ينتظر الصحافي التونسي الأسعد بن عاشور، تحديد جلسة للدعوى التي رفعها ضد رجل الأعمال شفيق جراية، بعد تقدمه بشكوى عدلية ضده، على خلفية ادعائه في برنامج تلفزيوني بثته قناة الحوار التونسي الخاصة، في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ "شراء ذمم الصحافيين التونسيين".
ويعد بن عاشور صاحب مبادرة إقامة الدعوى ضد رجل الأعمال جراية، إذ شعر وزملاؤه بالغضب الشديد من تصريحات جراية، معتبرا أنه "قام بخطوة أولى لكسر حاجز الخوف من لوبي رجال الأعمال والمال، الذي لا تتوقف محاولاته للسيطرة على الصحافة التونسية"، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ملفات الفساد الإعلامي
تضامن 150 إعلامياً تونسياً من العاصمة مع دعوى بن عاشور قضائياً، واتسعت قائمة الإعلاميين الغاضبين لتشمل محافظات صفاقس وقفصة والمنستير، ومن بين هؤلاء عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين، يوسف الوسلاتي، والذي لا يخفي مخاوفه من النتائج التي سيقود إليها التحقيق في القضية المرفوعة ضد رجل الأعمال شفيق جراية، إذ لم تتحرك النيابة العمومية بالشكل المطلوب للكشف عن ملفات الفساد الخاصة بقطاع الإعلام منذ ثورة يناير 2011.
ويؤكدّ الوسلاتي لـ"العربي الجديد" أنه حتى اليوم لم تحدد جلسة للقضية التي رفعها الإعلاميون، ولا تلك التي رفعتها نقابة الصحافيين ضدّ جراية في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويرّجح القيادي بنقابة الصحافيين، ألا يتجاوز عدد الإعلاميين المتورطين مع بارونات المال والسياسة عدد 10 إعلاميين، بحسب ما وصلهم من شكاوى تتناول ممارسات غير مهنية قاموا بها، مبينا أن العدد يبقى محدوداً مقارنة بعدد الإعلاميين المجازين من معهد الصحافة والناشطين في القطاع، والمقدر عددهم بـ 1500 صحافي.
المتورطون في تلقّي أموال مشبوهة، تم توثيق تجاوزاتهم في تقرير الحريات الصحافية الصادر عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في سبتمبر/أيلول عام 2013، وبحسب الوسلاتي فإن مقدمي برامج، وصحافيين يعملون في الإعلام الورقي، صدر ضدهم العديد من الأحكام القضائية بتهم نشر أخبار كاذبة والسبّ والقذف، بينما أكد تقرير الحريات الصحافية الصادر في 2016 "استمرار اختراق المال السياسي والمال الفاسد للإعلام بغية توجيه الرأي العام".
اقــرأ أيضاً
376 إعلامياً تورطوا في منظومة الفساد
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، صدر الكتاب الأسود بهدف كشف منظومة الدعاية الإعلامية ولوبيات المال والفساد التي تحكمت في الإعلام التونسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، كما يؤكد عدنان منصر، القيادي في حزب حراك تونس الإرادة، ومستشار الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي.
ويرى منصر أن التونسيين أضاعوا على أنفسهم فرصة ثمينة لتطهير قطاع الإعلام من الفاسدين والمشبوهين، خصوصا أن الكتاب الأسود ضم 354 صفحة و376 إعلاميا تونسيا وأجنبيا تورطوا في منظومة المال الفاسد، وكان بالإمكان متابعتهم قضائيا لإنهاء هذه الظاهرة، لكن أحداً لم يحاسب على ما ارتكبه، كما قال مستشار المرزوقي لـ"العربي الجديد"، متابعا السؤال المطروح، هو إلى أي مدى يمكن لوسائل الإعلام التونسية أن تفلت من قبضة بارونات المال والسياسة؟ ويجيب بمرارة "المتأمل في المشهد الإعلامي التونسي الحالي، لا يشعر أنّ تونس عاشت ثورة على الفساد، أو على الأقل، فانّ الثورة التي عرفتها تونس لم تشمل قطاع الإعلام"، وأوضح: "طالما أنّ نفس الوجوه الإعلامية التي كانت نافذة قبل الثورة، ما زالت تسيطر على المشهد الإعلامي الحالي ، فإنّ شيئاً لم يتغير في الإعلام".
