08 نوفمبر 2024
الأردن في "صفقة القرن"
يكاد لا يوجد هاجس يساور الأردن والأردنيين اليوم أكثر من هاجس ما تعرف بـ"صفقة القرن" الأميركية المرتقب الإعلان عنها منتصف شهر يونيو/ حزيران المقبل. يتخوف الأردنيون من أن تصوراً لحل أميركي مزعوم للقضية الفلسطينية سيكون على حسابهم بالدرجة الأولى. ونجد تعبيرات واضحة عن ذلك في تحذيرات تصدر عن الملك عبد الله الثاني، ومسؤولين أردنيين آخرين دونه. قد يكون عنوان التحذيرات الآن هو الرعاية الهاشمية الدينية للأماكن المقدسة في القدس المحتلة، والتي تشير معطيات إلى أنها تتعرّض لمزاحمة سعودية، بالتنسيق مع إسرائيل، للضغط على الأردن وتمهيد الطريق لحل تصفويٍّ على المقاسات الإسرائيلية، من دون اكتراث بالحقوق الفلسطينية أو الحسابات الأردنية. يترافق ذلك كله مع أزمة اقتصادية حادة وخانقة يعيشها الأردن، خصوصا أن المساعدات المالية الخليجية، وتحديدا السعودية ثمَّ الإماراتية، إما أنها توقفت أو انخفضت إلى مستوياتٍ لا تبقي لها أثرا. وبالنسبة لأردنيين كثيرين، مسؤولين ومواطنين، فإن ذلك يعضد هواجسهم من أن ثمَّة محاولات لإرغام الأردن على التنازل عن مواقفه المبدئية، فيما يتعلق بقضية القدس ومقدساتها، ثمَّ في موضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه في مقابل حزم من المساعدات الاقتصادية لفك ضائقته.
ضمن الخلفية السابقة، جاءت تغريدة المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، الأربعاء الماضي، محاولة من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتهدئة مخاوف الأردن. كتب غرينبلات: "الملك عبد الله الثاني والأردن حلفاء أقوياء للولايات المتحدة. الإشاعات التي تقول إنَّ خطتنا للسلام تتضمن كونفدرالية بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو أن يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، غير صحيحة. رجاء لا تنشروا الشائعات"، إلا أن محاولة غرينبلات طمأنة الأردنيين لا ينبغي لها أن تقنع أحداً، فالأمر أعمق من ذلك وأخطر بكثير، ولا يخلو من مراوغة.
يزعم كثيرون علمهم بتفاصيل "صفقة القرن" حتى قبل أن تنشر! هؤلاء مُتَخَرِّصونَ، ولا
ينبغي أن يسمع لهم. ولكن هذا لا ينفي أن ثمَّة مؤشرات ومعطيات يمكن أن تفيدنا في رسم صورة تقريبية للمسار المتوقع للأحداث، من دون الجزم بدقتها. أيضا، من الضروري أن نبقي في أذهاننا أن ثمّة مسارات في سياق "صفقة القرن" يجري تنفيذها عمليّاً على الأرض، على الرغم من عدم الإعلان عنها بعد.
لنبدأ بما نعلمه يقينا. أولا، تقوم مقاربة إدارة ترامب، بالتوافق والتنسيق الكامل مع إسرائيل، على أن حل ما يعرف بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لا ينبغي أن يكون ثنائيا، بقدر ما ينبغي أن يكون "حلا إقليميا"، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمره الصحافي الرسمي الأول مع ترامب، في البيت الأبيض، في فبراير/ شباط 2017. وحسب نتنياهو، فإن "فرصة عظيمة للسلام تتأتى من مقاربة إقليمية تتضمن إشراك حلفائنا العرب الجدد من أجل تحقيق سلام أوسع، وسلام كذلك مع الفلسطينيين". تعقيب ترامب على تصريح نتنياهو في المؤتمر الصحافي: "في الحقيقة هو اتفاق (السلام) أكبر بكثير، واتفاق أهم بكثير. إنه اتفاق يتطلب مشاركة دول كثيرة جدا، كما أنه يغطي مساحة جغرافية واسعة جدا.. ولدينا تعاون جيد جدا مع أشخاصٍ لم يكن من المتصور في الماضي بأنهم سيقومون بذلك". ما يُستشف من تعقيب ترامب تحديدا، والذي يبدو أنه فاجأ نتنياهو (كشف نقاشا خاصا ما كان ينبغي الإعلان عنه) أن إسرائيل لن تقدم "تنازلات" كثيرة للفلسطينيين في إطار أدنى حقوقهم، بل إن أكثر من طرف عربي سيتحمل كلفة تلك "التنازلات" بشكل جماعيٍّ، لتخفيف المطلوب من إسرائيل.
