تبدد حلم الثلاثيني المصري أحمد يوسف، في امتلاك "شقة العمر" بعد عجزه عن تسديد أقساط الوحدة السكنية الحكومية التي فاز بها عبر قرعة مشروع "دار مصر"، الذي طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، ضمن استراتيجية التنمية "رؤية مصر 2030"، إذ ناهزت القيمة الإجمالية للشقة التي تبلغ مساحتها 145 متراً، نحو 600 ألف جنيه (33 ألف دولار). اضطر يوسف للتنازل عن قرار تخصيص الشقة، وسحب مبلغ 40 ألف جنيه (2200 دولار) كان قد دفعها مقدماً لحجز الوحدة السكنية.
حالة العجز عن تسديد أقساط الوحدة السكنية قاسم مُشترك بين الشاب يوسف، والخمسيني إسماعيل التهامي، الذي حاول خلال الثلاثين عاماً الماضية امتلاك شقة، عبر عدد من المشروعات الحكومية، وفي كل مرة كانت الأقساط المبالغ فيها، تمنع إسماعيل وعائلته من تحقيق حلم طال انتظاره.
وتشبه معاناة أحمد وإسماعيل ما تمر به، 49.2% من الأسر المصرية غير القادرة على شراء المساكن متوسطة الثمن والتي تقدر قيمتها بـ 225 ألف جنيه (12.5 ألف دولار)، إذ تتخطى 6.6 أضعاف دخلهم السنوي، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "10 طوبة" للدراسات والتطبيقات العمرانية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويضطر59.4% من الأسر المصرية إلى دفع أكثر من 25% من دخلهم الشهري لاستئجار وحدة سكنية متوسطة السعر بقيمة 800 جنيه (44 دولاراً) وفقاً للدراسة التي كشفت أن نسب الأسر غير القادرة على تحمل نفقات شراء أو استئجار منزل متوسط السعر، تتراوح بين 55% و89% من المصريين.
اقــرأ أيضاً
احتكار أراضي البناء
يتضح البعد الاستثماري الربحي في مشروع "دار مصر" المخصص لإسكان متوسطي الدخل، في إسناد تنفيذه لهيئة المجتمعات العمرانية، المحتكر الأول لأراضي البناء المملوكة للدولة والمسؤولة في الوقت ذاته عن تثمين الأراضي في كافة أنحاء الجمهورية، كما يوضح أحمد إبراهيم الباحث في سياسة التنمية العمرانية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والذي اتهم الهيئة بالمضاربة في أسعار الوحدات السكنية لتحقيق أكبر هامش ربح في ظل غياب رقيب على سياستها لتحديد أسعار الأراضي.
وتابع الباحث المختص في سياسات العمران "تولي هيئة المجتمعات العمرانية مسؤولية تنفيذ مشروع دار مصر والذي تصل عدد وحداته إلى 55 ألف وحدة، وتعد نموذجاً واضحاً على تضارب المصالح إذ تتبع الهيئة وزارة الإسكان، في حين أن طبيعة دور وزارة الإسكان ينبغي أن يكون خدمياً، ومقتصراً على تصميم سياسات تقنين الأسعار وفق ضوابط تحددها، بشكل منفصل عن هيئة التجمعات العمرانية". وأردف إبراهيم متابعا "إذا كانت وزارة الإسكان ركزت أولوياتها على بناء وحدات سكنية بأسعار تصل إلى 600 ألف جنيه، والاستثمار في الإسكان الفاخر في مدينتي والرحاب، فمن يبني وحدات سكنية تناسب الوضع المالي للمواطن المصري الذي ينتمي للطبقة المتوسطة والفقيرة؟".
ونمت أسعار الأراضي والمنازل في مصر، على مدى السنوات الثماني الماضية بنسبة 19.6% سنويًّا في حين نما متوسط الدخل بنسبة 5.4% سنويًّا خلال نفس الفترة الزمنية، ووفقا لدراسة مؤسسة "10طوبة". وتنص المادة 78 من الدستور المصري على أن "الدولة عليها أن تكفل للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية" وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بحسب الباحث إبراهيم.
