بعد مرور عدة شهور على تركنا لجدي في الملجأ، لأنه كان يتبول في سريره كل والوقت وكانت تفوح منه رائحة نتانة خنزير. حدث أن طرد أبي من محطة الوقود حيث كان يعمل. وتصادف طرده بخروج ليتا من البيت في تلك الأيام إذ ذهبت للعيش في مكان لا أتذكره الآن.
عشنا في هناء لعدة شهور لكن حين نفد المال الذي كان بحوزة أبي توجهنا إلى الملجأ لنعيد جدي الذي كانت ما تزال تفوح منه رائحة نتانة قبو خمر. كان معاش جدي يا صديقي الراتب الوحيد الذي يدخل بيتنا. أبي كان يبحث عن عمل ببلادة في حقول الذرة وفي أي مكان يجد أمامه وأنا كنت أعتني بجدي وأخرجه للجلوس تحت ضوء الشمس كل مساء.
لكننا خسرنا كل شيء. فقد توفي جدي ذات فجر. وفي الصباح التالي وجدناه وقد أصبح جثة هامدة. التزمنا الصمت أنا وأبي وتبادلنا النظرات فقط. بعدها قال أبي: بدونه أنا وأنت أصبحنا في عداد الأموات.
لهذا كان علينا دفنه سرا تلك الليلة حيث معاقل الجراد، ذلك أن تلك الغابة لا يمر منها أي كائن حي ولا حتى أبناء آوى.
بعد مرور بضعة أيام، تفطنا ونحن نجلس في البيت إلى أننا لا نتوافر بالكاد على إبهامه لكي نستطيع التوقيع على استلام معاشه الشهري. ولذا قصدنا مكان الدفن لإخراج الجثة وقطع إبهام جدي، الذي على الأرجح كان ما يزال بحال جيدة، لكن حالما وصلنا يا صديقي وجدنا تراب الأرض مقلوبا.
ظننا في البداية أن أبناء آوى هم من قام بذلك لكن الأمر لم يكن كذلك. المسؤولون عن هذا الأمر لم يكونوا سوى أوغاد آخرين لأننا اكتشفنا بفزع أنهم سبقونا وقطعوا إبهام كلتا يديه. وهناك تركناه كي تكمل أكله أبناء آوى.
* Manuel Moya شاعر وكاتب وناقد أدبي ومترجم إسباني من مواليد مدينة ولبة سنة 1960. من أهم أعماله المجموعة القصصية "ظل التمساح الأميركي" (2006) ورواية "الأرض السوداء" (2009).
** ترجمة عن الإسبانية: إبراهيم اليعيشي
اقرأ أيضاً: سجين رأى في منامه أنه سجين