تمكن الأردن من تحقيق اكتفاء ذاتي في بعض السلع، كالزيتون وزيت الزيتون، البندورة والحليب الطازج، بالإضافة إلى البيض، لكن الفجوة الغذائية التي يعاني منها، تدفع بمادتي القمح واللحوم، إلى المرتبتين الأولى والثانية على قائمة السلع التي تستوردها المملكة من الخارج. فبينما تشكل نسبة ما يستورده من القمح نحو 98% من احتياجاته، يستورد نحو 60% تقريباً من حاجته إلى اللحوم الحمراء، لتقترب فاتورته الغذائية المستوردة إلى نحو 3 مليارات دينار سنوياً.
يعد المجتمع الأردني، وفق الخبير الاقتصادي فيصل جرادة، من المجتمعات التي يفوق فيها الاستهلاك الكلي ما تنتجه من سلع محلية. ويقول: "إن كمية القمح المنتجة لا تتجاوز 20 ألف طن، أي ما يعادل 5% من قيمة ما تحتاجه السوق المحلية، والبالغة نحو 900 ألف طن سنوياً". ويرى جرادة أن الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الشعبية، شبه معدوم، بسبب تدهور أرقام إنتاجها خلال العقدين الأخيرين، حيث لم يعد يغطي الإنتاج أكثر من أسبوعين فقط من حاجة المستهلكين، التي تزداد باضطراد مع الارتفاع الذي طرأ على نسبة النمو السكاني، وتدفق نحو 1.5 مليون لاجئ سوري إلى البلاد.
تعاظم استيراد هاتين المادتين كبديل، بعدما عجزت المملكة عن إنتاج كميات كافية منهما، وافتقار القطاع الزراعي إلى وجود استراتيجية ملزمة، مدعومة حكومياً، تركز على زراعة المحاصيل الهامة وتنمية الثروة الحيوانية، بما يسد حاجة السوق، ويخفف من عبء الإنفاق الحكومي على الاستيراد، وارتفاع قيمته التي طالما تضخمت متأثرة بالسعر العالمي.
ويؤكد الخبير الزراعي أسعد منصور أن خسارة الأردن لقطاعه الزراعي، وانحسار إجمالي مساحة الأراضي في ظل التوسع الذي شهدته البلاد في المناطق الحضرية على حساب المناطق الريفية، رفع درجة المخاطر التي تهدد أمنه الغذائي، وتأزم الوضع، عندما تناقص حجم الملكيات الزراعية، ما أدى إلى تجزئة الأراضي لمساحات صغيرة غير صالحة للزراعات المطلوبة. ويقول لـ"العربي الجديد": "مع خروج المساحات الزراعية الكبيرة، وتحويلها إلى مشاريع سكنية وتجارية، ظهرت مشكلة المياه، إذ إن تحويل مياه قناة الغور الشرقية إلى عمان، من أجل الشرب، جعل مياه سد الملك طلال الذي يزوّد المزارعين بمياه الري، غير كافية، ما وضع الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أن تسد الاحتياجات المنزلية من المياه، أو تسد احتياجات الزراعة".
اقــرأ أيضاً
وتشكل الأراضي الزراعية نسبة تقل عن 10% من مساحة المملكة الإجمالية، 3% منها فقط مستغلة زراعياً. فيما تبلغ حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي 4%، وهو انخفاض حاد مقارنة بفترة الخمسينات، حيث كانت حصته تشكل نحو 40%.
ومع أن مناخ الأردن، وبحسب البحوث والتجارب، يصلح لزراعة أنواع عديدة من المنتجات الغذائية التي تستوردها المملكة بأسعار مرتفعة، وإعفاء الحكومة مدخلات الإنتاج الزراعي من الضريبة، إلا أن الدعم للقطاع المقدّر بنحو 180 مليون دينار سنوياً، يقتصر فقط على المياه والقروض ودعم الرسوم الجمركية، وهو ما أدى إلى فشل السوق في توجيه الإنتاج نحو الطلب، وشجع الاستيراد.
وتستورد المملكة ما يزيد عن 90% من احتياجاتها الغذائية، بحيث تصنّف عالمياً على أنها دولة مستوردة صافية للغذاء. وبالرغم من وجود 3.2 ملايين رأس من الضأن والماعز، إلا أن استهلاك الأردنيين للحوم البلدية لا يزيد عن 17 ألف طن سنوياً، ويعود السبب، كما يقول الخبير التنموي فايز الدويري، إلى ارتفاع ثمنها، حيث يبلغ ثمن الكيلوغرام من لحم الضأن البلدي 20 ديناراً، بينما لا يتجاوز سعر نظيره المستورد 7 دنانير. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتجه معظم الأسر لاستهلاك اللحوم المجمدة والمبردة داخل أكياس مفرغة من الهواء، وقد وصل معدل استهلاكها الشهري نحو 3500 طن، أي ما يعادل 42 ألف طن سنوياً".
