08 نوفمبر 2024
الأزمة مع قطر ومخاطر التصعيد
كان واضحاً، منذ بداية الأزمة الخليجية الراهنة، أن دولة قطر لن تخضع للحصار الذي فُرض عليها، أو تُذعن فتتحقق المطالب التي أملتها دول الحصار عليها، مقابل فكِّه. وعلى عكس ذلك، أسرعت الحكومة القطرية باتخاذ خطواتٍ وإجراءاتٍ، بيَّنت قدرتها على التعايش مع هذا الحصار، بل والقفز عنه إلى ما يجعل اقتصادها، وكذلك قرارها السيادي، أكثر قوةً ومنعةً، وهو ما أقلق تلك الدول. لكن مخافةً تبرز من أن تكون تلك الدول قد فهمت كلام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لها، في القمة الإسلامية-الأميركية، عن تقريرها نوع المستقبل التي تريده، دافعاً لاتخاذ خطواتٍ أخرى، أكثر تهوُّراً، قد لا تكون خطوة احتلال الجيش العراقي الكويت سوى إحدى مثيلاتها.
فبعد مضيِّ أكثر من شهرين على فرض الحصار، والذي ترافق مع إشهار المطالب الثلاثة عشر، تأكّدَ أن قطر ليست في وارد تنفيذها، وخصوصاً منها التي تتعلق بسيادة الدولة. وعلى الرغم من ردّ قطر المتواصل، وهو رفض تلك المطالب، تعاود دول الحصار الإصرار على تنفيذها، وكأنَّ رفض الدوحة لها لم يحصل، أو في أحسن الأحوال لم تصلها. فالأمر، والحال هذه، ربما يدفع تلك الدول إلى التصعيد الذي قد يصل إلى درجة غزو البلاد برِّياً، في تكرارٍ لمشهد غزو العراق الكويت، في تسعينيات القرن الماضي، ومخاطر ما يمكن أن يسببه هذا من استكمالٍ لانهيار ما تبقى من كيانٍ نفسيٍّ، كان يسمى "الأمة العربية"، أو نهجٍ أعرجٍ، كان يُعرَف بـ "التضامن العربي" اللذين كان غزو الكويت فاتحةً لانهيارهما.
وحيث إنه لم يسبق في تاريخ العلاقات بين الدول، المطالبة، على سبيل المثال، بإغلاق قناةٍ تلفزيونيةٍ، لم يثبت للمتابعين أنها استهدفت في الفترة الماضية إحدى هذه الدول، فما بالك بمطالب أخرى تتعلق بإغلاق القاعدة التركية على أراضيها، متغاضين عن وجود القاعدة الأميركية. وليسَ مستبعداً عمّن يحاصر دولةً، ويطالبها بتنفيذ شروطٍ تنتهك سيادتها، ويشنُّ عليها حرباً اقتصاديةً، أن يتَّخذ إجراءاتٍ، لا تنتهك سيادة هذه الدولة فحسب، بل ربما تنتهك حرمة أراضيها. ومن هنا، فإن أي عملٍ عسكريٍّ لإخضاعها هو في عرفه مبررٌ، ولا يهتم بالحصول على تأييدٍ دوليٍّ للشروع به.
فهل تتمخض حالة الستاتيكو القائمة في الخليج العربي، والتي تضيف إلى مشكلات السعودية،
المضطلعة بالدور الرئيس في عملية الحصار، مشكلةً أخرى، قد لا تجد بُدّاً من مواجهتها سوى بالهجوم، للخروج من مأزقٍ والاستعداد لمواجهة آخر؟ وهي حالة شبيهة بحال النظام العراقي، سنة 1990، بعد خروجه من الحرب مع إيران، وانخراطه في مشكلاتٍ مع جارته، الكويت، قيل إن السفيرة الأميركية في بغداد، أبريل غلاسبي، لمّحت للرئيس الراحل صدام حسين، بما مفاده بأنه لا مانع لدى واشنطن إن اتبعت بغداد السبيل الذي تراه مناسباً لحل مشكلاتها مع الكويت، فكان الغزو، في 2 أغسطس/ آب 1990، والذي جلب للعراق والمنطقة كوارثَ، ما زالت تعاني من تبعاتها، وستبقى إلى زمن غير معلوم.
