه نحو 22 ألف عنصر، موزعين على أجهزة الجيش والشرطتين المحلية والاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات حرس نينوى، التي يقودها المحافظ السابق أثيل النجيفي، إضافة الى قوات غير ثابتة تابعة لمليشيات الحشد والاستخبارات، ولواء الاستخبارات العسكري، ومكتب الأمن الوطني، وعلى الأطراف هناك قوات "الأسايش" والبشمركة الكردية.
ويقول العضو في مجلس مدينة الموصل (الحكومة المحلية)، محمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن" الحالة في الموصل حالياً في جانبها الشرقي المحرر، هي ما كنا نخاف منه بعد تحريرها من داعش، فالجميع متنافر ولا قيادة مركزية حتى الآن بسبب تعدد القيادات". ويضيف أن "الوضع في الموصل مرتبك في ظل محاولات تجيير النصر لكل جهة".
وينوّه إلى أن "كل جهة تحمل قائمة مطلوبين تختلف عن الجهة الأخرى، وهذا الشيء لا يبشر بخير. ولا يجمع تلك القوات إلا عامل مشترك واحد، وهو الانتقام والثأر وحب الزعامة على المدينة". ويدعو إلى "تسمية حاكم عسكري بأسرع وقت قبل انفلات الأمور ووقوع انتهاكات بحق المدنيين، تكرر أيام حكم نوري المالكي (ما قبل احتلال داعش للمدينة في يونيو/حزيران 2014)".
ويخشى كبار المسؤولين العسكريين من اندماج عناصر التنظيم المحليين تحت أسماء مزيفة في مناطق شرق الموصل بين السكان، وتستمر منذ أيام عمليات تفتيش المنازل وتدقيق أسماء السكان وتوزيع مكافآت على من يدلهم على عناصر التنظيم. كما استعجلت بغداد في إعادة شبكة الجوال للساحل الشرقي، أملاً باتصال السكان هاتفياً على الرقم 140 المجاني، والتعاون مع القوات الأمنية.
في هذا السياق، يشير المتحدث باسم القوات العراقية المشتركة، العميد يحيى الزبيدي، بحديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "تجري عملية تدقيق ومراجعة واسعة لهويات السكان، الذين عادوا إلى المدينة بالشطر المحرر، فلا نريد لعناصر التنظيم أن يعودوا مرة أخرى تحت غطاء السكان أو النازحين كي يعاودوا نشاطهم الإرهابي".
ويضيف أن "قوات عراقية مشتركة ستتولى مهمة السيطرة على مناطق الموصل المحررة، وأن النقص الكبير في عدد الشرطة المحلية، دفع القيادة المشتركة للاستعانة بقطعات أخرى إلى جانب قوات الشرطة لفرض الأمن والقانون بالمناطق التي حررت من قبضة تنظيم داعش".
بدوره، يكشف معاون آمر اللواء الأول في الجيش، العقيد الركن أحمد الغانمي، لـ"العربي الجديد"، عن احتمال أن "يأخذ الساحل الشرقي نحو شهر كامل لحين التأكد من هويات جميع سكانه". وينوّه إلى أن "القوات الأميركية جلبت لنا أجهزة حديثة للكشف عن المخازن التي حفرها داعش تحت الأرض، وترك فيها أسلحة وقذائف ليبقي لديه مصدراً مستقبلياً لتنفيذ الهجمات". ويشير إلى وجود ما وصفه بـ "خطة تشبه إلى حدّ كبير ما حدث في الأنبار وتكريت، وهي استبعاد عائلات التنظيم ومنعهم من العودة إلى منازلهم".
ويضيف الغانمي أنه "حالياً من المستحيل عودة عائلات داعش للمدينة، وغالبيتهم موجودون في مخيمات الجدعة ومخمور ومكحول وبعشيقة، تحت إشراف قوات الأمن والأمم المتحدة، لذا سينتظرون في تلك المخيمات لحين وضع حل لحالتهم".
ويُشدّد مسؤولون في بغداد على أن "هذا الإجراء مؤقت تجنباً لأعمال الثأر الانتقامية العشائرية، التي قد تنفذ بحقهم من قبل ضحايا داعش". إلا أن حقوقيين يرون في الإجراء مخالفة صريحة للدستور العراقي وقانون العقوبات النافذ في البلاد وهي "عدم الأخذ بجريرة الغير".
في هذا الإطار، يؤكد مدير منظمة السلام لحقوق الإنسان، محمد علي، لـ"العربي الجديد"، أن "العقوبات غير منصفة ولا يملك الأب سلطة على ابنه ولا الزوجة سلطة على زوجها في حال سلكوا طريقاً أسود"، على حد وصفه. ويوضح أن "الدولة ستخلق من هذه العائلات عدواً في الوقت الذي هم فيه ضحية أيضاً، ولا ذنب لهم بما ارتكبه أفراد داعش من جرائم".
من جهته، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة نينوى، داود جنديان، أن "الحكومة قامت بفصل الآلاف من أفراد الشرطة خلال اليومين الماضيين بسبب أحداث يونيو 2014، إثر اجتياح داعش المدينة وهربوا من مواجهته". ويكشف لـ"العربي الجديد" عن "برنامج تطويع شرطة جديدة بدعم من قوات التحالف تسليحاً وتدريباً".
ووفقاً لمصادر محلية في المدينة فقد بلغ عدد المعتقلين حتى الآن أكثر من 500 شخص، تجري قوات مختلفة التحقيق معهم للتأكد من عدم انتمائهم إلى "داعش". ويوزّع المعتقلون على مواقع وسجون بحسب القوة التي نفذت عملية الاعتقال.
في غضون ذلك، يبدو الساحل الغربي من الموصل، أشبه بكرة الدخان، بعد قصف استمر طيلة ساعات أمس، الأحد، طاول مواقع مختلفة "استهدفت تنظيم داعش بالمدينة"، بحسب القوات المشاركة في العمليات. وفي هذا الصدد، يقول قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات القصف التي نُفّذت طاولت مخازن سلاح ومراكز تجمّع التنظيم في الساحل الغربي". ويضيف أن "القوات العراقية، وبدعم من التحالف الدولي، باشرت عملية نصب الجسور العائمة على دجلة من خلال تمهيد أكتاف النهر وتطهيرها"، مؤكداً "إيقاع خسائر كبيرة في صفوف التنظيم جراء القصف".
ويشير ضباط عراقيون في جهاز مكافحة الإرهاب إلى أن "عدد عناصر التنظيم في الساحل الغربي لا يتجاوز ثلاثة آلاف". وبحسب العقيد حاتم العبيدي من جهاز مكافحة الإرهاب، فإن "الهجوم لن يكون عبر نهر دجلة فقط بل من محاور عدة، والهدف لن يكون سهلاً لكن المعركة في الوقت نفسه، ستكون أقل مما استغرقناه في الساحل الشرقي. داعش منهك وعديده ناقص. كما أنه محاصر". ويكشف عن أن "خطة الهجوم ما زالت قيد المراجعة وستحتوي على ممرات آمنة للسكان، سيجري الإعلان عنها عبر منشورات تلقى لهم قبل بدء الهجوم".