01 سبتمبر 2019
الأنانية بنت الطموح!
يعتبر من متطلبات التخرج في الجامعات العراقية وغيرها من جامعات العالم تقديم بحث في أحد المواضيع التي درسها الطالب، وكنت قد أتممت بحثي مبكراً وناقشته، في هذه الفترة بالتحديد يتأخر كثيرٌ من الطلاب لأن كثيراً منهم ليس لديه اطلاع في كيفية كتابة البحث، وفِي أثناء هذا اتصل بي أحد الأصدقاء، قال: أحتاج بحثك، لأني ربما لا أستطيع إكمال بحثي، وكان في جامعة ثانية، فالتخصص والمكان مختلفان، قلت: ما الضير؟ تعال يا سيدي، وخذ البحث، وارفع اسمي وضع اسمك عليه، فالدنيا لن تتوقف على بحثي ولن تقوم الساعة، وما الحياة إلا مواقف يقدمها بَعضُنَا للآخر.
للوهلة الاولى عندما تقرأ عنوان المقال تظن أنه يدعو للأنانية، بمفهومها السائد، ألا وهي احتكار الأشياء للنفس، رغم أن في اللغة العربية يوجد الإيثار والأَثَرة، ولا توجد الأنانية، على كل حال، الأنانية السلبية أن تحتكر الأشياء لنفسك، أو تمنع الخير عن غيرك، ولا تقدم مساعدة لأحدٍ بأي صورة من الصور، فهذه لا نعنيها بمقالنا، لا من قريب ولا بعيد.
يحدثني أحد الأصدقاء عن رحلته الطويلة في الحياة، وعن الرحلات التي خاضها في بلدان وعواصم مختلفة في العالم، تأتيه الدعوات من كل حدب وصوب، يذهب إليها فيحتفي به الناس، ويقدمونه على غيره لما يملك من خبرات في مجال عمله، فكل مكان يقصده، يعرضون عليه البقاء مع فرصة عمل، وإقامة لزوجته وأولاده، كان يقطع رحلاته في كل مرة عائداً إلى بلده، ففيه الأهل والجيران والأحباب، وفِي كل عودة كان يفوت على نفسه فرصة من فرص الحياة التي لن تعود، وقال لي: كنت عازما على الإقامة في أحد البلدان، قطعت زيارتي بسبب مرض ألمّ بوالدي، وعدت لكي أكون بجانبه، وخلال أشهر توفي والدي، وبعدها تلاشت الفكرة وبقيت حبيس بلدي الذي فرض عليه الحصار، وأصبح الخروج منه شبه مستحيل، أو الخروج يكلف الإنسان أموالاً طائلة لا قبل للإنسان بها.
تمضي الأيام والأسابيع والشهور والسنون العجاف رغم صعوبتها في ظل حصار خانق على البلاد، حصار فرضته الدول العظمى على بلادنا بسبب سوء سياسة النظام الدولي في التعامل، فسيئات النظام السياسي وتهوره يدفع ضريبتها المواطن الذي لا حول له ولا قوة، وصديقي واحد من ملايين جلس في البلاد جلوس المضطر لا المختار..
وكم تغدو البلاد جحيماً حينما ترغمك على المكوث فيها رغماً عن إرادتك، ولكن دوام الحال من المحال، والظلم مهما طال فهو إلى زوال، وحدث ما لم يكن في الحسبان، سقط العراق في يد الاحتلال الأميركي، ودخلتِ البلاد في دوامة جديدة، انفك الحصار ودخل البلد في متاهة جديدة متمثلة بأنظمة سياسية سيئة جعلت من النظام السابق النموذج الأمثل مقارنة بالواقع الحالي، حكومات متعاقبة وسنوات عجاف، يبزغ حلم صاحبي ويخفت، يعمل في مواهبه المتعددة، يحصل على الوظيفة بعد أن كان يكرهها، تأتيه وهو في منتصف العمر، يعمل في الإعلام وفِي الفن وغيرها، وكلها أعمال في بلد مضطرب خطيرة جداً، لا سيما أن جماعات مسلحة تتبنى حرمة هذه الأعمال، وتقتل من يعمل بها ويتبناها..
تستمر الحياة والعمل في المخاطر، مقدما مصلحة مكوثه مع أهله وإخوته على حساب نفسه المحدق بها الخطر من كل جانب، "يبقى الشقا على من بقى" كما هو متداول في أمثالنا الشعبية، وفجأة نغدو تحت رحمة أعتى تنظيم عرفه القرن الواحد والعشرين، تنظيم داعش..
وهنا لم يكن المكوث والبقاء سوى الموت، لكنه يبقى لأجل والدته الكبيرة في السن، فهو مقيم بقربها، يعينها على نوائب الدهر وصروفه، ولكن التفكير بالعقلية الجمعية في هذه الحالات مهلكة، والتضحية هنا بالنفس، كان الأجدر إن لم يكن أنانياً يفكر بنفسه، أن ينصحه أهله وأقرباؤه بالخروج، فالموت قاب قوسين من أن يصله.