وقد اعتبرَ محللون كثيرون أن عملية الغزو تلك كانت بمثابة طعم أميركي ابتلعه النظام العراقي، فأتاح لواشنطن استباحة المنطقة بحجة تحرير الكويت، والإقامة فيها حتى أجل غير مسمّى، علاوة على إخضاع العراق، ثم غزوه واحتلاله، سنة 2003، وسرقة ثرواته، ورهن ثروات المنطقة، وقرار أنظمتها، بحجة محاربة الإرهاب. فهل تقع السعودية وشركاؤها في الفخ نفسه فتَعتَبر كلام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه في القمة الأميركية- الإسلامية التي عقدت في الرياض، في مايو/ أيار الماضي، وقال فيه إن "على أمم الشرق الأوسط أن تقرر نوع المستقبل الذي تريده"، ضوءاً أخضر أتاح لها فرضَ الحصار، وربما تتحمّس، وتعتبر أنه يتيح لها القيام بعملٍ عسكريٍّ ما، فتغزو الأراضي القطرية، أو توجِّه لهذا البلد ضرباتٍ عسكريةٍ، على أقلِّ تقديرٍ؟
وإن كان الحصار قد أوجَدَ بوادرَ للخراب في المنطقة، أوّلها ما قال عنه وزير الدفاع القطري، خالد العطية، في حوار تلفزيوني، بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، إنه جعل "مستقبل مجلس التعاون الخليجي يصبح على المحك"، فما بالك بشنِّ حربٍ على قطر؟ لا يُستبعد أن عملاً كهذا، وعلاوة على آثاره الكارثية على قطر، إن وقع، سيجلب المشكلات للسعودية، ومن يشاركها الغزو، وستكون ردة الفعل الأولية كبيرة ضدها، وربما تُستدعى الجيوش لمعاقبتها، وما يمكن أن يتمخض عنه ذلك من قلاقل، ربما تؤدي إلى تقسيمها إلى عدة مناطق، ووصولها إلى حالة الدولة الفاشلة، كما العراق. ويمكن أن يتبع ذلك سرقة ثرواتها، وخروج قرارها من يد الأسرة الحاكمة، ويصبح مصيرها مثل مصير دول المنطقة الأخرى، العراق وسورية وليبيا واليمن.
وبناءً على الوقائع التي تحيط بأزمة الخليج، ليس من الصعب الاستنتاج، أن السعودية تستعجل دخول الحروب التي تحيط بالبيت الخليجي إلى قلب هذه المنطقة، بدلاً من فعلِ ما يمكن لوقفها وإبعادها خارج السياج. وإن وقعت الحرب فستغيِّر من الحالة القائمة، وتدخل المنطقة في حال لم تألفه من قبل، وهو ما يعلمه الجميع، وفي كل مكان، إلا في الرياض.
تشير المعطيات إلى أن الحرب الاقتصادية التي شنتها دول الحصار على قطر جاءت بنتائج
عكسيةٍ على هذه الدول. وإضافة إلى أنها أتت في الوقت الذي طرحت فيه السعودية برنامجاً لتطوير اقتصادها، عبر خصخصة بعض القطاعات، وطرح مشاريع سياحية للاستثمار، بغرض جذب رؤوس الأموال، تأتي لتكون طاردةً لرؤوس الأموال هذه، وما لذلك من مخاطر اقتصادية على منطقة الخليج برمَّتها. وهو ما كان قد توقّعه وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بعد يومين من فرض الحصار، حين قال في لقاءٍ صحافي: "سمعة الخليج كمنطقةٍ آمنة مستقطبةٍ لرؤوس الأموال يمكن أن تتضرّر، لذلك لا أستطيع أن أنكر أن هذا الخلاف سيكلّفنا الكثير من الخسائر". وكما في كل الحروب، إن ربحت السعودية، والدول الحليفة لها، في حربٍ مع قطر، فإنها ستكون خاسرةً، خسارةً ستكون الخسارةُ الاقتصادية مقدمةً لها.
يتبين، من مراقبة مسار الأزمة الخليجية، أنها لم تحصل بفعل الأسباب المباشرة التي أُعلِن عنها، فالمطالب التي رُفِعت، و"المهارة" والسرعة في اتخاذ الإجراءات ضد قطر، تُظهر أنها كانت مبيَّتة، غير أن المهارة في افتعال أزمةٍ يجب أن تترافق مع قدرة على احتواء تبعاتها، لكن تلك المهارة وهذه القدرة مفقودتان لدى فارضي الحصار، ولا يثبت ذلك حربهم في اليمن، فحسب، بل قدرة قطر على تجاوز الحصار، ووضع اللبنات الأساسية لاقتصادٍ يعتمد على الذّات، كما في كل حالات الحصار التي سبقت.
فبعد مضيِّ أكثر من شهرين على فرض الحصار، والذي ترافق مع إشهار المطالب الثلاثة عشر، تأكّدَ أن قطر ليست في وارد تنفيذها، وخصوصاً منها التي تتعلق بسيادة الدولة. وعلى الرغم من ردّ قطر المتواصل، وهو رفض تلك المطالب، تعاود دول الحصار الإصرار على تنفيذها، وكأنَّ رفض الدوحة لها لم يحصل، أو في أحسن الأحوال لم تصلها. فالأمر، والحال هذه، ربما يدفع تلك الدول إلى التصعيد الذي قد يصل إلى درجة غزو البلاد برِّياً، في تكرارٍ لمشهد غزو العراق الكويت، في تسعينيات القرن الماضي، ومخاطر ما يمكن أن يسببه هذا من استكمالٍ لانهيار ما تبقى من كيانٍ نفسيٍّ، كان يسمى "الأمة العربية"، أو نهجٍ أعرجٍ، كان يُعرَف بـ "التضامن العربي" اللذين كان غزو الكويت فاتحةً لانهيارهما.