إذاً، الحديث واضح هنا عن "حل إقليمي" يتطلب مشاركة أطراف عدة. وهذا يقود إلى النقطة الثانية، إذ إن معلومات كثيرة تتداول أن الولايات المتحدة طلبت من السعودية والإمارات، تحديدا، تمويل الصفقة، خصوصا لناحية تعويض الفلسطينيين اقتصاديا عن احتمال خسارة كثير مما تبقى من فتات حقوقهم التاريخية غير القابلة للتصرّف. كما أن ثمَّة تعويضات واستثمارات أخرى قد تقدم لدول، كمصر والأردن، مقابل مساهمتهما في إنجاح الصفقة، عبر تقديم تنازلات في المواقف السياسية، وأخرى متوقعة، جغرافيا (في سيناء/ مصر)، وديمغرافيا (الأردن). أما ما ستكسبه السعودية والإمارات فهو إطلاق أيديهما في الإقليم بحماية أميركية، واحتواء إيران، وغض الطرف عن انتهاكاتهما لحقوق الإنسان في دولتيهما، فضلا عن التواطؤ معهما في دعمهما الثورات المضادة، وإعطائهما الفرصة لإجهاض ما تسمى تيارات "الإسلام السياسي". وكلنا يذكر تلك التقارير الغربية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، والتي أكدت أن وليَّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، استدعى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حينئذ، وطلب إليه قبول "صفقة القرن" أو الاستقالة. كما أننا نعلم اليوم، بالأدلة، الدور الإماراتي في تهويد القدس وعقاراتها، كما نتابع مؤشرات المنافسة السعودية المحمومة للأردن على الرعاية الدينية للأماكن المقدسة في القدس.
ثالثا، لم يخف ترامب نواياه الحقيقية من وراء اعترافه، في ديسمبر/ كانون الأول 2017،
بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثمَّ قطعه، في أغسطس/ آب 2018، التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). بالنسبة لترامب، تمثل قضيتا القدس واللاجئين "عقبتين" على طاولة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وبالتالي، الحلَّ هو "إزالتهما" عن الطاولة.
المقاربة الإقليمية بعمومها موضوع أكبر وأعقد من أن يبحث في مقال واحد، ولذلك ينحصر ما تبقى من نقاش هنا في إسقاطاتها على السياق الأردني عبر مسألتي القدس واللاجئين. لا يترك الملك عبد الله فرصة إلا ويعيد التذكير، تلميحا وتصريحا، إلى أن الوضع الاقتصادي المزري الذي يشهده الأردن إنما هو عائد إلى موقفه المتمسك برعاية الأماكن المقدسة في القدس، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية. وبالنسبة للقدس، تتم الجهود الأميركية لابتزاز الأردن في ملف الولاية الدينية عبر بوابة المزاحمة السعودية عليها والضغط الاقتصادي. أما قضية اللاجئين، وعلى الرغم من أنه لم تسلط عليها الأضواء بعد بشكل مركز، إلا أنها الهاجس الأكبر للأردن.
لا تعرف، على وجه الدقة، نسبة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتتراوح التقديرات فيها من 35% من مجمل المواطنين الأردنيين، إلى ما يتجاوز 60%. وبعيدا عن لعبة النسب، فالمهم أن نسبة المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني معتبرة جدا. وبالعودة إلى مقاربة الحلَّ الإقليمي، وتحليلها في السطور أعلاه، في ضوء تعهد نتنياهو، مطلع شهر إبريل/ نيسان الجاري، بضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إذا ما أعيد انتخابه لرئاسة الوزراء، وقد تمَّ ذلك، فإن هذا سيعني أن ثلاثة ملايين فلسطيني سيكونون محاصرين في كانتونات
ومعازل مقطعة الأوصال على قرابة 40% من الضفة الغربية. هؤلاء الفلسطينيون، إن وَفَّى نتنياهو بتعهده الانتخابي، سيكونون بحاجة إلى عمق جغرافي، وهذا العمق الجغرافي لن يكون إلا الأردن، إذ إن "الدولة الفلسطينية"، إن قامت ستكون مجرد وَهْمٍ من دون مضمون.
