تُحكِمُ الحكومة الأردنية إغلاق أدراج مكتبها على مشروع قانون الانتخاب الجديد المنتظر أن يكون إصلاحياً، تطبيقاً لوعود متكررة قطعها الملك الأردني عبد الله الثاني منذ أكثر من عامين في العديد من المناسبات. وهي وعود أعادتها الحكومة إلى درجة أنها استقرت يقيناً في وجدان السياسيين الأردنيين والإصلاحيين الذين خذلتهم وعود سابقة.
لكن تبدو الوعود مختلفة هذه المرة، إذ أعلن رئيس الحكومة، عبد الله النسور، صراحة قبل أشهر، أنّ "مشروع القانون الجديد سيدفن قانون الصوت الواحد" الذي يواجه العديد من الاعتراضات.
إعلان النسور من غير الممكن أن يصدر من دون حصوله على ضوء أخضر من قبل مراكز في صنع القرار. وهو إعلان ينذر بطي صفحة قانون الصوت الواحد الذي صمد منذ العام 1993 في وجه المعارضين الذين يحمّلونه مسؤولية إحباط الحياة السياسية من خلال إفرازه مجالس نيابية ضعيفة عاجزة عن انتاج أغلبية نيابية ترتقي بالحياة السياسية، وتغيب عنها الصبغة الحزبية.
كما يؤخذ على قانون الصوت الواحد أنه ساهم في تعميق المصالح العشائرية والمناطقية على المصالح الوطنية، لكنه القانون الذي بقيت ترى فيه مراكز أخرى في صنع القرار السلاح الأقوى للإبقاء على نفوذها داخل المؤسسة التشريعية على اعتباره ضمانة لضبط مدخلاتها (أعضاء البرلمان) والسيطرة على مخرجاتها (التشريع والرقابة). وترى تلك المراكز إلى الآن أنّ "الصوت الواحد" هو السلاح الأقوى، متخوفة من عواقب دفنه.
اقرأ أيضاً: الحكومات البرلمانية في الأردن.. متى؟
وأصبح وضع مشروع القانون الجديد على الطاولة، عبر إحالته إلى مجلس النواب (الغرفة التشريعية الأولى) ليمر بمراحله التشريعية قبل إقراره، مسألة وقت، ولا سيما أنّ إحالته كانت مشروطة بأن يسبقها إقرار قانونيين إصلاحيين. أقرّ الأول وهو قانون الأحزاب، فيما الثاني وهو قانون البلديات واللامركزية في طريقة إلى الإقرار بعد أن شرع النواب في مناقشته منذ أيام.
تعتقد الحكومة أن أفضل ما فعلته خلال المرحلة الماضية كان الإغلاق غير المسبوق على مشروع القانون الجديد، مبررة ما أقدمت عليه بقناعتها أن الكشف عن المشروع كان سيكلفها مزيداً من الأعداء والمعارضين لفكرة دفن الصوت الواحد هي في غنى عنهم، مكتفية بمواجهة معارضين يحركهم المتمترسون في مراكز صنع القرار المغلقة.
وترد الحكومة على المطالبين بضرورة عقد حوار وطني حول مشروع القانون يؤدي إلى خلق توافق عام حوله، بتأكيدها المستمر أنها أخذت بعين الاعتبار عند إعداد مشروع القانون جميع مخرجات الحوارات الوطنية. وهي الحوارات التي كانت توصي كل مرة بضرورة دفن "الصوت الواحد"، قبل أن تدفن هي وتوصياتها ويبقى هو.
تدرك القوى الساعية إلى التغيير أن معركة ليست سهلة تنتظرها عندما يظهر القانون إلى العلن. معركة سيحمل لواءها في مواجهتها أولئك المخلصون في مراكز لصنع القرار لقانون "الصوت الواحد" كسلاح للسيطرة ومن باتوا ينظرون إلى مقاعدهم في البرلمان كحقوق مكتسبة سيخسرونها قطعاً بخسارتهم لـ"الصوت الواحد".
المعركة المنتظر أن تدور رحاها في العلن، والتي سيواجه فيها القانون أعضاء كثر في البرلمان ونخب سياسية محافظة وزعماء عشائر ومناطق، تسبقها حالياً معركة تدور في السر، تخوضها الحكومة أو بالأحرى المدافعون فيها عن مشروع القانون والذين من بينهم رئيسها عبد الله النسور، مع مراكز في صنع القرار تعارض توجه الحكومة، التي تعتبره متعجلاً.
ويقترح المعترضون على الحكومة صيغاً بديلة، تحافظ في جوهرها على "الصوت الواحد" مع إدخال تعديلات تجميلية عليه على غرار ما حصل في قانون الانتخاب الذي أقرّ في أوج الربيع الأردني في العام 2012، مستحدثاً "كوتا" محددة بـ 27 مقعداً في مجلس النواب للقوائم الوطنية، من أصل 150 مقعداً عدد أعضاء المجلس.
وتتسلح الحكومة أو المتحمسون فيها للتغيير، في الحرب السرية التي تخاض، برؤى الملك وطموحاته المعلنة تجاه قانون عصري يمهد للوصول مستقبلاً إلى حكومة برلمانية. في المقابل يتسلح المعارضون في مركز القرار الأمني بأنّ "الحفاظ على الاستقرار أولى من مغامرة الإصلاح".
في النهاية، فإن المعركة السرية الدائرة الآن تكتسب أهمية أعلى من تلك العلنية المنتظرة، إذ إن المنتصر في الأولى سيضمن انتصاراً حتمياً في الثانية التي سيخوضها مسنوداً بثقل مراكز صنع القرار مجتمعة، مقتنعة كانت أم مرغمة.
اقرأ أيضاً الأردن في ذكرى "هبّة نيسان": هل تعود؟