الأرباح في خزينة الصناديق الخاصة
يعد مصطفى مدبولى، وزير الإسكان الحالي، صاحب فكرة مشروع "دار مصر" وأهم المتحمسين للمشروع الذي وصفه في تصريحات صحافية بأنه سيغير وجه الإسكان الحكومي في مصر، إذ تساند الدولة من خلاله متوسطي الدخل.
ووفقا لما توصل إليه معد التحقيق عبر مصدر في وزارة الإسكان، فإن مدبولي كان صاحب فكرة مشروع "ابني بيتك" الذي تأسس ضمن البرنامج الانتخابي للرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتم تخصيصه كذلك لمتوسطي الدخل إذ بدأت أسعار الوحدات من 150 ألف جنيه (8.8 آلاف دولار) وحتى 650 ألف جنيه (38 ألف دولار)، غير أن المشروع فشل وواجه انتقادات عديدة بسبب عدم استكمال بناء المرافق والخدمات الأساسية للمشروع وارتفاع أسعار الوحدات التي تفوق قدرات متوسطي الدخل.
ويؤكد المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه بسبب عمله في منصب قيادي بوزارة الإسكان، أن الهدف الرئيس وراء طرح مشاريع إسكانية تنافس القطاع الخاص، يتمثل في حقيق أكبر هامش للربح، إذ لا تدخل هذه الأرباح في الموازنة العامة للدولة، وتدرج تحت أصول الصناديق الخاصة لوزارة الإسكان، والتي يُحدد قياداتها نسب هامش أرباحهم بناء علي الأرباح الكلية لهذه المشاريع، خصوصاً في ظل تراجع مخصصات وزارة الإسكان في الموازنة العامة، ومن ثم تراجع مكافآتهم وبدلاتهم، وهو ما أكده عاصم عبدالمعطي، رئيس مجموعة رقابيون ضد الفساد، والوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي قال لـ"العربي الجديد": "الصناديق الخاصة التي تتبع وزارة الإسكان لا تخضع للرقابة من جانب أي جهاز رقابي"، واصفا إياها بأنها "وعاء ربحي ضخم" لحجم ما تحققه مشاريعها الاستثمارية من أموال، مستدلاً على ذلك بتحقيق هيئة المجتمعات العمرانية، فائض ربح خلال العام المنقضي بلغ مليارا و800 مليون جنيه.
وتابع :"موازنة الصناديق الخاصة لها أهداف ربحية في المقام الأول، وهو ما ينعكس علي طبيعة المشروعات الاستثمارية التي تخطط لها الوزارة وترسم توجهاتها في ضوئها، من دون مراعاة الطبقات الأكثر احتياجاً للسكن في ظل الارتفاع غير المسبوق للأسعار في سوق العقار بمصر"، وأكمل موضحا "أرباح هذه الصناديق تتوزع على عدد محدد من العاملين في الوزارة، خارج المخصصات المُعلنة لأجور العاملين المحددة في الموازنة العامة للدولة".
توجيه الدعم للأعلى دخلاً
يقرأ يوسف عدلي، الباحث في معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية في روتردام بهولندا، تجاهل وزارة الإسكان المصرية بلورة سياسات رقابية على سوق الأراضي والعقارات وكبح تضخم الأسعار، على أنه سياسة مقصودة من جانب الوزارة، قائلا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "سيرة الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان الذاتية، وطبيعة المشاريع التي تولى الإشراف عليها خلال عمله في وزارة الإسكان تؤكد أنه غير معني بالعدالة الاجتماعية"، ولفت إلى تخصيص مليون فدان من أراضي الدولة لهيئة التجمعات العمرانية بغرض تنميتها وتطويرها ضمن برامج الإسكان الاجتماعي، غير أن ما حدث هو العكس، إذ تعاظمت نزعات الوزارة الاستثمارية علي حساب توفير سكن آمن للمواطن بسعر معقول".
وتابع الباحث عدلي، أن المشاريع الاستثمارية الكبرى، التي ترتفع فيها أسعار الوحدات السكنية تتعاظم فيها الأرباح التجارية، لذلك يتم توجيه مليارات الدعم للاستثمار في مشروعات موجهة للأعلى دخلاً من المواطنين.
