لم يكن مرسوم العفو الأخير، الذي أصدره رئيس النظام في سورية بشار الأسد، مختلفاً عن المراسيم السابقة لناحية التوقيت والأهداف التي لا تمت بصلة لأية بادرة حسن نية حيال السوريين. فما إن صدر، حتى بدأت تتكشف الأهداف الحقيقية لهذا المرسوم، الذي جاء في توقيت يسعى من خلاله النظام لتسويق نفسه على أنه مرن ويصفح، بالتزامن مع الحراك السياسي حول سورية، ومع موجات التضييق على اللاجئين السوريين في دول الجوار، خصوصاً تركيا، والظهور بمظهر الملاذ الآمن لهم. أما ما يتعلق بأهداف المرسوم، الذي شمل المجرمين الذين ارتكبوا جنايات، والعسكريين الذين فروا من الخدمة أو تخلفوا عنها، فمن الواضح أن النظام يعاني من نقص حاد في أعداد جنود قواته، ويسعى من خلال مرسوم العفو لرفد قواته بعناصر إضافية، سواء ممن فروا من الخدمة داخل مناطق سيطرته أو ممن تعرضوا لمضايقات في دول اللجوء، وقاموا بمصالحات للعودة إلى حضن النظام. طبعاً بالإضافة إلى إعطاء صك براءة لبعض المجرمين الذين كانوا يقدمون خدمات تشبيحية للنظام وارتكبوا جرائم لا يمكن السكوت عنها.
يأتي هذا فيما يقبع مئات آلاف المعتقلين في سجون النظام بسبب مطالبتهم بالحرية، من خلال تظاهرة أو إبداء رأي مخالف لتوجهاته. فهؤلاء لم يشملهم حتى الآن أي قانون أو مرسوم عفو، وإنما يتم قتل الكثير منهم تحت التعذيب والتخلص منهم في مقابر جماعية، من دون أن تتحرك أية جهة دولية بشكل جدي للكشف عن مصيرهم، أو معرفة أوضاع من لا يزالون يقبعون في الزنزانات. في المقابل، يقوم النظام، وبكل وقاحة، باستصدار شهادات وفاة لمن يُقتل منهم تحت التعذيب، وإخبار ذويهم أنهم ماتوا بنوبات قلبية أو برصاص الإرهابيين.
وتذكرنا مراسيم العفو التي يصدرها بشار الأسد بأول مرسوم عفو أصدره في بداية الثورة السورية، والذي شمل المتطرفين من سجناء صيدنايا، الذين تم الإفراج عنهم بموجبه، من دون أن يتم الإفراج عن أي معتقل رأي، أو معتقل بسبب عمل إغاثي قام به، فيما المفرج عنهم قاموا بتأسيس أعتى التنظيمات الإرهابية التي يدعي النظام محاربتها الآن، في مقدمتها "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" الذي انشق عنها. حقيقة تجعل من مراسيم العفو، التي يصدرها الأسد، مجرد أدوات لتحقيق أهداف سياسية واستخباراتية بحتة من دون النظر إلى أي جانب إنساني، وهي بعيدة كل البعد عن أي تنازل يتعلق بملف المعتقلين، الذي يعتبره النظام ورقة سياسية قوية من أوراق التفاوض.