يدرك الأردن ذلك جيدا، خصوصا أن ترامب، على الأغلب، لن يتردد في الاعتراف بسيادة إسرائيل على ما تضمه من الضفة الغربية، تماما كما فعل في مارس/ آذار الماضي في الجولان السوري المحتل. أضف إلى ذلك أن ضغوط إدارة ترامب على "أونروا" لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني على أنه المتضرر المباشر من قيام دولة إسرائيل واحتلال أراضي فلسطين، من دون أن يمتد ذلك ليشمل الأبناء والأحفاد، سيعني، عمليا، إن كتب لها النجاح، إلغاء حق العودة، وهذا سيتطلب توطين أولئك اللاجئين، إما في الدول التي يقيمون فيها، أو في دول أخرى تقبل بهم. في حالة الأردن، يزداد الأمر تعقيدا، فأغلب اللاجئين الفلسطينيين على أرضه مواطنون أردنيون، ولكن منهم من يشتكون أنها مواطنة بـ"حقوق منقوصة". حينها، قد يجد الأردن نفسه أمام ضغوط عربية ودولية، لا لإنجاز كونفدرالية فحسب مع ما تبقى من الضفة الغربية بسكانها الملايين الثلاثة، وإنما أيضا لإعطاء مواطنة كاملة الحقوق لهم وللأردنيين من أصول فلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى توتر كبير في البلد، حيث سيخشى كثيرون من الشرق أردنيين أن هوية بلادهم تضيع وَتُمَيَّعُ مع تلاشي بعض امتيازاتهم، في حين سيعتبر المواطنون من أصول فلسطينية أن مؤامرة وقعت على حقهم في العودة إلى فلسطين. صحيح أنه قد تكون هناك حوافز اقتصادية للأردن كي يتجاوز تذمراً شعبياً، ولكن هذا غير مضمون. وهكذا يجد النظام في الأردن نفسه عالقا بين ضغوط من اتجاهات كثيرة، فهناك أولا الشعب الأردني بهواجس متعارضة لجزئين أساسين فيه. وهناك تآمر بعض الأشقاء، وخذلان من كان يظن أنهم حلفاء. كما أن هناك محاولات للمسِّ بالشرعية الدينية للنظام الهاشمي، والتي تكثفها الرعاية الدينية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة.
نسأل الله أن يحفظ الأردن من مؤامرات المتآمرين. ثمَّ لا ينبغي أبدا أن نقبل بأن تكون تصفية فلسطين، وإنقاذ إسرائيل من ورطة احتلالها لها، على حساب الأردن والعرب، والذين هم أنفسهم ضحايا مشروعها الاستيطاني الإحلالي. كلنا يعرف أن الواقع العربي مخزٍ ومريع، لكن هذا لا ينفي ضرورة التباحث، أردنيا وفلسطينيا، في الخيارات الوطنية الاستراتيجية لإفشال هذا المشروع إن مضى فيه أصحابه والمتواطئون بيننا معهم. بغير ذلك، ومن دون إرادة مخلصة، وعزيمة صلبة، وتخطيط كاف، وبحث عن حلفاء جدد، عربيا وإقليميا ودوليا، قد نكون، لا قدر الله، على أبواب فتنة في الأردن، أو ارتكاس جديد وأعمق للمشروع الوطني في فلسطين المحتلة.
ضمن الخلفية السابقة، جاءت تغريدة المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، الأربعاء الماضي، محاولة من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتهدئة مخاوف الأردن. كتب غرينبلات: "الملك عبد الله الثاني والأردن حلفاء أقوياء للولايات المتحدة. الإشاعات التي تقول إنَّ خطتنا للسلام تتضمن كونفدرالية بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو أن يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، غير صحيحة. رجاء لا تنشروا الشائعات"، إلا أن محاولة غرينبلات طمأنة الأردنيين لا ينبغي لها أن تقنع أحداً، فالأمر أعمق من ذلك وأخطر بكثير، ولا يخلو من مراوغة.