ولكن يا للأسف، يظن المضحي دائما أن كل الناس بعقليته، لا أحد على ما يبدو سيمد يد العون، فقد خرج الأخ الأصغر من المدينة، ليبقى في لجة من أمره، هنا أفاق صاحبي من غفلته، ووجد أن النجاة في الأنانية، أن تقدم مصلحة نفسك التي بين جنبيك على كل ما سواها، لقد ترك فرصاً كثيرة، وفوت على نفسه أعمالاً عظيمة، ربما اختصرت له الطريق، وتأخر بينما تقدم آخرون، وأصبح لغيره المجد والسؤدد رغم أنه فاق أقرانه!
الانأنية الإيجابية
ونحن في واقعنا لا نختلف كثيراً، لنا قصص مشابهة أو قريبة من هذه القصة، كم مؤسسة أو شركة استغلت إمكاناتك من دون أي مقابل، تحصل أنت على العدم، وتغدو الشركة في القمة على أكتافك، لا تقدم شيئاً بالمجان، ولا تضحي لأجل الآخرين في حين نفسك على وشك أن تفنى أو تصلب..
كن على قناعة تامة أن الأنانية هنا إيجابية وليست سلبية، فكم ذهب شباب ضحايا لمشاريع زائفة فدوها بأنفسهم وقبض الآخرون الثمن، ولا تنخدع كثيراً بالعناوين والشعارات الرنانة، فكثيرٌ منها خاوية صنعت لأجل التكسب، اعمل معها لأجل الكسب لا بأس، وما عداه لا تفعل، ولا تتقدم، يكفيك تجربة واحدة، تتعلم منها الدرس وتتفقهه.
الأنانية السلبية
أن تكون قادراً على العطاء ولا تعطي، وبإمكانك تسهيل الأمور كما سهلتها لنفسك، أن تحتكر لنفسك ما ينفع الآخرين ولا يضرك في نفس الوقت، أن تقول للناس من هنا الطريق، أن تخبرهم أن الخطر قادم وأن البقاء ضريبته مكلفة، أن تعطي تجاربك للآخرين فتقلل الخسائر عليهم، في مؤسستك التي تعطيك وتنفق عليك، أو التي توظفت بها من قريب، ابذل كثيرا فالنتائج ستأتيك، أن تقدم النصيحة لأهلك وإخوانك تحول لهم حياتك إلى سلسلة أفكار يستفيدون منها، ولا تحتكر علماً ولا خبرة.
في النهاية: طموحك خط أحمر كن أنانياً لأجله، اسعَ له، وواصل الليل بالنهار، واجعله دائماً نصب عينيك، فأنت ستحمل الشقا عمن بقى، وإذا بقيت فأنت الهالك، سيرتفعون هم وتبقى أنت تراوح بمكانك، وربما ينقضّون يوماً على طموحاتك فيردونها أرضاً، فتهلك ويهلك من معك.
للوهلة الاولى عندما تقرأ عنوان المقال تظن أنه يدعو للأنانية، بمفهومها السائد، ألا وهي احتكار الأشياء للنفس، رغم أن في اللغة العربية يوجد الإيثار والأَثَرة، ولا توجد الأنانية، على كل حال، الأنانية السلبية أن تحتكر الأشياء لنفسك، أو تمنع الخير عن غيرك، ولا تقدم مساعدة لأحدٍ بأي صورة من الصور، فهذه لا نعنيها بمقالنا، لا من قريب ولا بعيد.
يحدثني أحد الأصدقاء عن رحلته الطويلة في الحياة، وعن الرحلات التي خاضها في بلدان وعواصم مختلفة في العالم، تأتيه الدعوات من كل حدب وصوب، يذهب إليها فيحتفي به الناس، ويقدمونه على غيره لما يملك من خبرات في مجال عمله، فكل مكان يقصده، يعرضون عليه البقاء مع فرصة عمل، وإقامة لزوجته وأولاده، كان يقطع رحلاته في كل مرة عائداً إلى بلده، ففيه الأهل والجيران والأحباب، وفِي كل عودة كان يفوت على نفسه فرصة من فرص الحياة التي لن تعود، وقال لي: كنت عازما على الإقامة في أحد البلدان، قطعت زيارتي بسبب مرض ألمّ بوالدي، وعدت لكي أكون بجانبه، وخلال أشهر توفي والدي، وبعدها تلاشت الفكرة وبقيت حبيس بلدي الذي فرض عليه الحصار، وأصبح الخروج منه شبه مستحيل، أو الخروج يكلف الإنسان أموالاً طائلة لا قبل للإنسان بها.
تمضي الأيام والأسابيع والشهور والسنون العجاف رغم صعوبتها في ظل حصار خانق على البلاد، حصار فرضته الدول العظمى على بلادنا بسبب سوء سياسة النظام الدولي في التعامل، فسيئات النظام السياسي وتهوره يدفع ضريبتها المواطن الذي لا حول له ولا قوة، وصديقي واحد من ملايين جلس في البلاد جلوس المضطر لا المختار..
