29 نوفمبر 2022
الإرهاب عند ترامب
بسبب مقتل أحد الأميركيين السود على يد شرطي في مدينة منيابوليس بولاية مينيسوتا، بعد أن قام الأخير بخنقه بشكل وحشي، بوضع ركبته على رقبة "جورج فلويد"، ولم يأبه لاستغاثته المتكررة "لا أستطيع التنفس"، مع أنه يعرف بـ"العملاق اللطيف" جيداً، فقد اشتغلا معاً حارسي أمن لمدة طويلة، وعوض أن ينتهي الأمر عند إلقاء القبض ووضع الأصفاد وعرضه على قاضي الولاية، كما هو معتاد؛ حدث أن مات جورج تاركاً وراءه طفلته، وتهمته تقديم ورقة عشرين دولاراً مزورة لمحل طعام فاخر.
مشهد لا يحدث إلا في دول العالم الثالث التي قد يقدم الشرطي فيه على فعل كهذا دون خوف من المحاكمة، فهو محمي، وعملية الخنق قد تتحول بقدرة قادر إلى عملية دفاع عن نفس، ولو مع وجود التسجيل المصور، فالتسجيل سيتحول هو الآخر إلى فيديو مزور والمصور إلى إخواني أو باحث عن الفتنة.
وحدث في دولة عربية مشهد هو أشبه بهذا، حين قتلت الشرطة أحد المواطنين الذين رفضوا الخروج من قراهم، بعد قرار السلطات بأخذ أراضيهم من أجل مشروع "المستقبل"، ورغم انتشار فيديو يوثق فيه الضحية عملية الهدم ويتحدث فيه عن نية القوات قتل من يعترض على أمر الإخلاء، إلا أن الأمر مر بشكل عادي ولم تنشأ عنه لا احتجاجات ولا مظاهرات ولا اعتراضات، بل خرج من يبرر القتل بدعوى مخالفة ولي الأمر وما إلى ذلك من اللعك والرطن؛ باستثناء بعد التغريدات هنا وهناك.
ففي النهاية ليس أول شخص يحدثُ له ما حدث؛ وفي النهاية ليس العربي كالأميركي. عمت معظم مدن الولايات المتحدة مظاهرات منددة بعملية قتل جورج فلويد، وأغلقت الطرق واضطربت حركة السير، ودخل المحتجون في مواجهة مفتوحة مع الشرطة، التي لم تجد بداً من استعمال القوة لقمع التظاهرات؛ التي سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب ونهب للمتاجر وإحراق للسيارات، بل وشاهدنا دبابة تتجول في أحد الشوارع ولم نتأكد من كونها كما زعم البعض سُرقت من طرف شخص ما، الأمر الذي لا نراه إلا في الأفلام وألعاب الفيديو.
ولأن الأمور خرجت عن السيطرة فإن الرئيس الأميركي لم يتمالك نفسه وخرج بتصريفات شديدة اللهجة، وألقى بالوعيد والتهديد لكل المتظاهرين، بل واتهمهم (يقصد بالضبط جماعة Anatifa) بكونهم "إرهابيين".
الإرهاب؛ نعوذ بالله من الإرهاب، تخيل أنك جالس في مقهى تحتسي فنجان قهوة، وبين يديك قطع حلوى مغربية لذيذة، وصديقك يشير إلى إحداهن ويصف جمال أخرى، ويقص عليك غزواته وطلعاته في جو الحب، وأنت بين هذا وذاك منتشٍ بحب كل ما في المكان، كل شيء تحبه ويحبك، وفجأة يفجر أحدهم نفسه، تخيل معي المشهد، لا أظنك ستفعل غير أنك ستلعن يوم خرج فيه هؤلاء، وسمعنا بهم، وأنا مثلك، لو أن لي سحراً فأتجول في رأس هؤلاء الأشخاص لأعرف أي منطق هو هذا الذي يُحدث الإنسان بأن يقتل شخصاً مسالماً بريئاً، لا لشيء إلا لأنه لا يفكر كما يفكر هو، لا أعلم في الحقيقة ما الذي يجول في خاطر هؤلاء، ولكني أعلم أن الكثير من هؤلاء "ليسوا مسلمين" دائماً وإن انتسبوا إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، فالإرهاب وإن ألصق بالإسلام فإنه يتجاوز الأديان والمعتقدات، ويتعالى عن التصنيف، فهو موضوع منفصل عن كل الموضوعات، ولا زمان يحكمه ولا مكان يؤطره.
