تعدّ العشوائيات في مصر حالة عامة، حيث تسيّج أحزمة البؤس المدن المصرية ومنها العاصمة القاهرة. وبرغم أزمة السكن الواضحة، تشهد أسعار الشقق السكنية والعقارات مزيداً من ارتفاع الأسعار وصل الى 50 بالمئة خلال الأشهر الماضية، بما يتناقض مع واقع تدهور الحالة المعيشية للسكان.
فقد أعلن خبراء الأسواق العقارية ومتخصصون ووسطاء عقاريون في حديث مع "العربي الجديد" أن أسعار العقارات والأراضي السكنية في مصر شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الأشهر الماضية تراوحت بين 30 و 50% حسب المناطق، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وسط توقعات بمزيد من الارتفاع مستقبلاً.
وأرجع الخبراء زيادة الأسعار إلى ضعف القيمة الشرائية للجنيه المصري، واعتبار المصريين العقار ملاذاً آمناً لحفظ مدخراتهم، بالإضافة إلى الارتفاعات الكبيرة لأسعار مواد البناء وخصوصاً الحديد والاسمنت.
عشوائيات في مقابل المساكن الشاغرة
وتقدّر إحصائيات "المركز المصري للحقّ في السكن"، الثروة العقارية في مصر بأكثر من تريليون دولار. ويعيش 15.8 مليون نسمة في العشوائيات، في مقابل 5.8 ملايين وحدة سكنية شاغرة. وتمتلك كل أسرة من بين ربع مليون أسرة، ثلاث وحدات سكنية خاصة، بينما كل عائلة من بين مليون عائلة تمتلك وحدتين سكنيتين خاصتين.
ويعيش 18% من الأسر المصرية في غرفة واحدة، وتشارك العائلات الأخرى في دورة مياه واحدة.
وقال أحد كبار الوسطاء العقاريين محمد العرابي لـ"العربي الجديد" إن أسعار الأراضي السكنية ارتفعت بنسب متفاوتة على مستوى الجمهورية بما يراوح بين 25 و 50% نتيجة لزيادة أسعار جميع مواد البناء سواء الحديد أو الاسمنت أو غيرها من المواد، إضافة إلى تدهور قيمة الجنيه المصري.
وأضاف العرابي، الذي يمتلك مكاتب عقارية في معظم محافظات مصر، أن أسعار الأراضي والمساكن تختلف من محافظة إلى أخرى ومن حي لآخر، موضحاً أن بعض المراكز في الوجهين القبلي والبحري شهد ارتفاعات زادت احياناً عن الارتفاعات التي طاولت القاهرة والإسكندرية.
وأوضح العرابي أن متوسط سعر المتر المربع الذي كان يباع في الفترة نفسها من العام الماضي بـ2000 جنيه ارتفع على الأقل إلى 2500 و2700 جنيه. ووصل سعر المتر في بعض المراكز في المحافظات إلى 35 ألف جنيه للمحال التجارية. وكذلك ارتفعت اسعار الوحدات السكنية بالنسبة نفسها تقريباً، موضحاً أن الوحدة (100 إلى 120 متراً) التي كانت تباع بـ140 و180 ألف جنيه ارتفعت إلى 175 و210 آلاف جنيه (الدولار يساوي 7.14 جنيهات).
وأشار إلى أن المساكن الفاخرة شهدت زيادة كبيرة في الأسعار، لا سيما في المدن الجديدة مثل التجمع الخامس، القاهرة الجديدة والشيخ زايد.
ارتفاع الطلب على العقار
وقال الخبير والمثمّن العقاري إبراهيم عوض لـ"العربي الجديد" إن الفترة الماضية شهدت زيادة كبيرة في الطلب على العقارات، رغم الأحداث السياسية والأمنية التي تشهدها مصر، نتيجة لاعتبار المصريين أن العقار هو الملاذ الآمن لاستثمار أموالهم والحفاظ عليها من التضخم.
