الأسد وأميّة العمالة

24 نوفمبر 2014
أطفال سورية يتركون المقاعد الدراسية لتأمين الطعام(زين ارفاعي/فرنس برس)
+ الخط -
دأب النظام في سورية على تسويق جملة من الادعاءات التي ظن أنها تكسبه شرعية مدنية إلى جانب الشرعية الأمنية القمعية. وقد ألصق جملة هذه الادعاءات بحركته الانقلابية التي نفذها رأس النظام الأب في عام 1970 وسماها الحركة التصحيحية.
ومن أهم هذه الادعاءات أنه منح السوريين فرصاً متزايدة للحصول على تعليم أفضل، على الأقل من الناحية الكمية. وأن سورية من أهم دول العالم في المؤشرات الصحية بفضل الحركة التصحيحية "المباركة". وأصم إعلامه آذاننا قبل الثورة بأن سورية هي بلد الأمن والأمان.

سورية قبل الاسد
المتابع للخطاب الإعلامي السوري الرسمي وتخرصاته لابد من أن يتساءل: هل كانت سورية قبل انقلاب حافظ الأسد صحراء قفراً؟ وهل خلت سورية قبل آل الأسد من المدارس والجامعات ودور الاستشفاء؟ وأن سورية قبله كانت تشبه الشوارع الخلفية في منهاتن وشيكاغو؟
لم يجر نظام الأسد أي تعديل على النظام التعليمي خلال الفترة 1970-1985، فقد استمر نظاماً تعليمياً قوياً متماسكاً يُضرب بخريجيه المثل في غزارة المعرفة وسعة الثقافة. ولم يؤسس النظام إلا جامعتين هما: تشرين في اللاذقية عام 1971، والبعث في حمص عام 1979. جامعة تشرين بالذات كانت الطعنة في خاصرة النظام التعليمي العالي: عدد كبير من الخريجين بلا علم ولا ثقافة، ونجحوا عبر إرضاء الخواطر. وذلك في خطوة مدروسة على قاعدة "إن هذا شيء يراد".
وبعد عام 1979 لم تنشأ أي جامعة حكومية أخرى حتى عام 2006 (إطلاق جامعة الفرات). وذلك رغم الحاجة الماسة جداً للجامعات، في وقت كانت الجامعات الخاصة تغزو سورية.
عدد من خريجي تشرين، وبدءاً من الأعوام الأولى لعهد بشار الأسد، باتوا ينافسون بشدة خريجي دمشق على مقاعد المعيدية والبعثات العلمية والدراسات العليا في جامعة دمشق ذاتها. وكيف لا ومعدلات أقل المتخرجين منها تفوق بكثير معدلات الطلبة الأوائل في جامعة دمشق التي تأسست عام 1919 وخرجت بديع الكسم وصادق جلال العظم والطيب التيزيني وأدونيس وبرهان غليون والكثير من أطباء ومهندسي واقتصاديي العالم.
كان معدل نمو الطلب على الخدمات التعليمية أعلى بكثير من معدل النمو السكاني، خاصة من أبناء الريف الحوراني والحمصي والدمشقي. وغصّت الجامعات بأعداد هائلة جدا في مختلف الكليات (في أحد الأعوام بلغ عدد الطلاب المسجلين في كلية الحقوق في السنة الأولى 7 آلاف طالب و5 آلاف في كلية الاقتصاد، ومثلهم في كلية الآداب).
بالعودة إلى التعليم ما قبل الجامعي، فقد عمد نظام الأسد، منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، إلى تأنيث التعليم الابتدائي، كما أتاح الانتساب إلى دور المعلمين ومعاهد إعداد المدرسين لخريجي الثانوية العامة ذوي الدرجات الدنيا الذين لم تقبل بهم أية كلية من كليات الجامعات السورية. وبذلك بدأ الانهيار النوعي والأخلاقي في المؤسسة التعليمية.
وعن أي منجزات تعليمية نسجلها للحركة التصحيحية وقوة العمل السورية حافظت خلال ثلاثين سنة على تركيبها التعليمي؟ حيث إن 75% من قوة العمل لم يتجاوز تعليمهم المرحلة الإعدادية (المتوسطة) فيما لم يتجاوز عدد الجامعيين من كل الاختصاصات 7% حتى عام 2010. وأن معدلات الأمية في الحسكة ودير الزور تزيد عن 31% و28% على التوالي.
بطبيعة الحال لن نتحدث عن الكارثة التعليمية التي حلت بسورية، بسبب حرب النظام على السوريين منذ منتصف عام 2011 وتدمير البنية التحتية للمؤسسة التعليمية. ولا عن تشريد الطلاب الذين نادراً ما يحصلون على فرصة تعلم مبادئ القراءة والكتابة في ظروف غاية في القسوة والحرمان.
الإعلام السوري ذو المرجعية الاستخباراتية بتخرصاته حول إنجازات "عظيمة" للانقلاب الأسدي عام 1970 في مجال التعليم، يؤكد حتى لمؤيدي النظام قبل غيرهم أن أهم منجزاته في هذا الصدد تكمن في نجاحه في تطويع (وليس تطوير) العقل السوري لمؤسستين تدميريتين متطرفتين: مؤسسة التشبيح والقتل والإجرام ومؤسسة التطرف الديني. وهما مؤسستان تتناقضان مع العقلية السورية المتعلمة المنفتحة التي تخرجت من ذات المؤسسة، ولكن قبل إحكام نظام الأسد سيطرته عليها.
المساهمون