وحيث إنه لم يسبق في تاريخ العلاقات بين الدول، المطالبة، على سبيل المثال، بإغلاق قناةٍ تلفزيونيةٍ، لم يثبت للمتابعين أنها استهدفت في الفترة الماضية إحدى هذه الدول، فما بالك بمطالب أخرى تتعلق بإغلاق القاعدة التركية على أراضيها، متغاضين عن وجود القاعدة الأميركية. وليسَ مستبعداً عمّن يحاصر دولةً، ويطالبها بتنفيذ شروطٍ تنتهك سيادتها، ويشنُّ عليها حرباً اقتصاديةً، أن يتَّخذ إجراءاتٍ، لا تنتهك سيادة هذه الدولة فحسب، بل ربما تنتهك حرمة أراضيها. ومن هنا، فإن أي عملٍ عسكريٍّ لإخضاعها هو في عرفه مبررٌ، ولا يهتم بالحصول على تأييدٍ دوليٍّ للشروع به.
فهل تتمخض حالة الستاتيكو القائمة في الخليج العربي، والتي تضيف إلى مشكلات السعودية،
وقد اعتبرَ محللون كثيرون أن عملية الغزو تلك كانت بمثابة طعم أميركي ابتلعه النظام العراقي، فأتاح لواشنطن استباحة المنطقة بحجة تحرير الكويت، والإقامة فيها حتى أجل غير مسمّى، علاوة على إخضاع العراق، ثم غزوه واحتلاله، سنة 2003، وسرقة ثرواته، ورهن ثروات المنطقة، وقرار أنظمتها، بحجة محاربة الإرهاب. فهل تقع السعودية وشركاؤها في الفخ نفسه فتَعتَبر كلام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه في القمة الأميركية- الإسلامية التي عقدت في الرياض، في مايو/ أيار الماضي، وقال فيه إن "على أمم الشرق الأوسط أن تقرر نوع المستقبل الذي تريده"، ضوءاً أخضر أتاح لها فرضَ الحصار، وربما تتحمّس، وتعتبر أنه يتيح لها القيام بعملٍ عسكريٍّ ما، فتغزو الأراضي القطرية، أو توجِّه لهذا البلد ضرباتٍ عسكريةٍ، على أقلِّ تقديرٍ؟
وإن كان الحصار قد أوجَدَ بوادرَ للخراب في المنطقة، أوّلها ما قال عنه وزير الدفاع القطري، خالد العطية، في حوار تلفزيوني، بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، إنه جعل "مستقبل مجلس التعاون الخليجي يصبح على المحك"، فما بالك بشنِّ حربٍ على قطر؟ لا يُستبعد أن عملاً كهذا، وعلاوة على آثاره الكارثية على قطر، إن وقع، سيجلب المشكلات للسعودية، ومن يشاركها الغزو، وستكون ردة الفعل الأولية كبيرة ضدها، وربما تُستدعى الجيوش لمعاقبتها، وما يمكن أن يتمخض عنه ذلك من قلاقل، ربما تؤدي إلى تقسيمها إلى عدة مناطق، ووصولها إلى حالة الدولة الفاشلة، كما العراق. ويمكن أن يتبع ذلك سرقة ثرواتها، وخروج قرارها من يد الأسرة الحاكمة، ويصبح مصيرها مثل مصير دول المنطقة الأخرى، العراق وسورية وليبيا واليمن.
وبناءً على الوقائع التي تحيط بأزمة الخليج، ليس من الصعب الاستنتاج، أن السعودية تستعجل دخول الحروب التي تحيط بالبيت الخليجي إلى قلب هذه المنطقة، بدلاً من فعلِ ما يمكن لوقفها وإبعادها خارج السياج. وإن وقعت الحرب فستغيِّر من الحالة القائمة، وتدخل المنطقة في حال لم تألفه من قبل، وهو ما يعلمه الجميع، وفي كل مكان، إلا في الرياض.
تشير المعطيات إلى أن الحرب الاقتصادية التي شنتها دول الحصار على قطر جاءت بنتائج
يتبين، من مراقبة مسار الأزمة الخليجية، أنها لم تحصل بفعل الأسباب المباشرة التي أُعلِن عنها، فالمطالب التي رُفِعت، و"المهارة" والسرعة في اتخاذ الإجراءات ضد قطر، تُظهر أنها كانت مبيَّتة، غير أن المهارة في افتعال أزمةٍ يجب أن تترافق مع قدرة على احتواء تبعاتها، لكن تلك المهارة وهذه القدرة مفقودتان لدى فارضي الحصار، ولا يثبت ذلك حربهم في اليمن، فحسب، بل قدرة قطر على تجاوز الحصار، ووضع اللبنات الأساسية لاقتصادٍ يعتمد على الذّات، كما في كل حالات الحصار التي سبقت.