يزعم كثيرون علمهم بتفاصيل "صفقة القرن" حتى قبل أن تنشر! هؤلاء مُتَخَرِّصونَ، ولا
لنبدأ بما نعلمه يقينا. أولا، تقوم مقاربة إدارة ترامب، بالتوافق والتنسيق الكامل مع إسرائيل، على أن حل ما يعرف بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لا ينبغي أن يكون ثنائيا، بقدر ما ينبغي أن يكون "حلا إقليميا"، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمره الصحافي الرسمي الأول مع ترامب، في البيت الأبيض، في فبراير/ شباط 2017. وحسب نتنياهو، فإن "فرصة عظيمة للسلام تتأتى من مقاربة إقليمية تتضمن إشراك حلفائنا العرب الجدد من أجل تحقيق سلام أوسع، وسلام كذلك مع الفلسطينيين". تعقيب ترامب على تصريح نتنياهو في المؤتمر الصحافي: "في الحقيقة هو اتفاق (السلام) أكبر بكثير، واتفاق أهم بكثير. إنه اتفاق يتطلب مشاركة دول كثيرة جدا، كما أنه يغطي مساحة جغرافية واسعة جدا.. ولدينا تعاون جيد جدا مع أشخاصٍ لم يكن من المتصور في الماضي بأنهم سيقومون بذلك". ما يُستشف من تعقيب ترامب تحديدا، والذي يبدو أنه فاجأ نتنياهو (كشف نقاشا خاصا ما كان ينبغي الإعلان عنه) أن إسرائيل لن تقدم "تنازلات" كثيرة للفلسطينيين في إطار أدنى حقوقهم، بل إن أكثر من طرف عربي سيتحمل كلفة تلك "التنازلات" بشكل جماعيٍّ، لتخفيف المطلوب من إسرائيل.
إذاً، الحديث واضح هنا عن "حل إقليمي" يتطلب مشاركة أطراف عدة. وهذا يقود إلى النقطة الثانية، إذ إن معلومات كثيرة تتداول أن الولايات المتحدة طلبت من السعودية والإمارات، تحديدا، تمويل الصفقة، خصوصا لناحية تعويض الفلسطينيين اقتصاديا عن احتمال خسارة كثير مما تبقى من فتات حقوقهم التاريخية غير القابلة للتصرّف. كما أن ثمَّة تعويضات واستثمارات أخرى قد تقدم لدول، كمصر والأردن، مقابل مساهمتهما في إنجاح الصفقة، عبر تقديم تنازلات في المواقف السياسية، وأخرى متوقعة، جغرافيا (في سيناء/ مصر)، وديمغرافيا (الأردن). أما ما ستكسبه السعودية والإمارات فهو إطلاق أيديهما في الإقليم بحماية أميركية، واحتواء إيران، وغض الطرف عن انتهاكاتهما لحقوق الإنسان في دولتيهما، فضلا عن التواطؤ معهما في دعمهما الثورات المضادة، وإعطائهما الفرصة لإجهاض ما تسمى تيارات "الإسلام السياسي". وكلنا يذكر تلك التقارير الغربية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، والتي أكدت أن وليَّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، استدعى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حينئذ، وطلب إليه قبول "صفقة القرن" أو الاستقالة. كما أننا نعلم اليوم، بالأدلة، الدور الإماراتي في تهويد القدس وعقاراتها، كما نتابع مؤشرات المنافسة السعودية المحمومة للأردن على الرعاية الدينية للأماكن المقدسة في القدس.
ثالثا، لم يخف ترامب نواياه الحقيقية من وراء اعترافه، في ديسمبر/ كانون الأول 2017،
المقاربة الإقليمية بعمومها موضوع أكبر وأعقد من أن يبحث في مقال واحد، ولذلك ينحصر ما تبقى من نقاش هنا في إسقاطاتها على السياق الأردني عبر مسألتي القدس واللاجئين. لا يترك الملك عبد الله فرصة إلا ويعيد التذكير، تلميحا وتصريحا، إلى أن الوضع الاقتصادي المزري الذي يشهده الأردن إنما هو عائد إلى موقفه المتمسك برعاية الأماكن المقدسة في القدس، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية. وبالنسبة للقدس، تتم الجهود الأميركية لابتزاز الأردن في ملف الولاية الدينية عبر بوابة المزاحمة السعودية عليها والضغط الاقتصادي. أما قضية اللاجئين، وعلى الرغم من أنه لم تسلط عليها الأضواء بعد بشكل مركز، إلا أنها الهاجس الأكبر للأردن.
