استرجع الأردنيون، أمس الثلاثاء، أنفاسهم التي حبسوها، طيلة خمسة أيام مضت، عندما أعلنت الجهات الأمنية نبأ العثور على فتاتين تغيبتا عن منزل عائلتيهما، منذ الخميس الماضي، في ظروف غامضة، لكن اللافت في القصة أن الجدل الذي أعقب العثور على الفتاتين كان أكبر من ذلك الذي أثير خلال اختفائهما، نتيجة تضارب رواية الأهل مع رواية الأمن العام، حول سرّ الاختفاء الغامض.
بيان الأمن الذي أعلن فيه العثور على الفتاتين شيماء (15 عاماً) وجمانة (16 عاماً) وهما صديقتان تقيمان في إحدى الضواحي القريبة من العاصمة عمّان، نقل عن الفتاتين تأكيدهما أنهما خرجتا بإرادتهما من منزلي ذويهما دون إجبار أو إكراه. وبحسب البيان عثر عليهما في إحدى الشقق المفروشة في مدينة إربد (69 كيلومتراً شمال العاصمة)، وكانتا برفقة شاب داخل الشقة.
هذه الرواية رفضتها عائلتا الفتاتين، وأكدتا أن ابنتيهما كانتا مخطوفتين، وأنّ الخاطفين أرسلوا صور الفتاتين مقيدتين، وهي الصور التي أكد الأمن صحتها، لكنه أشار إلى أنها صور تمت بالاتفاق مع الفتاتين لتبرير خروجهما من المنزل أمام ذويهما.
ومنذ يوم الخميس الماضي، تاريخ اختفاء الفتاتين بعد مغادرتهما أحد المراكز التعليمية في قلب العاصمة عمّان، تعاطف الأردنيون مع هذه القضية، لا سيما أن الاختفاء طال فتاتين، ما يعتبر مقلقاً للمجتمع الأردني المحافظ.
لكن وبعد العثور على الفتاتين تحولت مشاعر الخوف والقلق والتعاطف إلى ما يشبه المحاكمة العلنية للقضية، بين منتقدين لسلوك الفتاتين وسوء التربية، وبين رافضين لبيان الأمن العام، الذي حمل في ثناياه تشهيراً مبطناً بالفتاتين.
عقب بيان الأمن العام، نشر عاصم عويضة، عمّ الفتاة جمانة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، صورة الفتاتين مقيدتين، أثناء اختطافهما، معبّراً عن رفض العائلة لرواية الأمن العام، فيما رفض والد شيماء في حديثة لـ "العربي الجديد" رواية الأمن، التي قال إنها تمس بسمعة العائلة، وتتجنى على ابنته التي قال إنها "ملتزمة وأخلاقها فوق الشبهات".
الأمن العام، وبعد الجدل الذي أثاره بيانه حول العثور على الفتاتين، عاد ليصدر بياناً جديداً أكد فيه أنه لم يقصد الإساءة في بيانه الأول لأحد لا سيما الفتاتين، لكنه أعاد التمسك فيما ورد في بيانه من أن الفتاتين أكدتا بأنهما لم تتعرضا لأية حادثة اعتداء أو اختطاف.
وعن الصورة التي تظهر فيها الفتاتان مقيدتين، ذكر بأنهما طلبتا من الشخص الذي أمن لهما مكاناً للبقاء فيه خلال فترة تغيبهما، أن يلتقط لهما صورة تظهر تعرضهما للأذى والخطف، من أجل تبرير تغيبهما عن المنزل، أمام ذويهما خوفاً من العقاب.
وبين رواية الأمن ورواية الأهل، انقسم المتابعون للقضية بين متعاطف مع الفتاتين اللتين أودعتا في قسم حماية الأسرى التابع للأمن العام، مخافة أن تتعرضا للأذى على يد أفراد عائلاتيهما، ورأى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن رواية الأمن العام وضعت الفتيات في وضع يهدد حياتهن، خصوصاً في ظل تكرار حوادث القتل بدعوى الشرف في المجتمع الأردني في قضايا مماثلة، فيما تبنى ناشطون آخرون رواية الأمن وصبوا غضبهم على عائلتي الفتاتين.
مصدر في الأمن العام، اعترف لـ"العربي الجديد" بأنّ جهاز الأمن، أخطأ عندما أسهب في التفاصيل في بيانه الأول، لا سيما أنّ القضية تحولت إلى قضية رأي عام، وعلى الرغم من تأكيده الرواية الأمنية، قال طالباً عدم ذكر اسمه "كان المفروض الاكتفاء بإعلان العثور على الفتاتين، والإشارة إلى أن التحقيقات جارية لمعرفة أسباب اختفائهما، دون ذكر المزيد من التفاصيل".
وتوثق إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية، تسجيل 144 حالة تغيب لفتاة وسيدة عن منازل ذويهم خلال العام الماضي، تغيب لم يثر جدلاً واسعاً في المجتمع الأردني، على غرار ما أثارته قضية الفتاتين شيماء وجمانة.
اقرأ أيضاً: فلسطينيّات الداخل ضحايا "حماية شرف العائلة" بتواطؤ إسرائيلي