وفي هذا يقول جان بوديار في كتابه (روح الإرهاب، صفحة 16): "إرهاب ضد إرهاب - ليس هناك أيديولوجيا وراء كل هذا. ذلك أننا صرنا من الآن فصاعداً فيما وراء الأيديولوجيا أو السياسة. فالطاقة التي يغذيها الإرهاب لا يمكن لأي قضية حتى لو كانت (إسلامية) تفسيرها. إنه لم يعد يستهدف حتى تغيير العالم..".
ليس الأمر إذاً مرتبطاً بعقيدة الإسلام ولا بأي عقيدة أخرى، وليس يبغي تحقيق حلم الخلافة بقدر ما يريد اللا شيء والعدم، لقد بات يسعى لتحطيم هذا النظام القائم - بحسب بوديار - بأي وسيلة ولو بالانتحار، ولهذا يلف هذا المفهوم "الإرهاب" الكثير من الغموض.
كلمة إرهاب غامضة المقاصد غير دقيقة المعنى فقد استُعملت هذه الكلمة في الغرب منذ قرنين تقريباً، وتفيد منذ ذلك الحين كلَّ استعمال للعنف لتغيير النظام السياسي في بلد معيَّن (فتحي التريكي، مقال: من معاني الإرهاب)، ربما نربطه بالأحداث التي عرفتها فرنسا بعد صعود "روبسبير" إلى السلطة (1792-1794)، هذا فيما مضى أما اليوم فقد روج له في العالم عن طريق الولايات المتحدة الأميركية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي فالإرهاب في خيال العالم مرتبط بالطائرة والرجل المسلم الملتحي، ولا شيء آخر.
استمر الأمر في نظري إلى أن خرج علينا ترامب، فترامب وإن كان يرى في الإسلام خصماً لدوداً وأحد أهم معرقلي خططه المستقبلية، وخاصة في المشرق العربي، إلا أنه - بسذاجة ربما - أزاح عنه تهمة الإرهاب مؤقتاً، ولنقل شارك غيره فيها، وهذا في نظري أمر مهم للغاية، فلم يعد الرجل الأبيض الذي يطلق النار عشوائياً مختلاً عقلياً، لا بل أضحى إرهابياً، وهذا اللفظ استعمله ترامب حين تحدث عن حادثة نيوزيلندا، وفي نظري أن رئيساً غيره كان ليختار لفظاً آخر غير الإرهابي؛ وذلك لكون المشروع الأميركي والغربي عموماً مبنياً على تحويل المسلم إلى إرهابي، فباسم الإرهاب قصف مستشفى "الشفاء" بالسودان، وقتل الصبية حفظة القرآن في أفغانسان، وباسمه تقتل الطائرة المسيرة الأبرياء في كل من اليمن والعراق، وبتهمة الإرهاب تلاحق الدول الديكتاتورية كل المعارضين.
لقد خدم هذا اللفظ النظام القائم أيما خدمة؛ حتى استطاع أن يتجاوز الأصوات الانتخابية ويرفع من يشاء وينزل من يريد. كان لهذه الكلمة مفعول سحري على هذا العالم وعلى المسلمين خاصة، حتى جاءهم ترامب.
ترامب شخص مزاجي؛ يغضب بسرعة ويكتب في تويتر عوض البرقيات، ويتحكم في العالم بكلمات يلقيها هكذا دون أدنى تفكير، فما عهدناه يأبه للبروتكولات المعمول بها ولا يقيم للمعاني وزناً، وحين يصف ترامب المحتجين بالإرهابيين ففي نظري أنه ينتصر للمفهوم الحقيقي الذي يعود -كما قلنا- للثورة الفرنسية (1789)، والذي معناه إفزاع الآمنين وترويعهم وسفك دمائهم دون حق، وبالتالي يصيغ الرجل ويحدد ما لم تستطيع الدول تحديده؛ أقصد مفهوم الإرهاب، وانطلاقاً من هذا التعريف الذي يقدمه ترامب دون أن يشعر -ربما-، سينطبق لقب "الإرهابي" الذي هو مسجل باسم المسلم؛ على الكثيرين.
فالجنود الأميركيون الذين دمروا العراق، ومرتزقة فاغنر في سورية وليبيا؛ وكل من يُروع الناس ويسرق ثرواتهم إرهابي، وينضاف هؤلاء إلى الذي يفجر مبنى التجارة أو الذي يختبئ بين الجبال، أو ذاك الذي يحلم بإقامة خلافة دينية.