ويضيف: "إن الأردن فقد في الأعوام الأخيرة أكثر من نصف ثروته الحيوانية بسبب مواسم الجفاف من جهة، وشح المياه وتراجع بيئات المراعي الطبيعية، وارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج من جهة أخرى"، مؤكداً غياب الحوافز الخاصة بالإنتاج الزراعي والحيواني، باستثناء ما يتعلق بأسعار مياه الري والأعلاف. ويُقدّر دعم الحكومة للأعلاف بنحو 75 مليون دينار سنوياً.
ويرى الدويري أن غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية عن القطاع، يفاقم الفجوة الغذائية، ويهدد أمن الأردن الغذائي، ويزيد من أعباء المستوردات في ظل العجز التجاري الذي يتحمله الاقتصاد، والذي تنعكس آثاره بشكل سلبي على حياة الناس. ويشير إلى أن الزراعة تعاني من انخفاض كفاءة المؤسسات بسبب ضعف الموارد البشرية، وتخصيص التمويل غير المناسب، وعدم كفاءة التمديدات الزراعية، مثل التمويل، وإدارة المخاطر، وضمان الجودة، ومحدودية مشاركة القطاع الخاص، ومحدودية التزام الحكومة والجهات المانحة بدعم القطاع الزراعي، نظراً لانخفاض حصته في الاقتصاد الوطني وضعف دور الاتحاد العام للمزارعين في مراقبة السياسات المتعلقة بالإنتاج والضبط الموجّه للقطاع.
وسبق للحكومة أن سعت لخفض فاتورة مستورداتها من السلعتين، عبر تأجير آلاف الدونمات من سهول الديسي لشركات محلية، بهدف زراعتها بالقمح وبعض المحاصيل الأخرى، وإقامة استثمارات زراعية أخرى في السودان لزراعة القمح والشعير والأعلاف بعد تخصيص السودان نصف مليون دونم للغرض ذاته، لكنها فشلت، وبقي القمح واللحوم، إلى جانب السلع التي تسمى بسلع العجز، كالشعير والأعلاف، على لائحة المستوردات الأكثر إلحاحاً والأكثر إنفاقاً في آن معاً.
اقــرأ أيضاً
يعد المجتمع الأردني، وفق الخبير الاقتصادي فيصل جرادة، من المجتمعات التي يفوق فيها الاستهلاك الكلي ما تنتجه من سلع محلية. ويقول: "إن كمية القمح المنتجة لا تتجاوز 20 ألف طن، أي ما يعادل 5% من قيمة ما تحتاجه السوق المحلية، والبالغة نحو 900 ألف طن سنوياً". ويرى جرادة أن الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الشعبية، شبه معدوم، بسبب تدهور أرقام إنتاجها خلال العقدين الأخيرين، حيث لم يعد يغطي الإنتاج أكثر من أسبوعين فقط من حاجة المستهلكين، التي تزداد باضطراد مع الارتفاع الذي طرأ على نسبة النمو السكاني، وتدفق نحو 1.5 مليون لاجئ سوري إلى البلاد.
تعاظم استيراد هاتين المادتين كبديل، بعدما عجزت المملكة عن إنتاج كميات كافية منهما، وافتقار القطاع الزراعي إلى وجود استراتيجية ملزمة، مدعومة حكومياً، تركز على زراعة المحاصيل الهامة وتنمية الثروة الحيوانية، بما يسد حاجة السوق، ويخفف من عبء الإنفاق الحكومي على الاستيراد، وارتفاع قيمته التي طالما تضخمت متأثرة بالسعر العالمي.
