خلال السنوات التي أعقبت نهاية الحراك الأردني، لم يحتقن المزاح الشعبي كما حدث خلال الأيام الماضية. مواقع التواصل الاجتماعي انتفضت على الحكومة، الناشطون الذين غادروا الشارع عادوا لتنظيم صفوفهم والتأهب لحث المواطنين على التظاهر، المواقع الإخبارية والصحف اليومية والتلفزيونات الخاصة حتى التي عُرفت بولائها للحكومة أعلنت الحرب على القرارات الحكومية استجابة للمزاج الشعبي، حتى أن مسؤولين سابقين من وزن رؤساء حكومات انتقدوا النهج الاقتصادي للحكومة. ونظّمت بلدة ذيبان في محافظة مادبا (جنوب العاصمة) وقفة احتجاجية شعارها "إسقاط حكومة رفع الأسعار"، في رسالة لها مغزاها فهي أول من طالب في العام 2011 بـ"إسقاط حكومة رفع الأسعار"، وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت الحراك.
المزاج العام كان ينبئ بانفجار قريب والدعوات انطلقت في المحافظات والمدن الأردنية لتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية ترفض النهج الاقتصادي القائم على التغول على جيوب المواطنين، لكن تدخّل اللحظة الأخيرة نزع الفتيل، حين قرر رئيس الوزراء وللمرة الأولى منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2012، التراجع عن قرار اتخذه برفع الأسعار، وهو الذي سبق أن اتخذ عشرات قرارات رفع الأسعار من دون أن يرمش له جفن أو يتراجع عنها، حتى أُطلق عليه شعبياً لقب "بطل الرفع" وعلى حكومته "حكومة رفع الأسعار".
اقرأ أيضاً: الأردن يتراجع عن رفع أسعار أسطوانات الغاز ورسوم السيارات
"انكسر الرئيس للمرة الأولى"، كما يقول الخبير الاقتصادي، سلامة الدرعاوي، معتبراً أن "رئيس الحكومة تراجع بعد أن تحرك الجميع ضد قراره، ما خلق رأياً عاماً ضاغطاً أجبره على التراجع للمرة الأولى في تاريخه". ويلفت الدرعاوي إلى أن "الوضع الاقتصادي أصبح صعباً على المواطنين، ويستطيع تحريك الشعب أكثر من أي شيء آخر، وأدرك رئيس الوزراء أن التمسّك بقراره كان يمكن أن يؤدي للانفجار".
ويكشف مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أن تقارير أمنية قُدّمت للنسور نصحته بالعدول عن قرار رفع الأسعار، استناداً لقياس الرأي العام الشعبي حيال قراراته الأخيرة، وهي التقارير التي أخذها رئيس الحكومة على محمل الجد، بما يخالف رغبته في المضي بقراره، فقرر تثبيت سعر أسطوانة الغاز خلال فصل الشتاء على سبعة دنانير أردنية (9.97 دولارات) على أن يوزع العجز الناتج على كافة أسعار المشتقات النفطية.
تراجُع النسور عن قراره وجد فيه الناشط في "حراك ذيبان"، فؤاد قبيلات، خطوة إيجابية، ودليلاً على قدرة الشعب على فرض إرادته، حين يتعلق الأمر بلقمة عيشه. ويقول قبيلات: "عندما أوقفنا الحراك في عام 2012 كنا نخاف على بلدنا من الفوضى. لم يتوقف الحراك خوفاً من الحكومة أو الاعتقالات، لكن هذه الحكومة تدفعنا إلى العودة إلى الشارع"، مضيفاً: "على رئيس الحكومة أن يفهم أن جيوبنا ليست الحل للمشكلات الاقتصادية، فجيوبنا فارغة".
أما الناشط في حراك العاصمة، رامي سحويل، فيعتقد أن السياسات الاقتصادية للحكومة والتي تواصل الاعتماد على جيوب المواطنين، ساهمت في إعادة الحراك الاحتجاجي، الذي يتبلور ببطء، معتبراً أنه "في ظل مواصلة سياسة الإفقار عبر قرارات رفع الأسعار وزيادة المديونية، فإن الحكومة ستكون هي المسؤولة الوحيدة عن الانفجار الشعبي الذي قد يحدث في أية لحظة".
ويبدو أن رئيس الحكومة أفلت من الانفجار الشعبي، الذي كان سيضعه وحكومته في مواجهة مع الشعب الغاضب، كما أفلت من الغضب النيابي، الذي كاد أن يتحوّل إلى أزمة بعد تعهّد عشرات النواب بطرح الثقة بالحكومة على خلفية قراراتها الأخيرة، لكنه منح الحراك فرصة جديدة لتنظيم صفوفه والتلويح بخيار العودة إلى الشارع في أية لحظة.
يُذكر أن مجموع الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن الأردني يبلغ قرابة 77 ضريبة ورسماً، وتعود على الحكومة وفقاً لبيانات الموازنة بنحو 5.8 مليارات دينار أردني (12.11 مليار دولار).
اقرأ أيضاً: الجدل يتواصل حول قانون الانتخاب الجديد في الأردن