وعلى الرغم من أن الكتاب الأسود كشف إعلاميين كانوا ضمن منظومة الفساد في عهد بن علي، فإن هؤلاء عادوا لتصدر المشهد مرة ثانية، ووفقا لما جاء في الكتاب فإن موالين للنظام السابق (تتحفظ العربي الجديد على ذكر اسمهم)، عرفوا بالكتابات التضليلية والتشويهية، لا يزالون يتصدرون البرامج السياسية في القنوات الخاصة.
ويؤكد منصر، أن اللوبيات السياسية والمالية، تنشط اليوم في غرف الأخبار، وفي أقسام التحرير، وهي التي تتحكم في دعوة الضيوف، ويدعم رأيه بالقول: "هناك غياب للرأي المخالف، وحتى حضور المعارضة يبقى محتشما، ما أفرز إعلاما مشوها، فئويا، وإقصائيا وبعيدا عن المصداقية".
خدمة رجال الأعمال النافذين
يرى رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، (تتكون من ملاك الصحف)، الطيب زهّار، أن تونس توجد بها صحافة صفراء، تخدم بشكل واضح أجندات رجال أعمال نافذين، مختصة في هتك الأعراض، والتشويه، لافتاً إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ونقابة الصحافيين التونسيين وعدة منظمات، أصدرت بيانا مشتركا بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعنوان "مافيا صحافة المجاري" تؤكد من خلاله وجود عصابات إجرامية تجمع لوبيات فاسدة داخل أجهزة الدولة متخصصة في الابتزاز، تحت غطاء الصحافة وحرية الرأي والتعبير.
ويؤكد عضو نقابة الإعلام التابعة لاتحاد الشغل، محمد السعيدي، لـ"العربي الجديد" غياب القوانين المنظمة لقطاع الإعلام التي من المفترض أن تحميه من اختراق بارونات المال والسياسة، ويطالب السعيدي بضرورة تعديل المرسومين 115 و116 المنظمين للقطاع الإعلام والصادرين عن رئيس الجمهورية المؤقت في نوفمبر 2011، مشددا على أهمية العمل على تشكيل المجلس الأعلى للصحافة الذي يطالب به الإعلاميين، من أجل تنظيم القطاع ومتابعة من يقف وراء الوسائل الإعلامية، ويتوقع رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، الإعلان عن تشكيل هذا الكيان نهاية العام الحالي، بحسب ما أكده لـ"العربي الجديد".
تغلغل المال الفاسد
تعاني مؤسسات إعلامية عمومية مثل صحيفة "لابراس" التي صدرت لأول مرة في مارس/آذار 1936، صعوبات مالية وهيكلية، وبحسب السعيدي، فإن الصحيفة التي تعد الأقدم في تونس غير قادرة على الاستمرار في نسختها المطبوعة من دون منحها إعلانات من جهات حكومية واشتراكات عمومية، في حين أن صحفاً لا توازيها في الشهرة ولا التاريخ تصدر ولا تواجه أي صعوبات مالية، وهو ما يراه السعيدي، دليلا على أن هذه الصحف التي لا يعرف أحد من أين يأتي تمويلها ولا الجهات التي تخدم لحسابها، تعد علامة على تغلغل المال الفاسد.
ويطالب السعيدي، بضرورة الكشف عن مصادر التمويل، والقوائم المالية لكل مؤسسة بدقة، خاصة أمام الغموض الكبير حول ملكية بعض وسائل الإعلام الخاصة في تونس، مبينا أنه لا بد من تطبيق اتفاقيات الزيادة في الأجور، والقضاء على كل أشكال التشغيل الهش للإعلاميين، إذ يتقاضى بعض الإعلاميين مبالغ أقل من 200 دولار، ما قد يدفع البعض منهم إلى السقوط في فخ بارونات المال والسياسة.
