ما تزال مدينة حلب السورية تحظى بمتابعة بعض الصحف الكبرى في الإعلام العالمي، بينما يواصل النظام السوري وحلفاؤه الروس والمليشيات المدعومة من إيران مذبحتهم في المدينة وتهجير أهلها، وسط صمت المجتمع الدولي.
مقبرة الأوهام الغربية
اعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها، أمس الأربعاء، سقوط حلب نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية الممتدة، إذ أصبح لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، وراعيتيه، روسيا وإيران، اليد العليا فيها. ورأت أنه في هذه اللحظة ينبغي النظر إلى الطموحات الأوروبية والأميركية في سورية على حقيقتها: "دراسة حالة للتفكير المشوّش".
ورأت "فايننشال تايمز" أن واشنطن والعواصم الأوروبية تجني اليوم ما زرعته في المراحل الأولى من الصراع الروسي، عندما لم تستدع قوة الإرادة ولا المال الكافي للتدخل بشكل فعّال، وفشلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مساندة القوات التي تصدّت للأسد، على الرغم من تركيزهما على رحيل الأسد في المفاوضات.
وانتقدت الصحيفة ما اعتبره الأسد وروسيا "نصراً عظيماً"، لأنه بني على جرائم حرب، فعندما لم يتمكنوا من زحزحة الثوار عن أرضهم، أغرقتهم المقاتلات الروسية والسورية بالقنابل، مبيدة مقاتلي المعارضة المسلحين والمدنيين أيضاً.
وأكدت ضرورة عدم السماح لإيران بأن تبرز كالمنتصر من معركة حلب الدموية، لافتة إلى مشهد أهل المدينة الخائفين من انتشار المليشيات الشيعية الإيرانية في أحيائهم وقتلهم للمدنيين. وقالت إن الأسد عليه أن يعلم أنه سيحاسب في النهاية على جرائمه في الحرب، فقد ينام الآن قرير العين في ملاذه بدمشق، لكن هناك زنزانة بانتظاره في لاهاي، وفقاً للصحيفة.
ونشرت صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، أمس الأربعاء، مقالاً بعنوان "باراك أوباما أراد أن يحلّ الشرق الأوسط مشاكله لكن حلب أثبتت أن ذلك غير ممكن"، للكاتب كولين فريمان.
أشار فريمان إلى أن العالم العربي الآن أصبح ساحة مفتوحة للحرب الباردة والحروب بالوكالة، كما كانت القارة الأفريقية في حقبة الستينات والسبعينات تماماً.
واعتبر أنه من السخرية أن يغادر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منصبه، بينما الشرق الأوسط والعالم العربي في الحال الأسوأ على الإطلاق. واستشهد بكلمات توماس لورانس الشهير بـ"لورانس العرب"، وهي "لا تحاول فعل الكثير بيديك فالأفضل أن يقوم العرب بأنفسهم بالأمر". وأكدّ أنه لو عاد الزمن بلورانس وشاهد ما يجري حلب، لغيّر رأيه في كثير من الأمور.
المُدمِّرون: الأسد وبوتين وإيران
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أمس الأربعاء، مقالاً بعنوان "مُدمرّو حلب: الأسد وبوتين وإيران". واعتبرت الصحيفة أن الأسد لم يكن يستطيع تدمير حلب من دون مساعدة روسيا وإيران. ورأت أن الوقت مناسب للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب الذي مدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليقنعه بإيقاف المذبحة هناك.
ووصفت "نيويورك تايمز" أفعال بوتين بـ"الدموية"، وقالت إنه استعمل الدبلوماسية كخدعة لتحقيق الانتصار العسكري للأسد.
ونشرت أيضاً مقالاً بعنوان "كيف أغمض العالم عيونه عن الرعب في حلب؟"، للكاتب مايكل كيميلمان. أشار الأخير إلى أن صور الحروب والجرائم أثرّت في الرأي العام العالمي سابقاً، مستشهداً بصورة كيفين كارتر عن الفتاة والنسر خلال المجاعة في السودان (1993)، وصورة الجندي الأميركي المسحول في مقديشو، ما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الانسحاب من الصومال، بالإضافة إلى صورة نيك أوت لطفلة عارية تهرب من قذائف النابالم خلال الحرب الفيتنامية (1972).
ورأى أن الصور المذكورة دفعت الدورات الإخبارية لأسابيع وأشهر وأعوام، وساعدت في قلب الموازين السياسية، مشيراً إلى أن الانسحاب كان حلاً في السابق، لكن الوضع مختلف في حلب. وتساءل "هل تشكل حقيقة أن الضحايا في حلب مسلمون أي فرق؟، خصوصاً أن الرئيس الأميركي الجديد فاز، بعد معركة انتخابية حرّض فيها ضدَ المسلمين، وأعلن عن إعجابه ببوتين".
وأشار إلى أن نسبة ضئيلة جداً من الأميركيين تتابع ما يحصل في حلب. وقال "نشاهد الشباب الغرباء اليائسين في حلب البعيدة عبر "فيسبوك"، وتصبح الأصوات والوجوه ضبابية، وتلهينا عن ذلك تغريدة لترامب مثلاً".
وأضاف "لا نفعل أي شيء، سوى مشاهدتهم ونحن عاجزون، لكن السوريون يرفضون الرحيل صامتين، مصممين على أن نعرفهم جميعنا، ونعرف حيواتهم، وكل ما خسروه".
(العربي الجديد)