وأضاف أن العقار المصري هو الوحيد في العالم الذي لم يشهد أي انخفاض منذ السبعينات وحتى الآن، مؤكداً أنه في ارتفاع مستمر، وكل عام يرتفع السعر بمتوسط لا يقل عن 15%.
ولفت النظر إلى أن أسعار العقارات والمساكن هذا العام ارتفعت بشكل كبير جداً، مستشهداً بإلغاء الحكومة مؤخراً مزايدة على بيع بعض قطع الأراضي التي تم سحبها في مدينتي اكتوبر وزايد لعدم الجدية في تنفيذ الوحدات السكنية، وإعادة طرحها مرة أخرى، حيث أشعل السماسرة والتجار أسعار الأراضي لدرجة أن سعر المتر راوح ما بين 4 و 5 آلاف جنيه، مقارنة بسعر لم يتعد الـ1200 جنيه منذ عام. وهذا الواقع، دفع الحكومة إلى إلغاء المزايدة حتى لا يتسبب ذلك في إشعال الأسعار بتلك المناطق.
وأردف عوض أن أسعار الأراضي شهدت ارتفاعات كبيرة في مدينة 6 أكتوبر، إذ كان سعر المتر المربع منذ 15 عاماً يراوح بين 18 و25 جنيهاً، وأصبح حالياً يراوح ما بين 2000 إلى 3500 جنيه، وفي مدينة الشيخ زايد ارتفع من 7 جنيهات عام 1980 إلى أكثر من 2500 جنيه حالياً.
قطاع متكامل
بدوره، قال رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية حسين جمعة، إن النشاط العقاري قاطرة للعديد من الصناعات والأنشطة بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث يرتبط به نحو 100 صناعة مثل الاسمنت والحديد والرخام والسيراميك والمحاجر والأدوات الصحية والأجهزة الكهربائية والأخشاب وغيرها من الأعمال والمهن.
وأضاف جمعة لـ"العربي الجديد" أن السوق المصرية كبيرة جداً، حيث يوجد حوالى 880 ألف حالة زواج في العام تحتاج إلى توفير مسكن، وهو الأمر الذي يعد فرصة كبيرة لرواج السوق العقارية في مصر.
وأشار جمعة إلى أن ارتفاع أسعار مدخلات البناء خلال الأشهر الماضية أدى إلى ارتفاع أسعار العقارت، لافتاً النظر إلى أن أكثر من 60% من المباني القائمة حالياً من دون تراخيص، وأن أغلبها تم بناؤه بدون مراعاة للمواصفات نتيجة حالة الانفلات الأمني وغياب الرقابة وتفشي العشوائية، ما أدى إلى انهيار عدد كبير من العقارات.
وطالب جمعة بضرورة بإنشاء هيئة عليا للثروة العقارية تعمل على حصر المباني وتعديل القوانين وفض الاشتباكات بين الوزارات المختلفة التى يتشتت بينها المستثمر في السوق العقارية.
وكانت دراسة أعدّتها شركة الأوراق المالية الكبري «يونيفرسال» عن سوق العقارات المصرية قد أشارت إلى أن هناك زيادة في عرض الوحدات السكنية الفاخرة مرتفعة الأسعار ونقصاً شديداً في الوحدات الاقتصادية ومتوسطة المستوى.
وأشارت الدراسة إلى أن الإنفاق الاستثماري على العقارات في مصر خلال التسعينات بلغ نحو 130 مليار جنيه معظمه ذهب لوحدات سكنية وتجارية وإدارية فاخرة، وهناك جانب رئيسي منها مازال شاغراً، في حين أن الوحدات الاقتصادية والمتوسطة تتركز في المجتمعات العمرانية الجيدة ومعظمها لا يلقى إقبالاً لعدم توافر الخدمات الأساسية، حيث يصل عدد الوحدات الشاغرة من هذا النوع إلى مليون وحدة سكنية.