تنوع المشهد الإعلامي
ترى عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، راضية السعيدي، أن الهيئة عاجزة عن القضاء على الفساد في المجال الإعلامي بمفردها، خاصة أمام التنوع الكبير في المشهد الإعلامي الحالي، والذي يضم 23 إذاعة خاصة، و11 عمومية، وإذاعتين مصادرتين قضائيا وهما "شمس" و"الزيتونة" ، واللتين لم يتم البت في مصيرهما، و10 إذاعات جمعياتية، و11 قناة تلفزية خاصة وقناتين عموميتين، إلى جانب 50 صحيفة ورقية يومية وأسبوعية، و9 حزبية.
وتكشف نتائج البحث الذي قامت به كل من جمعية الخط (منظمة تونسية تعمل في الرصد الإعلامي) ومنظمة "مراسلون بلا حدود" في 12 يوليو/تموز الماضي، أن ست قنوات تلفزية من بين 10 قنوات شملها الرصد والتحليل، مرتبطة بشخصيات سياسية أو بأحزاب سياسية، ويكشف البحث أنّ الحصول على المعطيات المالية لهذه القنوات يكاد يكون أمرا مستحيلا، إذ إن مؤسسات الدولة تقف عاجزة في أحيان كثيرة عن الولوج إلى هذه المعطيات، وهو ما أكده ناجي البغوري رئيس نقابة الصحافيين التونسيين، في لقاء نظم بمقر النقابة نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتؤكد الإعلامية راضية السعيدي، أنّ الهيئة تطلب من أصحاب القنوات تقديم التقارير المالية الدورية، لمعرفة مصادر الأموال التي يضخونها، إلا أن هناك عدة ملفات عالقة تعتبرها الهيئة ذات أولوية ومنها احترام كراس الشروط، والتراخيص ومحاربة القرصنة، خاصة أن هناك عدة إذاعات عشوائية إلى جانب رصد الخروقات المهنية الحاصلة والتي يعمل عليها المرصد التابع للهيئة، والذي يضم 20 من أصحاب الكفاءات العالية مهمتهم رصد التجاوزات الكبرى في المجال السمعي البصري، خاصة إذا تعلق الأمر بكرامة الإنسان وحرية المعتقد والتمييز وحماية الطفولة.
ويبقى الأمل في أن تسرع حكومة يوسف الشاهد، والتي أعلنت حربا على الفساد، بالإضافة إلى عزمها عقد مجلس وزاري يهم الشأن الصحافي في تونس، إلى اتخاذ بعض القرارات العاجلة لتنظيم الإعلام، كما يرى المشرفون على القطاع، ممن تحدثت "العربي الجديد" إليهم، ويؤكد الخبراء ضرورة ألا تبقى تصريحات حكومة الشاهد في هذا الصدد مجرد نيات، مؤكدين أن تونس لن تستفيد من حرية التعبير التي اكتسبتها بعد الثورة، إن لم تحدد ضوابط قانونية للعمل الصحافي وشروطاً لتسيير وتمويل المؤسسات الإعلامية، بما يحفظها من محاولات اختراق بارونات المال والسياسة.
ويعد بن عاشور صاحب مبادرة إقامة الدعوى ضد رجل الأعمال جراية، إذ شعر وزملاؤه بالغضب الشديد من تصريحات جراية، معتبرا أنه "قام بخطوة أولى لكسر حاجز الخوف من لوبي رجال الأعمال والمال، الذي لا تتوقف محاولاته للسيطرة على الصحافة التونسية"، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ملفات الفساد الإعلامي
تضامن 150 إعلامياً تونسياً من العاصمة مع دعوى بن عاشور قضائياً، واتسعت قائمة الإعلاميين الغاضبين لتشمل محافظات صفاقس وقفصة والمنستير، ومن بين هؤلاء عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين، يوسف الوسلاتي، والذي لا يخفي مخاوفه من النتائج التي سيقود إليها التحقيق في القضية المرفوعة ضد رجل الأعمال شفيق جراية، إذ لم تتحرك النيابة العمومية بالشكل المطلوب للكشف عن ملفات الفساد الخاصة بقطاع الإعلام منذ ثورة يناير 2011.
