الأطفال
أفكر في الأطفال كثيراً.. بالطريقة التي يفكرون بها ويتوقعون من خلالها حدوث الأشياء، أتمعن عفويتهم السليطة وإحساسهم بفرحهم وحزنهم، بمكرهم الخالي من جوهر العنف وغير الخالي من الأذية لكونهم بشراً، الأطفال بارعون في إيقاع أقرانهم في مآزق تتواءم مع عالمهم، وعالمهم ليس بالصغير، عالمهم ممتلئ غيرة وحسداً شقيين ناعمين.
يمتلك الأطفال قدرة خاصة على الإقناع عندما يتعلق الأمر بأشياء يؤمنون بها، ومن هذا الجانب هم يشبهون النساء، إذ لديهم نفس القدرة على الإخضاع. إن الاستثمار العاطفي لدى الأولاد والنساء يصل إلى قمة مستواه ونفوذه في أوقات الحاجة إلى الكسب وزيادة الغلة.
ليس كل الأطفال طيبين! وقدرتنا على مسامحتهم ونسيان أخطائهم لا تعني أن ليس من بينهم لئيم وصاحب عينين شريرتين، نقابل نماذج عديدة على هذا المستوى، بالأخص عند مشاهدة المشاجرات فيما بينهم، إذ أحياناً يبلغ مستوى القسوة في الرفس وتوجيه اللكمات شكلاً يبعث على الاندهاش، بينما تحاول التدخل كي تردع أحدهم عن الاستمرار في الإفراط باللكم، في هذه الحالة أسأل نفسي لماذا لا يشفق أحدهم على الآخر عندما يرى الهزيمة في وجه خصمه وعينيه، ومن ثم أدرك أنه لن يرحمه فالنيل منه أمام الآخرين يعتبر صيتاً جيداً كما أنه يمنحه شعوراً لذيذاً بالانتصار.
نحن نعشق ونفتقد عالم الطفولة لأنه صدى وعالم ذكريات، عالم قلة القدرة وعدم أخذ المشاريع الشخصية على محمل الجد، إنه عالم التفاصيل الوردية. بالفعل الحياة أيامها كانت مزحة، أجواء الطفولة بريئة ونظرتنا إلى الصبية بكونهم لا يملكون القدرة على الأذية الكاملة تعزز من براءتهم.
أحب أن أكون لافتاً لهم، يعجبني أن يحدق أحدهم فيّ محاولاً التفكير في لحظة محددة. عندما يفعلها أحدهم ويجعلني أشعر بذلك سرعان ما ينتابني إحساس بالاعتراف والامتنان وببهجة صامتة لذيذة، في أجوائنا نحن الناضجين تبدو عقد النقص وأزمة الشعور بالذنب العامل المتحكم والأكثر احتمالية في طريقة تفكيرنا وفي نظرتنا إلى الأشياء، أما عند الأطفال فإن ثمة أشياء أخرى غير عقد النقص تغزو نظرتهم للأشياء ومن هذه النقطة بالتحديد تظهر البراءة التي نحبها فيهم.
براءة الطفولة لا تظهر عبر سلوكياتهم وصيحاتهم وحسب، وإنما أيضاً من خلال بهجتهم التي يحتفظون بها لأنفسهم ولا يخبرون أحداً بها عندما يهز مشاعرهم شيء ما. جيلنا على الأغلب عاطفي ولديه إحساس متفاقم بالشفقة، وقد تعلم أن يكون رومانسياً من خلال مسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة الدرامية المتعلقة بالأطفال في الثمانينيات، تلك التي جعلت لنا ذاكرة نفتخر بها كأطفال فنيين بعيدين بعيدين وحسب.
صبية اليوم واقعيون وواثقون من أنفسهم، وهذا أهم ما يميز هذا الجيل مقارنة مع جيلنا، وفي الوقت ذاته لديهم القدرة على التحايل مثل الكبار. اليوم، أحدث طفلاً في العاشرة وكأني أكلم رجلاً في الثلاثين، هو لا يخشاك، وإنما يحدثك كالند للند. أنا مسرور لأجلهم.