تتكرر في الأردن ظاهرة استحضار الذاكرة القصيرة والبعيدة، في معرض ندب الأردنيين واقعهم، الذي بات يثير مخاوفهم على مستقبل النسيج المجتمعي، فخلال الأيام الماضية رُويت عشرات القصص عن التسامح، الذي كان يضبط إيقاع العلاقات الإنسانية بين الأردنيين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وأصولهم ومنابتهم، وغُلّفت تلك الروايات بحنين إلى الزمن الماضي، فيما بدا تسليماً جمعياً، بأنهم خسروا ذلك الزمن إلى غير عودة. وهو التسليم الذي يثير الخوف أكثر من الحوادث التي استدعت استحضار روايات التسامح.
استحضار روايات التسامح الديني استدعتها حادثة وفاة شاب مسيحي موهوب في العزف على الغيتار، شادي أبو جابر، في حادث سير. وقد أثارت الوفاة سجالاً محتدماً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أقدم مسلمون فسّروا النصوص الشرعية بما يخدم مواقفهم، على تحريم تقديم العزاء في المسيحي. وهو ما أشعل موجة من خطاب الكراهية، استدعى تدخل مفتي عام المملكة، عبد الكريم خصاونة، الذي أكد جواز تعزية غير المسلم في وفاة ميتهم، كذلك تقبّل التعازي من غير المسلمين بوفاة المسلم، ومشاركة المسلمين لغير المسلمين أفراحهم وأحزانهم، كل بصيغته الدينية.
هل كان المجتمع الأردني يحتاج إلى فتوى من المفتي العام حتى يصوغ علاقاته الإنسانية؟ ومنذ متى كان يحتاجها؟ لكن حادثة وفاة الشاب أبو جابر الذي تبيّن أن له محبين كثرا، عابرين للأديان والمذاهب، ليست الحادثة الأولى التي تثير جدل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الأردن، فخلال السنوات القليلة الماضية، تكررت حوادث مشابهة تبادل فيها مسلمون ومسيحيون دور المحرك، وتكررت معها الروايات الماضوية عن شواهد التسامح.
واهم من يعتقد أن استحضار الروايات الماضوية عن التسامح ستهزم خطاب الكراهية وحوادث الفتنة المتكررة، ومخطئ من يرى أن ماضي التسامح ستعيده مسيرة مشتركة يخرج فيها مسلمون ومسيحيون، وهم يحلمون بالشعارات، على غرار المسيرة التي خرجت في عام 2014 تحت شعار "مسلمون ومسيحيون معاً"، وتفجرت بعدها العديد من الحوادث.
إن المعالجة السطحية ستؤدي إلى تعميق الفجوة، وسنجد أنفسنا نبكي في المستقبل واقعاً كانت تطوّق فيه تلك الحوادث قبل تفاقمها إذا لم نجب على سؤال: لماذا فقدنا/نفقد التسامح؟