لم أجد شيئاً داخل محفظتي. قبل أن يموت ابني، كنت أحرص على دكّها. والآن، جميع أفراد عائلتي يجتمعون في بيتي، يتهامسون في ما بينهم عن رعونة ابني، ومعي عن شجاعته وفطنته. دون أن أجد في جيبي ثمن قهوة تكفيهم.
هم مجتمعون اليوم بمناسبة مرور أربعين يوماً على خروج إحدى المذيعات العاهرات بنبأ مفاده مقتل إرهابي تسلل إلى أرض الوطن بعد أن فشل بتفجير نفسه، من دون أن يذكروا في النشرة بأنهم نجحوا في تفجير قلبي.
تمعّنت تلك الساعة في وجوه الحاضرين؛ فأصابني النعاس. وما أن سهت عيني قليلاً، حتى رأيت مذيعة وقورة تذيع في نشرتها خبر مقتل عائلة كاملة من الإرهابيين تسلّلوا إلى بيتي. تبّاً للقهوة، كيف أتدبّر أمري من دونها؟ وكيف أصرفهم وأطرد من بيتي دخان سجائرهم؟
فجأة، تنبّه أحدهم، كان يسند يديه على كرشه، إلى أنّنا نجلس في "أربعين"، وأن عددنا أيضاً أربعون. قال ذلك، وكاد من شدّة دهشته أن يخرج كرشه من عينيه. بدت علامات التعجّب واضحة على الجميع. وبصمت، راح كل واحد منهم يتحقّق من الأمر بنفسه، فيما أنا أمامهم أشعر أني أخون زوجتي المتوفاة مع طاقم نشرة الأخبار.
قبل أن أموت أنا، مات ابني. قبل أن أرثي جدّي لولدي، رثى لي جدي ولدي. قبل أن يموت ابني، كنت أصدّق الصحف وأكذّب بصري. قبل أن يموت ابني، كنت أشعر بالضيق عند مشاهدة أقربائي ولا أصدّق ضيقي. فقط لو أنهم كانوا فضوليين أقل، ولم يأتوا للمبيت في بيتي فقط.. لو أنهم لم يقتلوا الرائحة.
مات ابني لأنه لم يجد عملاً، ولأنه قرّر أن يقول للجميع ذلك. مات ابني لأنني قلت له جميع أبناء الوطن إخوتك؛ فقتلوه لأنه ولد صدّق أباه. ماذا أقول الآن عنهم؟ فما أصعب ألا يجد الحزين ما يكفيه للتعبير عن فاجعته، أين ابني! هل إن رميت بنفسي من شرفة الطابق السادس سأجده؟ هل هو هناك حيث يكون القمر على الدوام بدراً؟ أم هو مات لأنه بدر ولأن البدر لا يكتمل إلى الأبد.
لم يقل لي أحد شيئاً. حين وقفت فقط سمعت، وبالرغم مني، أحدهم يقول لي اذهب وجزّ لحيتك كي لا يعتقد الناس أنك كافر يعترض على شرع الله. لم ألتفت إليه، تركتهم بانتظار القهوة، وخرجت أمشي وأمشي.. ولا شيء إلا يديّ في جيبي.
* كاتب من فلسطين
اقرأ أيضاً: أنت تحبّ هذه الرائحة