لا تعرف، على وجه الدقة، نسبة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتتراوح التقديرات فيها من 35% من مجمل المواطنين الأردنيين، إلى ما يتجاوز 60%. وبعيدا عن لعبة النسب، فالمهم أن نسبة المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني معتبرة جدا. وبالعودة إلى مقاربة الحلَّ الإقليمي، وتحليلها في السطور أعلاه، في ضوء تعهد نتنياهو، مطلع شهر إبريل/ نيسان الجاري، بضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إذا ما أعيد انتخابه لرئاسة الوزراء، وقد تمَّ ذلك، فإن هذا سيعني أن ثلاثة ملايين فلسطيني سيكونون محاصرين في كانتونات
يدرك الأردن ذلك جيدا، خصوصا أن ترامب، على الأغلب، لن يتردد في الاعتراف بسيادة إسرائيل على ما تضمه من الضفة الغربية، تماما كما فعل في مارس/ آذار الماضي في الجولان السوري المحتل. أضف إلى ذلك أن ضغوط إدارة ترامب على "أونروا" لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني على أنه المتضرر المباشر من قيام دولة إسرائيل واحتلال أراضي فلسطين، من دون أن يمتد ذلك ليشمل الأبناء والأحفاد، سيعني، عمليا، إن كتب لها النجاح، إلغاء حق العودة، وهذا سيتطلب توطين أولئك اللاجئين، إما في الدول التي يقيمون فيها، أو في دول أخرى تقبل بهم. في حالة الأردن، يزداد الأمر تعقيدا، فأغلب اللاجئين الفلسطينيين على أرضه مواطنون أردنيون، ولكن منهم من يشتكون أنها مواطنة بـ"حقوق منقوصة". حينها، قد يجد الأردن نفسه أمام ضغوط عربية ودولية، لا لإنجاز كونفدرالية فحسب مع ما تبقى من الضفة الغربية بسكانها الملايين الثلاثة، وإنما أيضا لإعطاء مواطنة كاملة الحقوق لهم وللأردنيين من أصول فلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى توتر كبير في البلد، حيث سيخشى كثيرون من الشرق أردنيين أن هوية بلادهم تضيع وَتُمَيَّعُ مع تلاشي بعض امتيازاتهم، في حين سيعتبر المواطنون من أصول فلسطينية أن مؤامرة وقعت على حقهم في العودة إلى فلسطين. صحيح أنه قد تكون هناك حوافز اقتصادية للأردن كي يتجاوز تذمراً شعبياً، ولكن هذا غير مضمون. وهكذا يجد النظام في الأردن نفسه عالقا بين ضغوط من اتجاهات كثيرة، فهناك أولا الشعب الأردني بهواجس متعارضة لجزئين أساسين فيه. وهناك تآمر بعض الأشقاء، وخذلان من كان يظن أنهم حلفاء. كما أن هناك محاولات للمسِّ بالشرعية الدينية للنظام الهاشمي، والتي تكثفها الرعاية الدينية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة.
نسأل الله أن يحفظ الأردن من مؤامرات المتآمرين. ثمَّ لا ينبغي أبدا أن نقبل بأن تكون تصفية فلسطين، وإنقاذ إسرائيل من ورطة احتلالها لها، على حساب الأردن والعرب، والذين هم أنفسهم ضحايا مشروعها الاستيطاني الإحلالي. كلنا يعرف أن الواقع العربي مخزٍ ومريع، لكن هذا لا ينفي ضرورة التباحث، أردنيا وفلسطينيا، في الخيارات الوطنية الاستراتيجية لإفشال هذا المشروع إن مضى فيه أصحابه والمتواطئون بيننا معهم. بغير ذلك، ومن دون إرادة مخلصة، وعزيمة صلبة، وتخطيط كاف، وبحث عن حلفاء جدد، عربيا وإقليميا ودوليا، قد نكون، لا قدر الله، على أبواب فتنة في الأردن، أو ارتكاس جديد وأعمق للمشروع الوطني في فلسطين المحتلة.