الأردن وتجفيف حاضنة داعش
ما أن أعلنت السلطات الأردنية الإفراج عن أحد أبرز منظري تنظيم القاعدة بخاصة، والتيار السلفي الجهادي عامة، أبو محمد المقدسي، حتى برز سؤال عن إمكانية استعانة الدولة الأردنية بالمقدسي، في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؟
كانت خطوة لاقت استحساناً واسعاً، حتى من المعارضة التي رأت فيها مؤشراً على الطريقة الناعمة التي يقود فيها النظام السياسي الاردني البلاد، إلا أنها خطوة ستبقى ذات حدين.
وقد التقت مصالح الدولة الأردنية الراهنة، بخشية المقدسي على سمعة التيار السلفي الجهادي بسبب ما يقوم به داعش، ما دفعه إلى الموافقة على ما يشبه الصفقة لإخراجه من معتقله. وسواء كان خروج المقدسي من السجن، ثمناً لدور قام به في أثناء مفاوضات الأجهزة الأمنية الأردنية مع داعش، في أثناء محاولتها استبدال الطيار، معاذ الكساسبة، بالسجينين، ساجدة الريشىاوي وزياد الكربولي، أو في مقابل صفقة يساهم فيها المقدسي بجهده الدعوي، في إبعاد التيار السلفي الجهادي عن دوائر التأثر بداعش، فإن النظام الأردني استطاع احتواء تيار المقدسي وعقد "هدنة"، ربما ستطول معه، نظراً لإمكانية أن تطول مدة محاولة تفكيك تأثير داعش بين صفوف التيار السلفي الجهادي.
ويحوز المقدسي على احترام كبير من قطاعات واسعة من جمهور التيار السلفي الجهادي، لكنه أيضاً وصف مبكراً بالردة عندما رفض الاصطفاف مع إعلان أبو بكر البغدادي دولته، بانشقاقه عن تنظيم القاعدة، ومخالفته أوامر زعيم القاعدة، أيمن الظواهري.
وتعبر الخطوة تماما عن تاريخ من قيادة النظام الأردني السياسة المحلية، عبر آليات الاحتواء وليس الصدام. لكن المفارقة، أنه في أثناء حرب المملكة على داعش، لم تتوقف السلطة عن مهاجمة الإسلام السياسي، ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين. وبالإفراج عن المقدسي، بالتزامن مع إعلان الدولة الأردنية "حرباً بلا هوادة" على داعش، تكون المملكة قد فتحت خطين متوازيين في شكل الحرب، عسكرياً وفكرياً، في عملية إعادة تأهيل أنصار التيار السلفي الجهادي بصورة ناعمة.
وليس غريباً أن تشهد الفترة المقبلة، الإعلان عن إطلاق سراح أعضاء في التيار السلفي مناوئين لداعش. وهو أمر استخدمته أجهزة الأمن الأردنية مبكرا، عندما أفرجت عن أبو قتادة الذي وصف داعش بأنهم كلاب أهل النار.
رُتّب للمقدسي، وفور خروجه من السجن، لقاء تلفزيوني مع قناة رؤيا، القناة الأكثر مشاهدة في الأردن، قال فيه ما رغبت السلطات الأردنية في سماعه، إن داعش يكذب ويخدع، وهو لا يمثل الإسلام، وأنه تواصل مع داعش، منذ اعتقال الأخير الطيار معاذ الكساسبة، فتعهدوا له بسلامته، لكنهم راوغوه، ونقضوا تعهداتهم. وكانت تلك المقابلة التلفزيونية تأصيلاً شرعياً وسياسياً لموقف المقدسي من داعش.
وعلى الرغم من العلاقات السيئة التي تجمع المقدسي "القاعدة" بتنظيم "داعش"، بعد أن هاجم داعش، وطالب المنتسبين له بالخروج منه، بعد معارك خاضها التنظيم ضد جبهة النصرة، إلا أنه لم يتأخر في الوقوف مع داعش ضد التحالف الأميركي لمحاربة الإرهاب، وهو الموقف الذي اعتقل على إثره في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أن وصف الحرب على التنظيم بأنها حرب صليبية على الإسلام.
والملاحظ أن ما تريده الدولة الأردنية، هو تجفيف الحاضنة الاجتماعية لتنظيم داعش، وقطع الطريق عليه، واستثمار ما لديها من أوراق في الخلافات الدائرة داخل التيار بين المقدسي والتيار الموازي للتنظيم، وبالشكل الذي يخدم سياستها الأمنية.