دخل الأردن مرحلة جديدة من التعاطي اقتصاديا مع جائحة فيروس كورونا، بعدما أعلن رئيس الوزراء، عمر الرزاز، الخميس الماضي، أنها ستستمر أشهرا وربما أطول من ذلك، بخلاف التوقعات السابقة بانحسارها خلال مايو/ أيار المقبل على أبعد تقدير، ما يستدعي التأقلم مع المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، قال مسؤول حكومي لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع المالية باتت متأزمة للغاية، وكان لا بد من اتخاذ قرارات صعبة للمساهمة في مواجهتها، إضافة إلى استمرار المساعي للحصول على تمويل خارجي لتغطية العجز المتفاقم.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن تخفيض الرواتب جاء لتوفير بعض النفقات للفترة المقبلة، بالإضافة إلى تمكين الحكومة من معالجة آثار الأزمة على بعض القطاعات وخاصة عمال المياومة (اليومية) والشرائح الفقيرة وتقديم رواتب للمتعطلين عن العمل من خلال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
وحسب خبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن القرارات المالية التي اتخذتها الحكومة لتعزيز وضع المالية العامة، وآلية مساعدة القطاعات المتأثرة من الأزمة، تعكس مدى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الأردني، وسط توقعات بتفاقمها خلال الأشهر المقبلة
وبالتالي فإن الحكومة أقدمت على قرارات لم تكن مفاجئة، رغم أنها صعبة للغاية تمثلت باقتطاعات من رواتب العاملين في الجهازين المدني والعسكري وتخفيض رواتب الوزراء وكبار المسؤولين ووقف زيادات الرواتب التي أقرتها في يناير/ كانون الثاني الماضي إضافة إلى وقف صرف مخصصات مالية للموظفين ومجالس إدارات الشركات الحكومية.
وشملت القرارات تخفيض رواتب رئيس الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين والموظفين، بنسبة تراوحت بين 10% إلى 40% اعتبارا من الشهر الجاري.
ولم يخفِ رئيس الوزراء أن الوضع المعيشي بات صعبا في ظل تداعيات أزمة كورونا وبرر بأن التحديات الحالية تفرض اتخاذ هكذا قرارات، في إطار تعزيز أطر الحماية الاجتماعية للشرائح الفقيرة وعمالة المياومة الذين يعانون من ضائقة مالية غير مسبوقة.
وما تزال الحكومة تفرض حظرا للتجول وإغلاق معظم القطاعات والمنشآت الاقتصادية والشركات الصغيرة والمتوسطة في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة للحد من انتشار وباء وكورونا.
وبلغ عدد حالات الإصابات المسجلة بالوباء في الأردن 402 حالة، ووفاة 7 أشخاص، حتى الخميس الماضي.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن الحكومة انتقلت حاليا إلى تركيز جهودها لإنقاذ الوضع الاقتصادي بعدما تأكدت من طول أمد الأزمة وبدأت بإجراءات توفير السيولة من خلال تخفيض الرواتب وضبط النفقات وإلغاء تنفيذ مشاريع البنى التحتية وغيرها.
وأضاف أن هذه الإجراءات وحصيلتها موجهة لأغراض محددة لكنها غير كفيلة بإنقاذ الوضع الاقتصادي ما يتطلب إعادة تشغيل مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة التصديرية منها وبما يمكن العمال من العودة إلى أعمالهم وتحسين النشاط التجاري.
ولفت إلى أن تخفيض الرواتب سيؤثر على الأوضاع المعيشية لفئة كبيرة من المواطنين وخاصة مع ارتفاع الأسعار وزيادة الإنفاق على المجالات الأساسية كالصحة والتعليم وغيرهما.
وقال عايش إن "المطلوب أيضا تكثيف الاتصالات مع الجهات والدول المانحة للحصول على مساعدات طارئة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية المتردية والنتائج السلبية الناتجة عن الجائحة".
ووجه ملك الأردن عبد الله الثاني الحكومة إلى التخطيط لما بعد الفترة الحالية ووضع جدول زمني واضح لحماية الاقتصاد واستدامته، إضافة إلى وضع خطة اقتصادية لتخطي هذه الفترة الاستثنائية وبذل أقصى الجهود للحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم باعتبارها أولوية.
وأكد ضرورة تنسيق الحكومة مع القطاع الخاص واستشارته بشأن الخطط الاقتصادية والخطوات التي عليهما اتخاذها للحفاظ على الأمن الوظيفي للعاملين وضمان استدامة الاستثمارات الخاصة.
وتبلغ موازنة الدولة للعام الحالي 13.83 مليار دولار بعجز مقدر بنحو 1.76 مليار دولار بعد احتساب المنح والمساعدات الخارجية، بينما يصل العجز إلى 2.9 مليار دولار قبل احتساب المنح، مشكلاً ما نسبته 2.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني قال لـ"العربي الجديد"، في تصريح سابق، إن الأردن سيواجه وضعا اقتصاديا صعبا خلال العام الحالي وربما الأعوام المقبلة بسبب الانعكاسات السلبية لأزمة كورونا وتعطل مختلف الأنشطة الاقتصادية وتراجع الإيرادات المحلية المتأتية من الضرائب والرسوم إلى أدنى مستوى.
أضاف أن العجز المالي المقدر لهذا العام بنحو 1.4 مليار دولار سيرتفع ربما إلى 2.6 مليار دولار، إضافة إلى وقف العمل بمشاريع استراتيجية وبنى تحتية وتحويل مخصصاتها لغايات تغطية متطلبات الإنفاق على مواجهة الوباء ومعالجة المصابين.
وأكد ضرورة أن تتجه الحكومة إلى الاقتراض من الخارج بغض النظر عن نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي التي تبلغ حاليا حوالي 95%، ذلك أن الظروف الطارئة التي يعاني منها الاقتصاد تتطلب هذا الإجراء.
وكانت الحكومة قد خصصت حوالي 700 مليون دولار كتسهيلات مالية للشركات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من دفع رواتب العاملين لديها.
وأبدى صندوق النقد الدولي استعداده لإعادة النظر في برنامج التمويل المتفق عليه مع الأردن، بما يراعي التداعيات الناتجة عن أزمة كورونا، فيما نبه البنك الدولي إلى الانعكاسات السلبية التي ستلحق بالاقتصاد الأردني بسبب الجائحة.