تراقب عمّان عن كثب أدق التفاصيل في مدينة القدس المحتلة. وبقدر خوفها على مستقبل المدينة، بعد إعلانها من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "عاصمة" إسرائيل، تُوتّرها محاولات نزع الوصاية الهاشمية عن المقدسات في المدينة. وقبل أيام، كشفت شخصيات مقدسية عن إفشال مخطط لنقل الوصاية على المقدسات، الإسلامية والمسيحية، في المدينة، من الهاشميين إلى آل سعود، وتحديداً إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وفي سبيل ذلك، سعت شخصيات مقدسية لتشكيل وفد يضم رجال دين، مسلمين ومسيحيين، للذهاب لمبايعة بن سلمان وصياً على الأماكن المقدسة في المدينة. محاولة جرى إفشالها، كما أبلغ مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، "العربي الجديد"، بعد تسرب معلومات حولها استدعت تدخل القيادة الفلسطينية.
ويؤكد مصدر أردني، أن عمّان، صاحبة اليد الطولى في القدس، تابعت الأمر منذ بدايته، متحفظاً على توجيه الاتهام إلى السعودية بالوقوف خلفه. وقال المصدر، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، "توجد فئة معزولة من المقدسيين تسعى للإضرار بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. لا يمكن اعتبار الأمر مخططاً سعودياً، بقدر ما يمثل محاولات بائسة يتصدى لها الأردن ويتصدى لها المقدسيون أنفسهم".
لكن المحاولة السعودية ليست الأولى لخدش الوصاية الهاشمية، فقد سبقها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتراضُ وفدٍ سعودي، خلال اجتماع الاتحاد البرلماني العربي في المغرب، على "الوصاية الهاشمية"، التي رأى فيها عائقاً أمام منح القدس "بُعداً إسلامياً"، وهو اعتراض تؤكده مصادر برلمانية أردنية، رغم نفيه من قبل رئاسة البرلمان. ويقول رئيس الديوان الملكي الأسبق، عدنان أبو عودة، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الأردنية تريد تبريد الموضوع".
وتعود الوصاية الهاشمية على القدس إلى العام 1924، عندما بايع المقدسيون الشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى والمدفون في الحرم القدسي، راعياً للمقدسات. وهي الرعاية/الوصاية التي جرى التأكيد عليها في مناسبات عدة، آخرها الاتفاقية الموقعة بين الملك الأردني، عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في مارس/آذار 2013، والمعروفة باسم اتفاقية "حماية الأماكن المقدسة في القدس"، وجاء فيها أن الوصاية آلت إلى الملك عبد الله الثاني.
وإضافة للبعد التاريخي، يتحدث أبو عودة عن بعد ديني، له أثر أكبر في تعزيز الوصاية الهاشمية في نفوس المقدسيين، يتمثل في "حادثة الإسراء والمعراج، التي قام بها الرسول، جد الهاشميين. هذا بُعدٌ يعرفه جميع الناس، ويعزز في نفوس المقدسيين أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات". أبو عودة الذي وصف الأطماع السعودية في القدس، خلال محاضرة ألقاها في 20 ديسمبر الماضي، بـ"آخر معركة بين الهاشميين والسعوديين"، لا يستبعد تورط إسرائيل في محاولة نزع الوصاية الهاشمية. ويقول "ما يحدث قد يكون مناورة إسرائيلية لإجبار الأردن، أو ابتزازه، على اتخاذ سياسات ومواقف ما كان ليتخذها". ويعبر عن قناعته بأن "أي وفد سيخرج من القدس لمبايعة ولي العهد السعودي سيكون بمعرفة إسرائيل"، غير أنه متيقن أن المقدسيين المتمسكين بالوصاية الهاشمية سيُفشلون تلك المحاولات. ويعلق على عبارته "آخر المعارك"، بالقول "لا يعني ذلك أن تنتصر السعودية. الفلسطينيون أنفسهم متمسكون بالوصاية التي تتعدى الدعم المعنوي إلى الدعم المادي والحفاظ على هوية المدينة وتثبيت المقدسيين".
والإدارة العامة لأوقاف القدس، المسؤولة عن المسجد الأقصى وغيرها من المقدسات الإسلامية والمسيحية، هي إحدى المديريات التابعة للأوقاف الأردنية، ويبلغ عدد موظفيها نحو ألفٍ، يتقاضون رواتبهم من موازنة وزارة الأوقاف. وبين مبايعة المقدسيين للشريف الحسين في العام 1924 وتوقيع اتفاق "حماية الأماكن المقدسة في القدس" في العام 2013، العديد من المحطات التاريخية التي أكدت الوصاية الهاشمية، وأظهرت تمسك ملوك الأردن المتعاقبين بالوصاية التي تمثل جزءاً من "الشرعية الدينية". وخلال الحرب العربية-الإسرائيلية، في العام 1948، دافعت القوات المسلحة الأردنية عن مدينة القدس واستطاعت الحفاظ على القدس الشرقية، التي أصبحت بعد وحدة الضفتين في العام 1950 جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية. ورغم احتلال إسرائيل، في يونيو/حزيران 1967، كامل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لم ينقطع الدور الأردني في القدس الشرقية التي لم يعترف العالم بالسيادة الإسرائيلية عليها. والتمسك الأردني بالوصاية على القدس يبدو واضحاً في قرار فك الارتباط الذي اتخذه الملك الأردني الراحل، الحسين بن طلال، في العام 1988، بأنه ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع المملكة الأردنية الهاشمية، إذ جرى استثناء الأماكن المقدسة في مدينة القدس من القرار. ويقول أبو عودة، الذي كتب خطاب فك الارتباط، "استثنى القرار الأماكن المقدسة في مدينة القدس بطلب مباشر من الراحل الحسين. قال يومها قبل كتابة الخطاب: لا يمكن أن نترك القدس". ويعلق أبو عودة على مخطط "وفد مبايعة محمد بن سلمان"، بالقول "كل شيء يمكن أن يحدث في المنطقة العربية، الخطير أن المحاولة جرت، حتى وإن أُفشلت"، لكنه يعود للرهان على ما يصفه بـ"العلاقة العضوية التاريخية" بين الأردن والقدس الشرقية، لإفشال أي مخططات مستقبلية.