ويؤكد الخبير الزراعي أسعد منصور أن خسارة الأردن لقطاعه الزراعي، وانحسار إجمالي مساحة الأراضي في ظل التوسع الذي شهدته البلاد في المناطق الحضرية على حساب المناطق الريفية، رفع درجة المخاطر التي تهدد أمنه الغذائي، وتأزم الوضع، عندما تناقص حجم الملكيات الزراعية، ما أدى إلى تجزئة الأراضي لمساحات صغيرة غير صالحة للزراعات المطلوبة. ويقول لـ"العربي الجديد": "مع خروج المساحات الزراعية الكبيرة، وتحويلها إلى مشاريع سكنية وتجارية، ظهرت مشكلة المياه، إذ إن تحويل مياه قناة الغور الشرقية إلى عمان، من أجل الشرب، جعل مياه سد الملك طلال الذي يزوّد المزارعين بمياه الري، غير كافية، ما وضع الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أن تسد الاحتياجات المنزلية من المياه، أو تسد احتياجات الزراعة".
وتشكل الأراضي الزراعية نسبة تقل عن 10% من مساحة المملكة الإجمالية، 3% منها فقط مستغلة زراعياً. فيما تبلغ حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي 4%، وهو انخفاض حاد مقارنة بفترة الخمسينات، حيث كانت حصته تشكل نحو 40%.
ومع أن مناخ الأردن، وبحسب البحوث والتجارب، يصلح لزراعة أنواع عديدة من المنتجات الغذائية التي تستوردها المملكة بأسعار مرتفعة، وإعفاء الحكومة مدخلات الإنتاج الزراعي من الضريبة، إلا أن الدعم للقطاع المقدّر بنحو 180 مليون دينار سنوياً، يقتصر فقط على المياه والقروض ودعم الرسوم الجمركية، وهو ما أدى إلى فشل السوق في توجيه الإنتاج نحو الطلب، وشجع الاستيراد.
وتستورد المملكة ما يزيد عن 90% من احتياجاتها الغذائية، بحيث تصنّف عالمياً على أنها دولة مستوردة صافية للغذاء. وبالرغم من وجود 3.2 ملايين رأس من الضأن والماعز، إلا أن استهلاك الأردنيين للحوم البلدية لا يزيد عن 17 ألف طن سنوياً، ويعود السبب، كما يقول الخبير التنموي فايز الدويري، إلى ارتفاع ثمنها، حيث يبلغ ثمن الكيلوغرام من لحم الضأن البلدي 20 ديناراً، بينما لا يتجاوز سعر نظيره المستورد 7 دنانير. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتجه معظم الأسر لاستهلاك اللحوم المجمدة والمبردة داخل أكياس مفرغة من الهواء، وقد وصل معدل استهلاكها الشهري نحو 3500 طن، أي ما يعادل 42 ألف طن سنوياً".
ويضيف: "إن الأردن فقد في الأعوام الأخيرة أكثر من نصف ثروته الحيوانية بسبب مواسم الجفاف من جهة، وشح المياه وتراجع بيئات المراعي الطبيعية، وارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج من جهة أخرى"، مؤكداً غياب الحوافز الخاصة بالإنتاج الزراعي والحيواني، باستثناء ما يتعلق بأسعار مياه الري والأعلاف. ويُقدّر دعم الحكومة للأعلاف بنحو 75 مليون دينار سنوياً.
ويرى الدويري أن غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية عن القطاع، يفاقم الفجوة الغذائية، ويهدد أمن الأردن الغذائي، ويزيد من أعباء المستوردات في ظل العجز التجاري الذي يتحمله الاقتصاد، والذي تنعكس آثاره بشكل سلبي على حياة الناس. ويشير إلى أن الزراعة تعاني من انخفاض كفاءة المؤسسات بسبب ضعف الموارد البشرية، وتخصيص التمويل غير المناسب، وعدم كفاءة التمديدات الزراعية، مثل التمويل، وإدارة المخاطر، وضمان الجودة، ومحدودية مشاركة القطاع الخاص، ومحدودية التزام الحكومة والجهات المانحة بدعم القطاع الزراعي، نظراً لانخفاض حصته في الاقتصاد الوطني وضعف دور الاتحاد العام للمزارعين في مراقبة السياسات المتعلقة بالإنتاج والضبط الموجّه للقطاع.
وسبق للحكومة أن سعت لخفض فاتورة مستورداتها من السلعتين، عبر تأجير آلاف الدونمات من سهول الديسي لشركات محلية، بهدف زراعتها بالقمح وبعض المحاصيل الأخرى، وإقامة استثمارات زراعية أخرى في السودان لزراعة القمح والشعير والأعلاف بعد تخصيص السودان نصف مليون دونم للغرض ذاته، لكنها فشلت، وبقي القمح واللحوم، إلى جانب السلع التي تسمى بسلع العجز، كالشعير والأعلاف، على لائحة المستوردات الأكثر إلحاحاً والأكثر إنفاقاً في آن معاً.