تُعتبر زيارة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، إلى طهران، الأرفع لمسؤول أردني منذ ثمانية أعوام إلى إيران، وتأتي بعد أشهر من تسمية السلطات الأردنية سفيراً لها في طهران هو الوزير السابق عبد الله أبو رمان، بعد سبع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما تأتي بعد عام من الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الأردن، لكن الأهم أنها تأتي في ظل وضع إقليمي معقد تظهر فيه إيران لاعباً أساسياً لا يمكن إغفاله أو مواصلة تجاهل دوره.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الأردنية والإيرانية، في أعقاب زيارة جودة السبت الماضي التي التقى خلالها الرئيس الإيراني حسن روحاني وظريف، أن الطرفين بحثا العلاقات الثنائية وأوضاع المنطقة. والمؤكد أن الشق الثاني المتعلق بأوضاع المنطقة تم بحثه، غير أن الشق المتعلق بالعلاقات الثنائية غير الموجودة أصلاً على جميع الصعد نتيجة التمنّع الأردني أمام الرغبة الإيرانية، قد يكون ورد في سياق المجاملة الدبلوماسية التي تحكم علاقة البلدين.
وخلال السنتين الماضيتين، كررت إيران على لسان العديد من مسؤوليها، دعوة الأردن للتعاون في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، من دون أن تلقى دعواتها آذاناً صاغية من قبل المسؤولين الأردنيين، الذين وجدوا طريقهم أخيراً في التحالف الدولي للحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكن عندما بدأ الملك الأردني عبد الله الثاني الترويج منذ أشهر لجهد عربي إسلامي لمواجهة الإرهاب، أصبح على الأردن التقاط الدعوات الإيرانية، وإن كان بشكل متأخر.
وبدت مواقف الطرفين خلال زيارة جودة متطابقة حول هدفها الرئيسي المتمثل بـ "محاربة الإرهاب"، ففي حين تحدث الوزير الأردني عن جهود بلاده في مكافحة الأفكار المتطرفة، ونبذ التعصّب وإثارة الفرقة بين مكوّنات الأمّة الإسلاميّة، لفت الرئيس الإيراني الذي سلّمه جودة رسالة من الملك الأردني، إلى أن بلاده حذرت مبكراً من خطر الإرهاب، مشدداً على أن الطريق الوحيد للحد من انتشاره يتمثل بالتعاون المشترك، وهو ما أعاد وزير الخارجية الإيراني طرحه على مسامع نظيرة الأردني.
ويصف دبلوماسي أردني لـ "العربي الجديد" المحادثات الأردنية-الإيرانية خلال الزيارة بـ "بوابة لتعاون محتمل في جهود مكافحة الإرهاب بين البلدين".
ويشير الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن "المباحثات تعمّقت في بحث سبل التعامل مع الإرهاب والحد من انتشاره، من دون أن تتطرق إلى الجانب العملي للقضاء عليه، والمتعلق بالجهد العسكري".
اقرأ أيضاً: تعديل "يبتعد عن الهدف" على الحكومة الأردنية
وكان اللافت خلال الزيارة، دعوة جودة إلى فتح حوار عربي-إيراني يهدف إلى حل مشكلات المنطقة، وهو ما قد يشير إلى أن الزيارة ليست مبادرة أردنية خالصة، بل ضمن تنسيق مع بعض الدول العربية التي تجمعها علاقة متوترة مع إيران.
وهذه الزيارة التي اعتُبرت مفاجأة، قد تضع حداً لدبلوماسية المجاملات التي حكمت العلاقة بين البلدين، في حال تمكنت الدول العربية وإيران من بلورة موقف متقارب لمحاربة الإرهاب، خصوصاً في سورية والعراق، حيث تمتلك إيران يداً عسكرية طويلة فيهما، وتُتهم من قبل دول عربية بدعم أنظمة البلدين المتهمة بدورها بصناعة الإرهاب، وهي المهمة التي تبدو مستحيلة في المدى المنظور على الأقل، في ظل الاتهامات المتبادلة، والمخاوف الدفينة بين بعض الدول العربية وإيران، والاختلافات السياسية العميقة حول سبل إنهاء أزمات المنطقة.