أكثر ما يخشاه الألمان مع توافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، هو بناء مجتمعات موازية شبيهة بما حدث سابقاً عندما استقدمت ألمانيا أتراكاً كيد عاملة. هؤلاء الأخيرون عمدوا إلى التكتل وأقاموا مجتمعات منفصلة عن المجتمع الألماني، الأمر الذي أدّى إلى انعدام فرص اندماجهم وجعل الجيل الثاني منهم يبذل جهداً مضاعفاً بهدف الاندماج.
تقتضي خطط الاندماج اليوم أن يكون منزل اللاجئ الجديد في بناء يقطنه ألمان وليس في أبنية خاصة معزولة عن المجتمع. تقول تينا ووظيفتها البحث عن منازل مناسبة للأسر السورية التي تستقرّ في منطقتها، "أحاول قدر الإمكان جلب عروض متنوّعة. الأمر ليس سهلاً دائماً، خصوصاً مع رفض بعض أصحاب البيوت تأجير اللاجئين". وتعيد أسباب ذلك الرفض إلى "ما يشاع عن الأجانب بأنّهم لا يلتزمون بمواعيد النوم ولا يحترمون الهدوء المتعارف عليه في ألمانيا. كذلك، تصدر من مطابخ مساكنهم روائح طبخ قوية وغريبة، وهم يتركون أحذيتهم في الخارج بطريقة غير منظمة، بالإضافة إلى أصوات الموسيقى والشجار المستمر".
في سياق متصل، تخبر أوتا وهي ناشطة في مجال مساعدة اللاجئين، أنّها اهتمت لأمر عائلة سورية مؤلفة من رجل وزوجته وثلاث فتيات. تقول: "سعيت إلى العثور على منزل في بناء يشغله ألمان، ونجحت. من جهته، فرض صاحب المنزل مجموعة شروط حول الحفاظ على الهدوء والنظافة. أوضحتها للعائلة، فالتزمت بها". تقول ربّة المنزل السورية: "تواصلنا مع جيراننا وبدأنا نبني علاقات طيّبة معهم. أخبرونا عن خشيتهم في البداية، لكنّ الأمور اليوم رائعة، وزوجي يعمل مع الرجال في حديقة البناء. يقولون له إنّهم لم يظنّوا في يوم أن يحدث هذا التقارب".
ويعبّر كثيرون عن تفضيلهم السكن بعيداً عن لاجئين سوريين آخرين. عند سؤالهم عن السبب، تأتي الأجوبة متنوّعة من قبيل: "نريد الاندماج وبناء علاقات مع الألمان. وسكننا إلى جانب سوريين، سوف يقلل من فرص ذلك". أيضاً، يقول البعض: "سمعنا كثيراً أنّ الأغراب غير محبوبين، فأردنا الابتعاد عن هذه السمعة وبناء سمعة خاصة بنا". أمّا آخرون، فلفتوا إلى أنّه "خلال فترة الانتظار للحصول على إقامة، عشنا أياماً عصيبة مع لاجئين وطالبي لجوء من جنسيات مختلفة. لذا لا نريد أن نتجاور معهم". من جهة أخرى، يرغب سوريون كثر في العيش بحريّة لطالما حلموا بها، بعيداً عن عيون تراقبهم وأشخاص يعدّون لهم أخطاءهم أو يريدونهم أن يتمسّكوا بأمور يرفضونها.
تجدر الإشارة إلى أنّ مدناً كثيرة لا تملك سياسة حقيقية في توزيع اللاجئين، وتعمد إلى تكديسهم في شقق متقاربة ومعزولة تقريباً عن شقق الألمان ومنازلهم. وهذا ما يؤدّي تلقائياً إلى عدم قدرة اللاجئ على بناء جسور تواصل مع المواطن الألماني. وتقول لورا وهي عاملة اجتماعية في مدينة فايمار، إنّه "من غير المقبول أن تجمع الحكومة كلّ اللاجئين وطالبي اللجوء من مختلف الجنسيات بالإضافة إلى الألمان العاطلين من العمل في مكان واحد، يكون في الغالب بعيداً عن المدينة وتنقصه الخدمات الجيدة، وتطالبهم بعدها بالاندماج. سياسة إسكان مماثلة تعوّق عملية الاندماج".
من جهة أخرى، يميل عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى التجمّع بعضهم مع بعض في هذه المدينة أو تلك، وكذلك في شوارع معيّنة مثل "شارع العرب" في برلين الذي تُثار حوله تساؤلات كثيرة. فهو يقدّم نموذجاً سيئاً لعدم الاندماج وانغلاق الجالية العربية. يُذكر أنّ العربي الذي يقطن هناك، لا يحتاج إلى تعلّم الألمانية في الأساس، إذ إنّ المطاعم عربية وأصحاب البيوت من العرب. لكنّ هذا الشارع يعيش حالة من الفوضى وعدم الانتظام تقدّم صورة مسيئة تعرقل حكماً الاندماج. وثمّة شوارع أخرى مماثلة في كلّ ألمانيا تثير مخاوف حقيقية لدى المعنيين ولدى الألمان عموماً وكذلك لدى العرب الذين يهتمّون بنقل صورة طيبة عن الجالية بدلاً من تلك النمطية المسيئة. وهذا الأمر يدفع أيضاً في اتجاه الخلاف بين أبناء الجالية نفسها.
إلى ذلك، السوريون الذين يستقرّون في مدن صغيرة أو قرى بعيدة، يُجبَرون على السكن في مناطق ذات أغلبية ألمانية، الأمر الذي يجعل احتمالات بناء مجتمعات خاصة بهم قليلة. رامز على سبيل المثال، أب لطفلين يقطن في قرية صغيرة في تورنغن. يقول: "أخافوني كثيراً من المنطقة وقيل لي إنّ النازيين هم الغالبون فيها، وإنّهم سوف يتعرّضون لك ولعائلتك. لكنّ ذلك لم يحدث، وأنا مرتاح مع زوجتي وولدَيّ". يضيف: "قد نتعرّض لبعض المواقف، لكنّنا سبق وتعرّضنا لمواقف ليست بجيّدة من قبل سوريين. في كل شعب، ثمّة صالح وثمّة طالح. وبيننا متعصّبون ليسوا بأفضل من الألمان المتعصّبين".