وأشار إلى أن عمل الوزارة على تعظيم أرباحها، انعكس علي أسعار أراضي الهيئة في المدن الجديدة، والتي تزايدت بنحو 16 ضعفاً خلال العقد الأخير وفقا لما رصده المعهد المهتم بدراسة قضايا الإسكان في العالم، موضحاً أن هذا الأمر ترتب عنه زيادة مواكبة في أسعار السكن، إذ زادت أسعار الإسكان المدعم 260% في الفترة نفسها.
وزارة الإسكان: الانتقادات تخلق مناخاً تشاؤمياً
يرى خالد عباس، مساعد وزير الإسكان للشؤون الفنية، أن زيادة أسعار الوحدات السكنية في مشروع "دار مصر" مرتبطة بالطفرة الكبرة التي حققتها أسعار الأراضي في مصر، وكذلك بنوعية تشطيب الوحدات السكنية في المشروع، مؤكدا أن الهدف الأساسي من المشروع هو توفير سكن متوسط السعر للمواطن المصري، مشيرا إلى أن هذه الأسعار لا تحقق للوزارة هامشا جادا للربح.
ورفض عباس الاتهامات التي تتعلق بتحويل أرباح المشاريع السكنية التي تنفذها الوزارة للصناديق الخاصة قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه الاتهامات ليست في محلها، والمروجون لها يهدفون إلى خلق مناخ تشاؤمي".
حالة العجز عن تسديد أقساط الوحدة السكنية قاسم مُشترك بين الشاب يوسف، والخمسيني إسماعيل التهامي، الذي حاول خلال الثلاثين عاماً الماضية امتلاك شقة، عبر عدد من المشروعات الحكومية، وفي كل مرة كانت الأقساط المبالغ فيها، تمنع إسماعيل وعائلته من تحقيق حلم طال انتظاره.
وتشبه معاناة أحمد وإسماعيل ما تمر به، 49.2% من الأسر المصرية غير القادرة على شراء المساكن متوسطة الثمن والتي تقدر قيمتها بـ 225 ألف جنيه (12.5 ألف دولار)، إذ تتخطى 6.6 أضعاف دخلهم السنوي، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "10 طوبة" للدراسات والتطبيقات العمرانية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويضطر59.4% من الأسر المصرية إلى دفع أكثر من 25% من دخلهم الشهري لاستئجار وحدة سكنية متوسطة السعر بقيمة 800 جنيه (44 دولاراً) وفقاً للدراسة التي كشفت أن نسب الأسر غير القادرة على تحمل نفقات شراء أو استئجار منزل متوسط السعر، تتراوح بين 55% و89% من المصريين.
احتكار أراضي البناء
يتضح البعد الاستثماري الربحي في مشروع "دار مصر" المخصص لإسكان متوسطي الدخل، في إسناد تنفيذه لهيئة المجتمعات العمرانية، المحتكر الأول لأراضي البناء المملوكة للدولة والمسؤولة في الوقت ذاته عن تثمين الأراضي في كافة أنحاء الجمهورية، كما يوضح أحمد إبراهيم الباحث في سياسة التنمية العمرانية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والذي اتهم الهيئة بالمضاربة في أسعار الوحدات السكنية لتحقيق أكبر هامش ربح في ظل غياب رقيب على سياستها لتحديد أسعار الأراضي.
ونمت أسعار الأراضي والمنازل في مصر، على مدى السنوات الثماني الماضية بنسبة 19.6% سنويًّا في حين نما متوسط الدخل بنسبة 5.4% سنويًّا خلال نفس الفترة الزمنية، ووفقا لدراسة مؤسسة "10طوبة". وتنص المادة 78 من الدستور المصري على أن "الدولة عليها أن تكفل للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية" وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بحسب الباحث إبراهيم.
الأرباح في خزينة الصناديق الخاصة
يعد مصطفى مدبولى، وزير الإسكان الحالي، صاحب فكرة مشروع "دار مصر" وأهم المتحمسين للمشروع الذي وصفه في تصريحات صحافية بأنه سيغير وجه الإسكان الحكومي في مصر، إذ تساند الدولة من خلاله متوسطي الدخل.
