تستعد الحكومة التونسية لبدء تنفيذ برنامج التسريح الطوعي لموظفي القطاع الحكومي في إطار خطة حكومية لخفض عدد موظفي الدولة بنحو 20% خلال 3 سنوات. ويتزامن تنفيذ برنامج التسريح الطوعي مع تدهور الوضع المالي لصناديق المعاشات بلغ حد التأخر عن صرف رواتب المتقاعدين، ما يدفع الحكومة شهريا إلى البحث عن مصدر تمويل لمواصلة تأمين الحد الأدنى من خدمات الصناديق.
ووفق تأكيد المسؤول المكلف ببرنامج الإصلاحات الكبرى سفيان عبد الجواد، لـ"العربي الجديد"، من المنتظر أن تأذن المصالح العمومية بتسريح 10 آلاف موظف ينتمون إلى قطاعات مختلفة من بين نحو 26 ألف موظف مؤهلين للمغادرة، حسب تقديرات المعهد الوطني للإحصاء.
وقال عبد الجواد إن الـعشرة آلاف الحاصلين على موافقة للتسريح استوفوا الشروط القانونية، لافتا إلى أن الحكومة رصدت حوالي 535 مليون دينار، أي نحو 222 مليون دولار، لتنفيذ برنامج التسريح الطوعي للموظفين.
وأكد المسؤول الحكومي أن المغادرين سيتقاضون تعويضات في حدود 36 راتبا، مشيرا إلى أن هذا البرنامج سيمتد حتى سنة 2020 في إطار خطوات إصلاحات كبرى بدأت فيها الحكومة لخفض كتلة الأجور من 15.8% من الناتج المحلي إلى 12.5% في غضون السنوات الثلاث القادمة.
وأفاد المسؤول عن الإصلاحات الكبرى بأن صناديق المعاشات تواجه ضغوطا مالية كبيرة لا يمكن للدولة مواجهتها بمواصلة ضخ الأموال لصرف المستحقات.
وأكد عبد الجواد أن تأخير سن التقاعد الوجوبي من 60 سنة حاليا إلى 62 سنة في 2019 سيمكن الصناديق الاجتماعية من توفير 320 مليون دينار، أي نحو 133 مليون دولار، معتبرا أن هذه الخطوة مهمة جدا لضمان استمرار الصناديق وتأمين خدمات المعاش والتغطية الصحية.
ولفت عبد الجواد إلى تقدم أعمال مجلس الإصلاح الاجتماعي الذي يتولى صياغة قانون جديد لإصلاح الصناديق بالتشارك بين الحكومة والنقابات العمالية والقطاع الخاص، لافتاً إلى أن مشروع القانون يقوم على 5 محاور إصلاحية رئيسية، أهمها رفع نسبة المساهمة بـ3% ورفع سن التقاعد.
وأوضح المتحدث أن ما آلت إليه الوضعية المالية لصناديق المعاشات وصندوق التأمين الصحي هو نتيجة لتراكمات وتأخر الإصلاح الذي كان يفترض أن يبدأ منذ سنة 2009، مؤكدا أن حجم العجز في الصناديق الثلاثة يرتفع إلى 5 مليارات دينار، أي نحو 2 مليار دولار، وهو ما يضاهي ميزانية التنمية في تونس المقدرة بـ5.4 مليارات دينار.
ويعد خفض عدد موظفي القطاع العام، أحد أهم مطالب صندوق النقد الدولي الهادفة إلى الضغط على الأجور، والعودة بها إلى مستوى 12.5% مع نهاية سنة 2020، بعد أن قدرت خلال السنة الماضية بحوالي 15.8% من الناتج الإجمالي الخام.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، صادق البرلمان التونسي على قانون التسريح المبكر للموظفين في القطاع الحكومي، وقد تضمن القانون تسعة فصول، أبرزها الفصل الأول الذي يضمن للراغب في الخروج الطوعي من الوظيفة العمومية، الحصول على منحة مغادرة تصرف دفعة واحدة، وتقدّر بـ36 أجراً شهرياً صافياً.
وقدّرت الحكومة عدد طالبي المغادرة الطوعية، التي يبدأ العمل بها في إبريل/ نيسان المقبل، ما بين 10 آلاف و15 ألف موظف. كذلك توقّعت أن يقدّم نحو 10 آلاف موظف طلبات تقاعد مبكر.
وبالإضافة إلى الصعوبات الشهرية التي يواجهها صندوق المعاشات لتوفير رواتب المتقاعدين، بات عجز صندوق التأمين على المرض (الضمانات الصحية) يهدد بانهيار المنظومة الصحية في القطاع العمومي الذي بلغ الأسبوع الماضي مرحلة العجز عن توفير أدوية حياتية في المستشفيات، وفق تصريح إذاعي لوزير الصحة عماد الحمامي، الذي قال إن مخابر أدوية عالمية كانت على وشك وضع تونس ضمن القائمة السوداء بسبب تأخر حصولها على مستحقاتها مقابل تزويد الصيدلية المركزية بالأدوية (الصيدلية المركزية هي المورد الحصري للأدوية في تونس).
وأكد وزير الصحة أن الحكومة تدخلت بتوفير قرض بنكي للصيدلية المركزية بنحو 600 مليون دينار لضمان خلاص المزودين ومواصلة توفير الأدوية للقطاعين العمومي والخاص، معتبرا أن إصلاح الصناديق الاجتماعية ملف لا يحتمل المزيد من التأخير.
وبهدف الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تعتزم الحكومة تحقيقها خلال السنوات الثلاث المقبلة، أكد الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في تونس، روبرت بلوتوفوغال، في تصريحات سابقة، إعادة توزيع أقساط القروض الممنوحة لفائدة الاقتصاد التونسي، ورفع عددها من ثلاثة أقساط سنوية إلى أربعة أقساط. وقال إن هذا القرار يهدف بالأساس إلى متابعة أكثر للإصلاحات، وتسريع نسقها، والاستفادة بعدد أكثر من الأقساط السنوية.