لا تزال الأزمة الليبية رهينة صعود وهبوط سياسي وعسكري دون أن تتمكن الأطراف المحلية والدولية من الوصول إلى تفاهمات نهائية تفضي لحل، وفي سياق تلك التفاهمات، أعلنت وزارتا الخارجية التركية والروسية توصّل الوفدين التركي والروسي المجتمعين في أنقرة لاتفاق بشأن الأزمة الليبية لتثبيت وقف إطلاق النار، لإفساح المجال لحوار سياسي ليبي، في وقت تسير فيه مستجدات الميدان العسكري نحو التصعيد.
الخارجية الروسية أكدت، أمس الأربعاء، أنها اتفقت مع الجانب التركي على مواصلة الجهود لتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار في ليبيا، وعلى حوار سياسي ليبي، وفقاً لقرارات مؤتمر برلين، وهو ما أكدته الخارجية التركية من جانبها، لكن مصادر ليبية متطابقة أكدت لــ"العربي الجديد" وصول عشرات من عناصر شركة الفاغنر الروسية إلى مواقع نفطية جديدة في منطقة الهلال النفطي وسيطرتها عليها.
وتطابقت معلومات المصادر، وهي حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، تحدثت لــ"العربي الجديد" عن سيطرة عناصر الفاغنر على أهم أجزاء مجمع رأس لانوف النفطي بمنطقة الهلال النفطي، كما وصلت ثلاث سيارات تقل عناصر من الشركة ذاتها إلى ميناء البريقة، ليلة أمس الأربعاء، تمهيداً للسيطرة عليه أيضاً.
وفي المقابل، يبدو أن دوريات جهاز الاستطلاع التابع لقوات حكومة الوفاق بدأت في تنفيذ جولاتها قريباً من منطقة الجفرة بعد أن أكملت استعداداتها العسكرية على تخوم مدينة سرت، في وقت أعلنت فيه شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات حفتر، اليوم الخميس، عن إسقاط طائرتين مسيرتين تابعتين لقوات الحكومة بالقرب من سرت.
وهي مستجدات لا تؤكد وصول الجانب التركي والروسي إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، بل تُظْهِرُ أن المحادثات بينهما لا تزال في خانة التفاهمات والبحث عن حلول، بحسب المحلل السياسي الليبي بلقاسم كشادة.
تُظهر التحركات على الأرض أن المحادثات بين الجانبين التركي والروسي ما تزال في خانة البحث عن حلول
ولفت كشادة في حديثه لــ"العربي الجديد" إلى أن توسيع مسلحي الفاغنر رقعة السيطرة لتضم مرافئ جديد للنفط في راس لانوف والبريقة؛ يعني سيطرتها الكلية على منطقة الهلال النفطي، تزامناً مع إعلان مليشيات حفتر عن إسقاط طائرتين مسيرتين، مشيراً إلى أن أنباء إسقاط الطائرتين، حتى وإن لم يتأكد منه، فإنه إشارة إلى زيادة التصعيد العسكري، وأن المنطقة تعيش على صفيح ساخن.
ومن طرابلس كشفت المصادر أن وفدا حكومياً على رأسه فايز السراج وصل إلى أنقرة، في زيارة لم يُعلَن عنها، لبحث التفاهمات التركية الروسية الأخيرة، مؤكدة أن صيغة التفاهم التركي الروسي ناقشت الأوضاع في سرت والجفرة، لكن حكومة الوفاق رفعت سقف مطالبها ليضم المطالبة بإخلاء مواقع النفط بما فيها منطقة الهلال النفطي من أي وجود عسكري داعم لحفتر.
ويقول كشادة إن "تعقّد المسألة لتطاول أوضاع مناطق النفط ومطالب إخلائها من السلاح يطرح سؤالاً عن كيفية تأمين تلك المواقع، ومن يؤمّنها، ما يعني أن هناك سيناريو دوليا مطروحا أمام حكومة الوفاق لحماية مواقع النفط"، مشيراً إلى أن الملف الليبي يبدو أنه يسير باتجاه فصل جديد قد يكون لقوات حفظ السلام الأممية دور كبير فيه.
ولفتت الصحافية الليبية نجاح الترهوني من جانبها إلى أن التفاهمات الجارية حالياً، والتي وُصِفت من الجانبين التركي والروسي بالاتفاق؛ قد تشير إلى حصول تفاهم بين الجانبين على مصالحهما وضمان استمرارها، لكنها تساءلت عن مصالح الجانب المصري الذي صعّد في الآونة الأخيرة لدرجة لجوئه إلى البرلمان لشرعنة تدخّله في ليبيا، ما يعني جديته في هذه المسألة في حال تهديد مصالحه.
وتساءلت الترهوني في حديثها لــ"العربي الجديد" عن "الانزعاج الجزائري من الدور التركي والمصري في ليبيا، وشكل التطمينات التي قد تعطيها الأطراف المتدخلة في ليبيا، والجارة المهمة لهذا البلد"، مشيرة إلى أن حالة الفراغ العسكري التي تركها تراجع قوة حفتر يحتم على الأطراف الدولية تأمين مناطق النفط والمواقع الاستراتيجية كالجفرة وسرت، لكن الجانب المصري مهتم أكثر وبشكل كبير بأمن القطاع الشرقي من ليبيا، ولذلك يسعى لتسليح بعض القبائل لتكون حليفاً له، وللحصول على قدرٍ كافٍ من ضبط الأوضاع في المنطقة الشرقية المهددة بالانفلات في أي وقت.
وشددت الترهوني على أن التفاهمات التي توصّل إليها الأتراك والروس قد تكون نواة جيدة لمشوار تفاهمات إقليمية ودولية أوسع، قد تنتهي بإعادة الملف الليبي إلى خانة المفاوضات السياسية برعاية البعثة الأممية التي لا تزال غائبة عن المشهد حتى الآن.
وفي سياق متصل، صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الخميس، وهو يقف بجانب نظيره القبرصي نيكوس أناستاسيادس، قائلاً: في هذا الجزء من البحر المتوسط، الذي يعتبر حيوياً لبلدينا، تُعدّ قضايا الطاقة والأمن جوهرية". وأضاف "الأمر يتعلق بصراع على النفوذ لا سيما من جانب تركيا وروسيا اللتين تؤكدان وجودهما أكثر فأكثر، وفي مواجهة ذلك لا يفعل الاتحاد الأوروبي حتى الآن شيئاً يُذكر". وتابع "سيكون من الخطأ الجسيم أن نترك أمننا في منطقة البحر المتوسط في يد أطراف أخرى، هذا ليس خياراً لأوروبا وهذا شيء لن تدعه فرنسا يحدث".