ووفقا لما توصل إليه معد التحقيق عبر مصدر في وزارة الإسكان، فإن مدبولي كان صاحب فكرة مشروع "ابني بيتك" الذي تأسس ضمن البرنامج الانتخابي للرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتم تخصيصه كذلك لمتوسطي الدخل إذ بدأت أسعار الوحدات من 150 ألف جنيه (8.8 آلاف دولار) وحتى 650 ألف جنيه (38 ألف دولار)، غير أن المشروع فشل وواجه انتقادات عديدة بسبب عدم استكمال بناء المرافق والخدمات الأساسية للمشروع وارتفاع أسعار الوحدات التي تفوق قدرات متوسطي الدخل.
وتابع :"موازنة الصناديق الخاصة لها أهداف ربحية في المقام الأول، وهو ما ينعكس علي طبيعة المشروعات الاستثمارية التي تخطط لها الوزارة وترسم توجهاتها في ضوئها، من دون مراعاة الطبقات الأكثر احتياجاً للسكن في ظل الارتفاع غير المسبوق للأسعار في سوق العقار بمصر"، وأكمل موضحا "أرباح هذه الصناديق تتوزع على عدد محدد من العاملين في الوزارة، خارج المخصصات المُعلنة لأجور العاملين المحددة في الموازنة العامة للدولة".
توجيه الدعم للأعلى دخلاً
يقرأ يوسف عدلي، الباحث في معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية في روتردام بهولندا، تجاهل وزارة الإسكان المصرية بلورة سياسات رقابية على سوق الأراضي والعقارات وكبح تضخم الأسعار، على أنه سياسة مقصودة من جانب الوزارة، قائلا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "سيرة الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان الذاتية، وطبيعة المشاريع التي تولى الإشراف عليها خلال عمله في وزارة الإسكان تؤكد أنه غير معني بالعدالة الاجتماعية"، ولفت إلى تخصيص مليون فدان من أراضي الدولة لهيئة التجمعات العمرانية بغرض تنميتها وتطويرها ضمن برامج الإسكان الاجتماعي، غير أن ما حدث هو العكس، إذ تعاظمت نزعات الوزارة الاستثمارية علي حساب توفير سكن آمن للمواطن بسعر معقول".
وتابع الباحث عدلي، أن المشاريع الاستثمارية الكبرى، التي ترتفع فيها أسعار الوحدات السكنية تتعاظم فيها الأرباح التجارية، لذلك يتم توجيه مليارات الدعم للاستثمار في مشروعات موجهة للأعلى دخلاً من المواطنين.
وأشار إلى أن عمل الوزارة على تعظيم أرباحها، انعكس علي أسعار أراضي الهيئة في المدن الجديدة، والتي تزايدت بنحو 16 ضعفاً خلال العقد الأخير وفقا لما رصده المعهد المهتم بدراسة قضايا الإسكان في العالم، موضحاً أن هذا الأمر ترتب عنه زيادة مواكبة في أسعار السكن، إذ زادت أسعار الإسكان المدعم 260% في الفترة نفسها.
وزارة الإسكان: الانتقادات تخلق مناخاً تشاؤمياً
يرى خالد عباس، مساعد وزير الإسكان للشؤون الفنية، أن زيادة أسعار الوحدات السكنية في مشروع "دار مصر" مرتبطة بالطفرة الكبرة التي حققتها أسعار الأراضي في مصر، وكذلك بنوعية تشطيب الوحدات السكنية في المشروع، مؤكدا أن الهدف الأساسي من المشروع هو توفير سكن متوسط السعر للمواطن المصري، مشيرا إلى أن هذه الأسعار لا تحقق للوزارة هامشا جادا للربح.
ورفض عباس الاتهامات التي تتعلق بتحويل أرباح المشاريع السكنية التي تنفذها الوزارة للصناديق الخاصة قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه الاتهامات ليست في محلها، والمروجون لها يهدفون إلى خلق مناخ تشاؤمي".