ترامب رجل متهور إلى أقصى درجة، وعنصري يكره كل ما هو عربي - إسلامي، ولكنه في نظري يلعب لعبة غير تلك التي لعبها سابقوه، لربما الظروف فرضت ذلك، المهم أنه يسلك مسلكاً غريباً خلط فيه أوراق قومه وأوراق العالم. وهذا ما جعلنا نتساءل هل يستمر ترامب في الحكم، أم أن وقته قد انتهى "Game Over"؟.
مشهد لا يحدث إلا في دول العالم الثالث التي قد يقدم الشرطي فيه على فعل كهذا دون خوف من المحاكمة، فهو محمي، وعملية الخنق قد تتحول بقدرة قادر إلى عملية دفاع عن نفس، ولو مع وجود التسجيل المصور، فالتسجيل سيتحول هو الآخر إلى فيديو مزور والمصور إلى إخواني أو باحث عن الفتنة.
وحدث في دولة عربية مشهد هو أشبه بهذا، حين قتلت الشرطة أحد المواطنين الذين رفضوا الخروج من قراهم، بعد قرار السلطات بأخذ أراضيهم من أجل مشروع "المستقبل"، ورغم انتشار فيديو يوثق فيه الضحية عملية الهدم ويتحدث فيه عن نية القوات قتل من يعترض على أمر الإخلاء، إلا أن الأمر مر بشكل عادي ولم تنشأ عنه لا احتجاجات ولا مظاهرات ولا اعتراضات، بل خرج من يبرر القتل بدعوى مخالفة ولي الأمر وما إلى ذلك من اللعك والرطن؛ باستثناء بعد التغريدات هنا وهناك.
ففي النهاية ليس أول شخص يحدثُ له ما حدث؛ وفي النهاية ليس العربي كالأميركي. عمت معظم مدن الولايات المتحدة مظاهرات منددة بعملية قتل جورج فلويد، وأغلقت الطرق واضطربت حركة السير، ودخل المحتجون في مواجهة مفتوحة مع الشرطة، التي لم تجد بداً من استعمال القوة لقمع التظاهرات؛ التي سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب ونهب للمتاجر وإحراق للسيارات، بل وشاهدنا دبابة تتجول في أحد الشوارع ولم نتأكد من كونها كما زعم البعض سُرقت من طرف شخص ما، الأمر الذي لا نراه إلا في الأفلام وألعاب الفيديو.
ولأن الأمور خرجت عن السيطرة فإن الرئيس الأميركي لم يتمالك نفسه وخرج بتصريفات شديدة اللهجة، وألقى بالوعيد والتهديد لكل المتظاهرين، بل واتهمهم (يقصد بالضبط جماعة Anatifa) بكونهم "إرهابيين".
الإرهاب؛ نعوذ بالله من الإرهاب، تخيل أنك جالس في مقهى تحتسي فنجان قهوة، وبين يديك قطع حلوى مغربية لذيذة، وصديقك يشير إلى إحداهن ويصف جمال أخرى، ويقص عليك غزواته وطلعاته في جو الحب، وأنت بين هذا وذاك منتشٍ بحب كل ما في المكان، كل شيء تحبه ويحبك، وفجأة يفجر أحدهم نفسه، تخيل معي المشهد، لا أظنك ستفعل غير أنك ستلعن يوم خرج فيه هؤلاء، وسمعنا بهم، وأنا مثلك، لو أن لي سحراً فأتجول في رأس هؤلاء الأشخاص لأعرف أي منطق هو هذا الذي يُحدث الإنسان بأن يقتل شخصاً مسالماً بريئاً، لا لشيء إلا لأنه لا يفكر كما يفكر هو، لا أعلم في الحقيقة ما الذي يجول في خاطر هؤلاء، ولكني أعلم أن الكثير من هؤلاء "ليسوا مسلمين" دائماً وإن انتسبوا إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، فالإرهاب وإن ألصق بالإسلام فإنه يتجاوز الأديان والمعتقدات، ويتعالى عن التصنيف، فهو موضوع منفصل عن كل الموضوعات، ولا زمان يحكمه ولا مكان يؤطره.
وفي هذا يقول جان بوديار في كتابه (روح الإرهاب، صفحة 16): "إرهاب ضد إرهاب - ليس هناك أيديولوجيا وراء كل هذا. ذلك أننا صرنا من الآن فصاعداً فيما وراء الأيديولوجيا أو السياسة. فالطاقة التي يغذيها الإرهاب لا يمكن لأي قضية حتى لو كانت (إسلامية) تفسيرها. إنه لم يعد يستهدف حتى تغيير العالم..".