وكم تغدو البلاد جحيماً حينما ترغمك على المكوث فيها رغماً عن إرادتك، ولكن دوام الحال من المحال، والظلم مهما طال فهو إلى زوال، وحدث ما لم يكن في الحسبان، سقط العراق في يد الاحتلال الأميركي، ودخلتِ البلاد في دوامة جديدة، انفك الحصار ودخل البلد في متاهة جديدة متمثلة بأنظمة سياسية سيئة جعلت من النظام السابق النموذج الأمثل مقارنة بالواقع الحالي، حكومات متعاقبة وسنوات عجاف، يبزغ حلم صاحبي ويخفت، يعمل في مواهبه المتعددة، يحصل على الوظيفة بعد أن كان يكرهها، تأتيه وهو في منتصف العمر، يعمل في الإعلام وفِي الفن وغيرها، وكلها أعمال في بلد مضطرب خطيرة جداً، لا سيما أن جماعات مسلحة تتبنى حرمة هذه الأعمال، وتقتل من يعمل بها ويتبناها..
تستمر الحياة والعمل في المخاطر، مقدما مصلحة مكوثه مع أهله وإخوته على حساب نفسه المحدق بها الخطر من كل جانب، "يبقى الشقا على من بقى" كما هو متداول في أمثالنا الشعبية، وفجأة نغدو تحت رحمة أعتى تنظيم عرفه القرن الواحد والعشرين، تنظيم داعش..
وهنا لم يكن المكوث والبقاء سوى الموت، لكنه يبقى لأجل والدته الكبيرة في السن، فهو مقيم بقربها، يعينها على نوائب الدهر وصروفه، ولكن التفكير بالعقلية الجمعية في هذه الحالات مهلكة، والتضحية هنا بالنفس، كان الأجدر إن لم يكن أنانياً يفكر بنفسه، أن ينصحه أهله وأقرباؤه بالخروج، فالموت قاب قوسين من أن يصله.
ولكن يا للأسف، يظن المضحي دائما أن كل الناس بعقليته، لا أحد على ما يبدو سيمد يد العون، فقد خرج الأخ الأصغر من المدينة، ليبقى في لجة من أمره، هنا أفاق صاحبي من غفلته، ووجد أن النجاة في الأنانية، أن تقدم مصلحة نفسك التي بين جنبيك على كل ما سواها، لقد ترك فرصاً كثيرة، وفوت على نفسه أعمالاً عظيمة، ربما اختصرت له الطريق، وتأخر بينما تقدم آخرون، وأصبح لغيره المجد والسؤدد رغم أنه فاق أقرانه!
الانأنية الإيجابية
ونحن في واقعنا لا نختلف كثيراً، لنا قصص مشابهة أو قريبة من هذه القصة، كم مؤسسة أو شركة استغلت إمكاناتك من دون أي مقابل، تحصل أنت على العدم، وتغدو الشركة في القمة على أكتافك، لا تقدم شيئاً بالمجان، ولا تضحي لأجل الآخرين في حين نفسك على وشك أن تفنى أو تصلب..
كن على قناعة تامة أن الأنانية هنا إيجابية وليست سلبية، فكم ذهب شباب ضحايا لمشاريع زائفة فدوها بأنفسهم وقبض الآخرون الثمن، ولا تنخدع كثيراً بالعناوين والشعارات الرنانة، فكثيرٌ منها خاوية صنعت لأجل التكسب، اعمل معها لأجل الكسب لا بأس، وما عداه لا تفعل، ولا تتقدم، يكفيك تجربة واحدة، تتعلم منها الدرس وتتفقهه.
الأنانية السلبية
أن تكون قادراً على العطاء ولا تعطي، وبإمكانك تسهيل الأمور كما سهلتها لنفسك، أن تحتكر لنفسك ما ينفع الآخرين ولا يضرك في نفس الوقت، أن تقول للناس من هنا الطريق، أن تخبرهم أن الخطر قادم وأن البقاء ضريبته مكلفة، أن تعطي تجاربك للآخرين فتقلل الخسائر عليهم، في مؤسستك التي تعطيك وتنفق عليك، أو التي توظفت بها من قريب، ابذل كثيرا فالنتائج ستأتيك، أن تقدم النصيحة لأهلك وإخوانك تحول لهم حياتك إلى سلسلة أفكار يستفيدون منها، ولا تحتكر علماً ولا خبرة.
في النهاية: طموحك خط أحمر كن أنانياً لأجله، اسعَ له، وواصل الليل بالنهار، واجعله دائماً نصب عينيك، فأنت ستحمل الشقا عمن بقى، وإذا بقيت فأنت الهالك، سيرتفعون هم وتبقى أنت تراوح بمكانك، وربما ينقضّون يوماً على طموحاتك فيردونها أرضاً، فتهلك ويهلك من معك.