في كلّ الولايات التركيّة أماكن وتسهيلات للأشخاص ذوي الإعاقة. الحافلات العامة مجهّزة بباب خلفي للكراسيّ المتحركة. وينسحب الأمر على المؤسسات والشركات، وقد أعلن مجلس العمل التركي العام الماضي مشروعا يدعم الأشخاص ذوي الإعاقة لتأسيس أعمال صغيرة يستطيعون العيش منها، وتقديم منحة مالية بنحو 12 ألف دولار.
وتتسابق قطاعات عديدة في تركيا لتقديم خدمات لذوي الإعاقة، كان آخرهم الحلاق في مقاطعة دوزجة شمال غرب تركيا، الذي وضع نظاما هيدروليكيا في محله لمساعدة ذوي الإعاقة على الحلاقة من دون الحاجة للانتقال من الكرسيّ المتحرّك. ويصف المقعد مراد تلكي الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة في بلاده بـ "الجيدة"، مطالباً بتخصيص أجر لمن هم دون الستين. يضيف: "عمري 46 عاماً. وبعد 4 سنوات أحصل على راتب تقاعدي يصل إلى نحو 1600 ليرة تركية (نحو 300 دولار)".
من جهته، يقول بائع الليمون الذي يتنقّل بين بازارات مدينة إسطنبول تلكي، لـ "العربي الجديد": "هناك خصوصيّة للأشخاص ذوي الإعاقة في تركيا. هنا، قلما تجد تركياً مقعداً يستدرّ عطف الناس. نحن نعمل ولا نتسوّل، ولا نتعرض إلى مواقف محرجة في المؤسسات الحكومية".
وفي تركيا، بحسب مصادر رسميّة، نحو 513 ألف معوّق. وتعتمد الدولة مجموعة من الأنظمة والقوانين الخاصة لتحسين حياتهم ودمجهم في المجتمع. كما أن النقل مؤمّن مجاناً لهم، إضافة إلى فرص عمل من خلال وكالة توظيف حكومية، وقروض لأصحاب المشاريع، خصوصاً تلك التي تؤمّن فرص عمل جماعية لذوي الإعاقة. وزادت تركيا دعمها لميزانية الأشخاص ذوي الإعاقة من 1.5 مليار ليرة تركية (280 مليون دولار أميركي) بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة نهاية عام 2002، إلى 38 مليار ليرة تركية (7 مليارات و78 مليون دولار أميركي) العام الجاري.
ويرى رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول رجب شان تورك، أن تركيا لا تقبل أن يعيش الأشخاص ذوو الإعاقة في المنزل، أو أن تشكّل إعاقتهم ألماً لهم أو لعائلاتهم. لذلك، أصدرت العديد من القوانين وأمّنت لهم الدعم المالي والنفسي من خلال أكثر من 97 مركزاً لإعادة التأهيل. يضيف لـ "العربي الجديد": "تركيا تقدّم الخدمات لما يزيد عن 500 ألف شخص من ذوي الإعاقة".
ويشير شان تورك إلى أن بلاده أصدرت أول قانون خاص بالأشخاص ذوي الإعاقة عام 2005، ثم عام 2009. واستمرّ الأمر وصولاً إلى التعديلات الدستورية التي شهدتها تركيا العام الماضي، حين تحول النظام فيها إلى رئاسي. وحول ما تقدمه تلك القوانين، يوضح: "تُصرف مبالغ شهرية لعائلات الأشخاص ذوي الإعاقة في حال كانوا يتولون رعايتهم. وإن لم يكن هذا هو الحال، فهناك مراكز متخصصة في تركيا لذوي الإعاقة والمسنين. وتقدم الدولة كلّ ما يحتاجون إليه من رعاية جسدية وتأهيل فكري ونفسي، حتى لا يبقى هؤلاء خارج المجتمع، بل يجب دمجهم والبحث عن مواهبهم". ويتابع أن العديد من المتميّزين في تركيا هم من ذوي الإعاقة في مختلف الصعد العلمية والرياضية والإبداعية. كذلك، فإن تركيا، بحسب شان تورك، تتكفّل بتوظيف القادرين منهم على العمل. خلال العام الماضي، عام تحدي الإعاقة كما أطلقت عليه، وُظّف 5 آلاف تركي ليبلغ عدد العاملين من ذوي الإعاقة في مراكز الدولة نحو 50 ألفاً، لافتاً إلى أن القطاع الخاص قلّما يلحظ هذا الأمر.
وأخيراً، بدأ بعض رجال الأعمال فتح مدارس وإنشاء مراكز رعاية وتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة. كما تقدم الحكومة حوافز للشركات التي تستعين بأشخاص من ذوي الإعاقة منذ عام 2014. وتحصل الشركات التي تخلق فرص عمل للأشخاص ذوي الإعاقة، على قروض وحوافز ضريبية مجانية وغيرها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد افتتح الشهر الماضي في إسطنبول أكبر مدرسة غير حكومية للأشخاص ذوي الإعاقة، بتمويل من جمعية "ليماك"، وتستوعب 300 تلميذ. وتضم المدرسة 27 فصلاً للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وقد بنيت على مساحة 5000 متر مربع. كما تستخدم المدرسة كمركز تدريب لتكوين مدرّسين متخصّصين.
تجدر الإشارة إلى أنّ تركيا افتتحت في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، خلال اليوم العالمي للأشخاص ذوي الاعاقة الذي أعلنته الأمم المتحدة منذ عام 1993 "قصر ذوي الاعاقة"، ليكون أكبر صرح يُعنى بذوي الإعاقة في تركيا على مساحة تبلغ 16 ألفاً و500 متر مربع في منطقة أفجلار في إسطنبول. ويوفر القصر مكاناً لتعليم ورعاية نحو ألف و200 شخص من ذوي الإعاقة الجسدية والذهنية، ويُعدّ بوابتهم للانطلاق إلى المجتمع وضمان مشاركتهم الكاملة على قدم المساواة في فضاء لا يميزهم عن الآخرين. ويستقبل القصر ذوي الاعاقة من أي جنسية.