ليس الأمر إذاً مرتبطاً بعقيدة الإسلام ولا بأي عقيدة أخرى، وليس يبغي تحقيق حلم الخلافة بقدر ما يريد اللا شيء والعدم، لقد بات يسعى لتحطيم هذا النظام القائم - بحسب بوديار - بأي وسيلة ولو بالانتحار، ولهذا يلف هذا المفهوم "الإرهاب" الكثير من الغموض.
كلمة إرهاب غامضة المقاصد غير دقيقة المعنى فقد استُعملت هذه الكلمة في الغرب منذ قرنين تقريباً، وتفيد منذ ذلك الحين كلَّ استعمال للعنف لتغيير النظام السياسي في بلد معيَّن (فتحي التريكي، مقال: من معاني الإرهاب)، ربما نربطه بالأحداث التي عرفتها فرنسا بعد صعود "روبسبير" إلى السلطة (1792-1794)، هذا فيما مضى أما اليوم فقد روج له في العالم عن طريق الولايات المتحدة الأميركية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي فالإرهاب في خيال العالم مرتبط بالطائرة والرجل المسلم الملتحي، ولا شيء آخر.
استمر الأمر في نظري إلى أن خرج علينا ترامب، فترامب وإن كان يرى في الإسلام خصماً لدوداً وأحد أهم معرقلي خططه المستقبلية، وخاصة في المشرق العربي، إلا أنه - بسذاجة ربما - أزاح عنه تهمة الإرهاب مؤقتاً، ولنقل شارك غيره فيها، وهذا في نظري أمر مهم للغاية، فلم يعد الرجل الأبيض الذي يطلق النار عشوائياً مختلاً عقلياً، لا بل أضحى إرهابياً، وهذا اللفظ استعمله ترامب حين تحدث عن حادثة نيوزيلندا، وفي نظري أن رئيساً غيره كان ليختار لفظاً آخر غير الإرهابي؛ وذلك لكون المشروع الأميركي والغربي عموماً مبنياً على تحويل المسلم إلى إرهابي، فباسم الإرهاب قصف مستشفى "الشفاء" بالسودان، وقتل الصبية حفظة القرآن في أفغانسان، وباسمه تقتل الطائرة المسيرة الأبرياء في كل من اليمن والعراق، وبتهمة الإرهاب تلاحق الدول الديكتاتورية كل المعارضين.
لقد خدم هذا اللفظ النظام القائم أيما خدمة؛ حتى استطاع أن يتجاوز الأصوات الانتخابية ويرفع من يشاء وينزل من يريد. كان لهذه الكلمة مفعول سحري على هذا العالم وعلى المسلمين خاصة، حتى جاءهم ترامب.
ترامب شخص مزاجي؛ يغضب بسرعة ويكتب في تويتر عوض البرقيات، ويتحكم في العالم بكلمات يلقيها هكذا دون أدنى تفكير، فما عهدناه يأبه للبروتكولات المعمول بها ولا يقيم للمعاني وزناً، وحين يصف ترامب المحتجين بالإرهابيين ففي نظري أنه ينتصر للمفهوم الحقيقي الذي يعود -كما قلنا- للثورة الفرنسية (1789)، والذي معناه إفزاع الآمنين وترويعهم وسفك دمائهم دون حق، وبالتالي يصيغ الرجل ويحدد ما لم تستطيع الدول تحديده؛ أقصد مفهوم الإرهاب، وانطلاقاً من هذا التعريف الذي يقدمه ترامب دون أن يشعر -ربما-، سينطبق لقب "الإرهابي" الذي هو مسجل باسم المسلم؛ على الكثيرين.
فالجنود الأميركيون الذين دمروا العراق، ومرتزقة فاغنر في سورية وليبيا؛ وكل من يُروع الناس ويسرق ثرواتهم إرهابي، وينضاف هؤلاء إلى الذي يفجر مبنى التجارة أو الذي يختبئ بين الجبال، أو ذاك الذي يحلم بإقامة خلافة دينية.
ترامب رجل متهور إلى أقصى درجة، وعنصري يكره كل ما هو عربي - إسلامي، ولكنه في نظري يلعب لعبة غير تلك التي لعبها سابقوه، لربما الظروف فرضت ذلك، المهم أنه يسلك مسلكاً غريباً خلط فيه أوراق قومه وأوراق العالم. وهذا ما جعلنا نتساءل هل يستمر ترامب في الحكم، أم أن وقته قد انتهى "Game Over"؟.