المتورطون في تلقّي أموال مشبوهة، تم توثيق تجاوزاتهم في تقرير الحريات الصحافية الصادر عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في سبتمبر/أيلول عام 2013، وبحسب الوسلاتي فإن مقدمي برامج، وصحافيين يعملون في الإعلام الورقي، صدر ضدهم العديد من الأحكام القضائية بتهم نشر أخبار كاذبة والسبّ والقذف، بينما أكد تقرير الحريات الصحافية الصادر في 2016 "استمرار اختراق المال السياسي والمال الفاسد للإعلام بغية توجيه الرأي العام".
376 إعلامياً تورطوا في منظومة الفساد
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، صدر الكتاب الأسود بهدف كشف منظومة الدعاية الإعلامية ولوبيات المال والفساد التي تحكمت في الإعلام التونسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، كما يؤكد عدنان منصر، القيادي في حزب حراك تونس الإرادة، ومستشار الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي.
ويرى منصر أن التونسيين أضاعوا على أنفسهم فرصة ثمينة لتطهير قطاع الإعلام من الفاسدين والمشبوهين، خصوصا أن الكتاب الأسود ضم 354 صفحة و376 إعلاميا تونسيا وأجنبيا تورطوا في منظومة المال الفاسد، وكان بالإمكان متابعتهم قضائيا لإنهاء هذه الظاهرة، لكن أحداً لم يحاسب على ما ارتكبه، كما قال مستشار المرزوقي لـ"العربي الجديد"، متابعا السؤال المطروح، هو إلى أي مدى يمكن لوسائل الإعلام التونسية أن تفلت من قبضة بارونات المال والسياسة؟ ويجيب بمرارة "المتأمل في المشهد الإعلامي التونسي الحالي، لا يشعر أنّ تونس عاشت ثورة على الفساد، أو على الأقل، فانّ الثورة التي عرفتها تونس لم تشمل قطاع الإعلام"، وأوضح: "طالما أنّ نفس الوجوه الإعلامية التي كانت نافذة قبل الثورة، ما زالت تسيطر على المشهد الإعلامي الحالي ، فإنّ شيئاً لم يتغير في الإعلام".
ويؤكد منصر، أن اللوبيات السياسية والمالية، تنشط اليوم في غرف الأخبار، وفي أقسام التحرير، وهي التي تتحكم في دعوة الضيوف، ويدعم رأيه بالقول: "هناك غياب للرأي المخالف، وحتى حضور المعارضة يبقى محتشما، ما أفرز إعلاما مشوها، فئويا، وإقصائيا وبعيدا عن المصداقية".
خدمة رجال الأعمال النافذين
يرى رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، (تتكون من ملاك الصحف)، الطيب زهّار، أن تونس توجد بها صحافة صفراء، تخدم بشكل واضح أجندات رجال أعمال نافذين، مختصة في هتك الأعراض، والتشويه، لافتاً إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ونقابة الصحافيين التونسيين وعدة منظمات، أصدرت بيانا مشتركا بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعنوان "مافيا صحافة المجاري" تؤكد من خلاله وجود عصابات إجرامية تجمع لوبيات فاسدة داخل أجهزة الدولة متخصصة في الابتزاز، تحت غطاء الصحافة وحرية الرأي والتعبير.
ويؤكد عضو نقابة الإعلام التابعة لاتحاد الشغل، محمد السعيدي، لـ"العربي الجديد" غياب القوانين المنظمة لقطاع الإعلام التي من المفترض أن تحميه من اختراق بارونات المال والسياسة، ويطالب السعيدي بضرورة تعديل المرسومين 115 و116 المنظمين للقطاع الإعلام والصادرين عن رئيس الجمهورية المؤقت في نوفمبر 2011، مشددا على أهمية العمل على تشكيل المجلس الأعلى للصحافة الذي يطالب به الإعلاميين، من أجل تنظيم القطاع ومتابعة من يقف وراء الوسائل الإعلامية، ويتوقع رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، الإعلان عن تشكيل هذا الكيان نهاية العام الحالي، بحسب ما أكده لـ"العربي الجديد".
