دخلت أزمة تشكيل الحكومة في المغرب شهرها السادس، بعد عجز الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، المتصدر للانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عبد الإله بنكيران، عن تشكيلها بتكليف من العاهل محمد السادس. ومنذ ذلك الحين راوحت مشاورات تشكيل الحكومة مكانها، ومرّت بعراقيل ومطبات رئيسية عدة، ومنها عندما طالب زعيم حزب الأحرار، عزيز أخنوش، رئيس الحكومة باستبعاد حزب الاستقلال من عملية التأليف، لكن بنكيران رفض. إلا أن تصريحات زعيم حزب الاستقلال، حميد شباط، حول الوحدة الترابية لموريتانيا والمغرب، أثارت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي جدلاً كبيراً، ودفعت بنكيران إلى إسقاط الاستقلال من حسابات الحكومة، قبل أن تظهر عقبة جديدة تمثلت في اشتراط الأحرار دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة.
بعدها، توقفت مشاورات تشكيل الحكومة عند عقدة الاتحاد الاشتراكي، باعتبار أن رئيس الحكومة أكد أكثر من مرة، عبر تصريحات وبيانات حزبه، أن "هذا الحزب غير مرغوب فيه داخل الحكومة"، بينما أصرّ أخنوش ومعه أحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري على دخول الحزب إلى الحكومة.
واعتبر رئيس الحكومة أن "حزب الاتحاد الاشتراكي حلّ سادساً في الانتخابات التشريعية، وسيكون دخوله إلى الحكومة استهانة بإرادة الناخبين"، كما وصف بنكيران مواقف زعيم الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر بـ"المتذبذبة". لكن لأخنوش حسابات أخرى، تتعلق بـ"ضرورة إحاطة الحكومة بأغلبية لا تقل عن 240 مقعداً بالبرلمان، كما أن للاتحاد الاشتراكي علاقات مع الأحزاب الاشتراكية في العالم، وهو حزب مهم في ملف الصحراء".
بدوره، أكد مصدر قيادي في حزب العدالة والتنمية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة المعين هو الوحيد الذي من حقه وفق التكليف الملكي ووفق الدستور، أن يختار من يريد في حكومته، كما أنه لا يمكن لحزب الاتحاد الاشتراكي أن يبني على رصيده التاريخي ليطالب بدخول الحكومة عكس المنهجية الديمقراطية التي أفرزتها صناديق الاقتراع".
من جهته، شدّد لشكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن "موقف حزبه ثابت لم يتغير، كونه يرغب في دعم التجربة الحكومية"، مبرزاً أنه "لم يتلقّ جواباً رسمياً من رئيس الحكومة يفيد رفضه دخول فريقه الحكومي المرتقب، وما وصله مجرد تصريحات".
في هذا الإطار، رأى الخبير في الشأن السياسي والاستراتيجي، محمد عصام لعروسي، أن "تمسك حزب العدالة والتنمية بموقفه الرافض لإشراك حزب الاتحاد الاشتراكي في التشكيل الحكومي المقبل، وتشبث حزب التجمع الوطني للأحرار بهذا المطلب، يعكس صعوبة الخروج من مأزق الانسداد الحكومي".
وأضاف لعروسي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأزمة الحكومية أصبحت تشكّل وضعاً استثنائياً في ظل الفراغ المؤسساتي، وتعطّل الحكومة والبرلمان عن أداء أدوارهما الدستورية، خصوصاً بما يتعلق بالمصادقة على قانون المالية للسنة الجديدة".
ولفت إلى أن "هذا الوضع غير المألوف في الممارسة السياسية في المغرب، يكشف عن تخبط رئيس الحكومة وعزلته القسرية بعد تقديم كل التنازلات الممكنة، وأهمها الوقوع في تناقض صارخ بعد قبول رئاسة الحبيب المالكي لرئاسة مجلس النواب، ورفض توزير شخصيات من حزب الاتحاد الاشتراكي، لأن الموقف المبدئي كان يقتضي عدم قبول وجود حزب لا يتوفر إلا على 20 مقعداً على رأس المؤسسة النيابية".
وطرح لعروسي سيناريوهات عدة لتجاوز الأزمة الحكومية الراهنة، أولها "التحكيم الملكي بهذا الخصوص طبقاً للفصول 41 و42 و47 من الدستور. وهذا يعني أن الملك يمارس ضمن صلاحياته الدستورية مراقبة حسن سير المؤسسات الدستورية". وأشار إلى أن "هذا الانسداد يعرقل تشكيل الحكومة ويهدّد بفراغ سياسي ينعكس على التدبير اليومي لأمور البلاد، وصورتها في الخارج، خصوصاً أن الالتزامات الدولية للمغرب تقتضي في جزء منها وجود حكومة قائمة".
ورجح أنه "وفقاً لصلاحيات المؤسسة الملكية اللجوء إلى التحكيم، الذي قد ينجح في تقريب وجهات النظر، وربما الاتفاق على تعيين شخصيات مقرّبة من الاتحاد الاشتراكي، ولا تلاقي اعتراضاً من قبل حزب العدالة والتنمية، أو ربما قبول توزير بعض العناصر المحسوبة على حزب الاستقلال في أول تعديل حكومي، خصوصاً إذا ما تمّت إزاحة شباط عن الأمانة العامة في المؤتمر المقبل كما هو متوقع".
السيناريو الثاني، بحسب لعروسي، "هو احتمال اللجوء إلى إعادة الانتخابات البرلمانية، وهو خيار صعب لأنه مكلف مادياً، ووزارة الداخلية تتحفّظ بشأن هذا الموضوع لما يتطلبه الأمر من إمكانيات مادية وبشرية وتقنية ولوجستية". وتوقع أن "هناك احتمالا أيضاً بفوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية أكبر، مما قد ينعكس على الخريطة الحزبية بالمغرب، ويمهّد لتغلغل الحزب مؤسساتياً ومجتمعياً، وهذا ما يعتبر مرفوضاً من قبل النظام السياسي". وذهب لعروسي إلى حدّ القول إن "المؤسسة الملكية هي الوحيدة التي لها صلاحيات فك شفرة إخراج الحكومة من حالة الانسداد إلى حيز الوجود".