بعد صدور تقرير كريم القروي عن الإسلام في فرنسا، والذي أثارت توصياته كثيرا من الجدل، وفي ظل انتظار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مقترحه بصدد "تنظيم الإسلام في فرنسا"، وفي انتظار ظهور النتائج النهائية لاستشارة مسلمي فرنسا، التي شارك فيها أكثر من 27 ألف شخص، على الإنترنت أو تجمعات محلية، يوم الأحد 30 سبتمبر/ أيلول الحالي، خرجت علينا "القوة الجمهورية" (وهي مجموعة تفكير أسسها المرشح اليميني للرئاسيات ورئيس الحكومة الأسبق فرانسوا فيون، سنة 2002، ويترأسها النائب اليميني في مجلس الشيوخ برونو ريتايو)، يوم الإثنين، بتقرير يتضمن ثلاثين اقتراحا، حول الإسلام في فرنسا، يهدف إلى رفض “مأسسة الإسلام الفرنسي”، وأيضا إلى مكافحة "الإسلاموية" في فرنسا.
ونجد في التقرير دعوة إلى إرساء "سياسة فصل وحماية وتذويب"، تسير في اتجاه إطلاق "حوار معمَّق مع الفرنسيين المسلمين"، وأيضا "مواصلة الحوار الضروري بين الدولة وممثلي الديانة الإسلامية"، بدل "مأسسة إسلام فرنسي". لأن هذه المأسسة غير متوافقة، كما يشدد التقرير، مع "مبدأ حيادية الدولة".
ويحذر التقرير من "سياسة الغموض" التي قد يعبر عنها الإعلان الرئاسي المنتظر، والتي قد "تجعل الجمهورية تتدخل في إدارة الديانة الإسلامية، وبل وتحل محلها في ما يخص تنظيمها وتمثيليتها".
وهذا الرفض لكل مأسسة للإسلام الفرنسي، يستلزم، في نظر التقرير، عدم مشاركة السلطات العمومية في إنشاء بُنى أو منظمات يُفتَرَض أن تمثل "الإسلام الفرنسي"، سواء تعلق الأمرُ بآليات مالية للتمويل من نوع الضريبة على المنتوحات الحلال أو المتعلقة بالحج، أو في إطار إنشاء جامعة ثيولوجيا إسلامية في مدينة ستراسبورغ، والتي يجري الحديث عنها باستمرار، وأيضا في تكوين الأئمة، الذي "يتخذ بُعداً طائفياً، وليس فقط مدنياً".
ويكشف التقرير، الذي يدافع عن فكرة "حوار معمق مع الفرنسيين المسلمين" عن مقترحات وإجراءات تحُدّ من حريات المسلمين، بدعوى أن الجمهورية التي تريد تحييد التوتاليتارية الإسلامية "يتوجب عليها، أيضا، الإمساك بها في مجموعها". وهذا ما يدفعها إلى التوصية بـ"حظر العلامات الدينية في الجامعات" (الحظر في الوقت الراهن يقتصر على المدارس والثانويات)، مستشهدة بـ"يوم الحجاب في كليات العلوم السياسية"، وأيضا حظر تشكيل حركات طلابية ذات بعد طائفي مثل: "الطلبة المسلمون الفرنسيون".
كما يتضمن التقرير، الذي يريد استباق المقترحات الرئاسية، توصيات قاسية بتشديد الإجراءات المتعلقة بالظواهر العمومية ذات الانتماء الديني، الإسلامي بوجه خاص، مع جملة اقتراحات من بينها اعتبار ارتداء البرقع في أماكن عمومية جنحة وليس مجرد مخالفة. ويذهب التقرير في تشدده إلى درجة التوصية بـ"سحب المساعدات الاجتماعية والعائلية عن الأشخاص من أصحاب السوابق"، بالإشارة إلى أن المعتقد الديني المظهري أو الرمزي المتعارض مع علمانية فرنسا يعد سابقة جنائية.
كما يشدد التقرير على الطابع المسيحي للبلد، والذي يجب أن يظل لوحده، إذ على الرغم من أن الجمهورية علمانية، إلا أن "فرنسا تحتفظ بإرث ثقافي تطبعه المسيحية". وهو ما يدفعه لرفض أي تعديل في أيام العطل، لأسباب دينية. وينتقد تنظيم بلدية باريس السنوي، في انفتاح الفرنسيين على المسلمين، من خلال الاحتفال بليلة القدر في رمضان، ويطالب بوقفها، "لأن مثل هذه الأنشطة الثقافية تسيء إلى مبدأ العلمانية". ويوصي التقرير بالحصول على إذن مسبق قبل إنشاء أي استثمار ثقافي أجنبي في فرنسا.
كما يوصي بإنشاء مؤسسة سجنية خاصة بالنسبة إلى الجهاديين الفرنسيين المفترضين، إضافة إلى تنفيذ توصية تضمنها تقرير مجلس الشيوخ، باعتبار السلفية "انحرافا طائفيا"، وأيضا بطرد "الأجانب الذين يمثلون درجة في التطرف"، وكذلك تجريد الفرنسيين "المتطرفين"، من مزدوجي الجنسية، من جنسيتهم الفرنسية.
وأخيرا، نشير إلى أنّ توصيات كثيرة، خرجت من مؤسسة تفكير تابعة لحزب "الجمهوريون"، اليميني، تنادي بها أيضا أحزاب سياسية يمينية متطرفة، كحزب "التجمع الوطني"، الذي تتزعمه مارين لوبان، وهو ما يجعله تقريرا لا يخلو من مزايَدات مع قرب الانتخابات الأوروبية، التي تشير غالبية استطلاعات الرأي إلى أن حزب مارين لوبان العنصري يتقاسم صدارة الترتيب فيها مع حزب الرئيس الفرنسي: “الجمهورية إلى الأمام”.