ومن خلال قراءة تعليقات النسوة لم يمر بي سوى اسمين من أصول عربية أو ربما ثلاثة على أقصى تقدير. شعرت بالاغتراب وكأني ارتحلت إلى دولة لاتينية، أو كأنما يحضر أمامي تتر لطاقم ممثلين في عمل مكسيكي، أغلبها بُني من حرفين إلى ثلاثة أحرف مع نهاية ممطوطة وإيقاع درامي. كنت أقرأ التعليقات بصوت مسموع، وما كدت أنتهي إلا وشعرت بخدر في فكّي.
ذكّرني هذا الأمر ببرنامج إذاعي شهير يبث من دبي لنطاق عربي واسع ويسمع على مدار الساعة لجمهور عريض. البرنامج الإذاعي لا يختلف عن أي برنامج مماثل فِكْرَتُه تقوم على امتهان فنّ هدر الوقت على اللاشيء و"طقّ الحنك"، ولِصِيتِهِ الشهير أدرت المذياع علّني أقتنص فائدة ومبرراً لحظوته بين الناس. يتصل بالمذيعة شاب متحدث بلكنة خليجية وتسأله عن اسمه، يجيبها اسمي طارق، ترد عليه مباشرة "شو طارئ ما طارئ، أنا بَدّي سميك باتريك، اسم مزوء وحلو!" ويدخل الاثنان في موجة عارمة من الضحك والتندر على هذا الطارق وينسجان سوية مغامرات حول الاسم الجديد، ويبدو أن هذا الحوار هو جزء من طبيعة الترفيه الإذاعي الحديث.
ومن بعد طارق، يتصل بدر ليتحوّل اسمه عند نهاية المهاتفة إلى "بيدرو"، فـ "بيدرو" اسم جميل وإيقاعه عصريّ ويليق بالجيل الجديد. لم تكن مريبةً فكرةُ هذا الطرح من الجهة الإذاعية بقدر ما كان مفاجئًا إقبالُ المتصلين الكثيفُ على هذا البرنامج وترحابهم بأسمائهم الجديدة كلعبة ممتعة عبر الأثير. ومع انتهاء البرنامج، حصل كل شخص على اسم جديد، وحصلتْ جميع الأمهات على قائمة طويلة من الأسماء المقترحة للجيل القادم، لا أولها تاكي ولا آخرها مايكل.
بطبيعة الحال، يبحث الإنسانُ عن التميز وعمّا هو خلاف السائد في المجتمع، لكنّ الاسمَ بالنهاية هو صورة وهوية وتعريف لكينونة كل إنسان. من حقّ الطفل على والديه أن يُسمى باسم ذي دلالة يُكرم به ولا يهان، ولا أدري لِمَ يأتي صدى الأسماء العربية ثقيلًا على مسامعنا في حين تنتشر الأسماء العربية في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا مثلًا، وتلقى رواجًا كبيرًا لما يتتبعه المقيمون فيها من جذورهم التاريخية، وإن كانوا غير مسلمين. هذا ما نلحظه كذلك في محاولات الشرق الأقصى المتعطشة للوصل عبر أسماء مميزة، تعكس أصالة وهوية وتوق أبنائهم، أسماء من قبيل نور عائشة، نور الشاذلينا، فرحانة المنى ورابعة العدوية وغيرها.
يباغتنا السؤال دائمًا عن مشكلتنا مع الأسماء العربية ولِمَ لَمْ نعد نسمع لها إيقاعا رنانا. هل توحي هذه الأسماء بخلفية غير حضارية تجبرنا على السعي الحثيث إلى الانسلاخ أم أن اغتراب الأسماء مُغْرٍ لا لشيء سوى حب الاختلاف. لستُ شخصًا رجعيًا، وأتفهّم أن لكل زمان أسماءه، أحب أن أواكب وأتعلم وأبحث عن الجديد بالطبع، كما أحب أن يحتفظ أبنائي بأسماء فريدة في محيطهم، لكنْ يبقى لديّ انطباع تشكّل مع تكرار المسألة، مفاده أننا مقبلون على جيل جديد سنشعر بالإعاقة عند نطق أسمائه.
(فلسطين)