تغلغل المال الفاسد
تعاني مؤسسات إعلامية عمومية مثل صحيفة "لابراس" التي صدرت لأول مرة في مارس/آذار 1936، صعوبات مالية وهيكلية، وبحسب السعيدي، فإن الصحيفة التي تعد الأقدم في تونس غير قادرة على الاستمرار في نسختها المطبوعة من دون منحها إعلانات من جهات حكومية واشتراكات عمومية، في حين أن صحفاً لا توازيها في الشهرة ولا التاريخ تصدر ولا تواجه أي صعوبات مالية، وهو ما يراه السعيدي، دليلا على أن هذه الصحف التي لا يعرف أحد من أين يأتي تمويلها ولا الجهات التي تخدم لحسابها، تعد علامة على تغلغل المال الفاسد.
ويطالب السعيدي، بضرورة الكشف عن مصادر التمويل، والقوائم المالية لكل مؤسسة بدقة، خاصة أمام الغموض الكبير حول ملكية بعض وسائل الإعلام الخاصة في تونس، مبينا أنه لا بد من تطبيق اتفاقيات الزيادة في الأجور، والقضاء على كل أشكال التشغيل الهش للإعلاميين، إذ يتقاضى بعض الإعلاميين مبالغ أقل من 200 دولار، ما قد يدفع البعض منهم إلى السقوط في فخ بارونات المال والسياسة.
تنوع المشهد الإعلامي
ترى عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، راضية السعيدي، أن الهيئة عاجزة عن القضاء على الفساد في المجال الإعلامي بمفردها، خاصة أمام التنوع الكبير في المشهد الإعلامي الحالي، والذي يضم 23 إذاعة خاصة، و11 عمومية، وإذاعتين مصادرتين قضائيا وهما "شمس" و"الزيتونة" ، واللتين لم يتم البت في مصيرهما، و10 إذاعات جمعياتية، و11 قناة تلفزية خاصة وقناتين عموميتين، إلى جانب 50 صحيفة ورقية يومية وأسبوعية، و9 حزبية.
وتكشف نتائج البحث الذي قامت به كل من جمعية الخط (منظمة تونسية تعمل في الرصد الإعلامي) ومنظمة "مراسلون بلا حدود" في 12 يوليو/تموز الماضي، أن ست قنوات تلفزية من بين 10 قنوات شملها الرصد والتحليل، مرتبطة بشخصيات سياسية أو بأحزاب سياسية، ويكشف البحث أنّ الحصول على المعطيات المالية لهذه القنوات يكاد يكون أمرا مستحيلا، إذ إن مؤسسات الدولة تقف عاجزة في أحيان كثيرة عن الولوج إلى هذه المعطيات، وهو ما أكده ناجي البغوري رئيس نقابة الصحافيين التونسيين، في لقاء نظم بمقر النقابة نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتؤكد الإعلامية راضية السعيدي، أنّ الهيئة تطلب من أصحاب القنوات تقديم التقارير المالية الدورية، لمعرفة مصادر الأموال التي يضخونها، إلا أن هناك عدة ملفات عالقة تعتبرها الهيئة ذات أولوية ومنها احترام كراس الشروط، والتراخيص ومحاربة القرصنة، خاصة أن هناك عدة إذاعات عشوائية إلى جانب رصد الخروقات المهنية الحاصلة والتي يعمل عليها المرصد التابع للهيئة، والذي يضم 20 من أصحاب الكفاءات العالية مهمتهم رصد التجاوزات الكبرى في المجال السمعي البصري، خاصة إذا تعلق الأمر بكرامة الإنسان وحرية المعتقد والتمييز وحماية الطفولة.
ويبقى الأمل في أن تسرع حكومة يوسف الشاهد، والتي أعلنت حربا على الفساد، بالإضافة إلى عزمها عقد مجلس وزاري يهم الشأن الصحافي في تونس، إلى اتخاذ بعض القرارات العاجلة لتنظيم الإعلام، كما يرى المشرفون على القطاع، ممن تحدثت "العربي الجديد" إليهم، ويؤكد الخبراء ضرورة ألا تبقى تصريحات حكومة الشاهد في هذا الصدد مجرد نيات، مؤكدين أن تونس لن تستفيد من حرية التعبير التي اكتسبتها بعد الثورة، إن لم تحدد ضوابط قانونية للعمل الصحافي وشروطاً لتسيير وتمويل المؤسسات الإعلامية، بما يحفظها من محاولات اختراق بارونات المال والسياسة.