لم يمرّ العام الأول بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بسلام، خصوصاً في الشقّ الاقتصادي، مع استمرار إغلاق المؤسسات الحكومية الأميركية منذ مساء السبت الماضي. الإغلاق ليس الأول من نوعه أميركياً، فالتاريخ الأميركي الحديث، شهد 18 إغلاقاً سابقاً للمؤسسات الحكومية منذ تعديل قانون الموازنة عام 1974، إلا أن الإغلاق الأخير يبقى الأكثر حساسية، لكونه يحصل في ظروفٍ أمّن فيها ترامب، عشرات آلاف الوظائف منذ انتخابه رئيساً في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 من جهة، ولأن شخصية جدلية مثل ترامب، هي من تسكن البيت الأبيض، من جهة أخرى.
في التفاصيل، فقد فشل الكونغرس الأميركي، يوم الأحد، في التوصّل إلى اتفاقٍ ينهي إغلاق مؤسسات الحكومة الاتحادية وتأجيل التصويت عبر الموافقة على التمويل المؤقت للموازنة. وعلى الرغم من إعلان قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي تسجيل تقدم على خط المفاوضات في نهاية الأسبوع، إلا أنهم أجّلوا التصويت حتى يوم أمس الاثنين، ليعلنوا مساءً الاتفاق بينهما.
وعلى الرغم من تبادل الاتهامات بين الجمهوريين والديمقراطيين، نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وعد بمعالجة القضايا الرئيسة التي أثارت قلق الديمقراطيين "لا سيما تعديل قوانين الهجرة"، فرحّب زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر بالقول، إنه "يسره متابعة النقاش مع زعيم الغالبية بشأن إعادة فتح مؤسسات الحكومة".
ودخلت مسألة المهاجرين غير المسجلين في صلب الخلاف بين الحزبين، فاتهم الديمقراطيون الجمهوريين بـ"تقويض إمكانية التوصل إلى اتفاق والسعي لإرضاء القاعدة الشعبية لترامب، برفضهم دعم برنامج يهدف إلى حماية برنامج (داكا)". والبرنامج يجيز لمئات آلاف المهاجرين الشباب الذين دخلوا البلاد خلافاً للقانون، عندما كانوا أطفالاً، العمل والدراسة في الولايات المتحدة. ورفض الديمقراطيون طلب تمويل اتحادي مؤقت، ما لم يعالج مسألة المهاجرين ضمن برنامج "داكا" لخشيتهم من عدم تحرك القادة الجمهوريين لحمايتهم قبل ترحيلهم، الذي سيبدأ في مارس/آذار المقبل.
وقبل الاتفاق بين الحزبين كان على الجمهوريين استمالة الديمقراطيين من أجل تأمين أغلبية من 60 صوتاً يتطلّبها المضي بإجراء التمويل المؤقت. وفي المجلس المؤلف من 100 عضو، فإن للجمهوريين 51 عضواً، وللديمقراطيين 47 عضواً، فضلاً عن عضوين مستقلين، يصوّتان تقليدياً مع الديمقراطيين.
وكان ترامب دعا يوم الأحد، قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ إلى "إدراج تعديل إجرائي على قوانين المجلس بما يسمح بتمرير الموازنة بموجب تصويت بالأغلبية البسيطة (النصف زائد 1) أي غالبية 51 صوتاً ضمن خياراتهم". إلا أن قادة مجلس الشيوخ يلتزمون الحذر حيال تلك الخطوة، التي قد تؤدي إلى سابقة قد تتكرر في المستقبل أو عندما تتغير الغالبية الحزبية في المجلس. مع ذلك، فإن الخدمات الفدرالية الأساسية استمرت كما هي وكذلك خدمات الأعمال العسكرية، لكن الجنود لم يحصلوا على رواتبهم، ولم تُفتح المؤسسات الحكومية، كما أن كل المؤسسات الفدرالية، حتى السياحية منها (متاحف وكل إدارة فدرالية) ظلّت مغلقة إلى حين حلّ الأزمة. وللدلالة على سوء الأزمة فإن حاكم نيويورك الديمقراطي أندرو كومو، كشف أنه "سيتم تمويل إعادة فتح تمثال الحرية"، الذي أُغلق بسبب الأزمة.
وفي التاريخ الأميركي الحديث، 18 إغلاقاً سابقاً، أدت إلى أزمات اقتصادية، لكن معظمها كانت قصيرة الأمد أو أنها محدودة السلبيات، ومعظمها مرتبطة بتمويلات اجتماعية وطبية. أول تلك الإغلاقات كان في عهد الرئيس جيرالد فورد بين 30 سبتمبر/أيلول 1976 و11 أكتوبر/تشرين الأول من العام عينه. أما عهد الرئيس جيمي كارتر، فشهد 5 إغلاقات، ثلاثة منها في عام 1977. الأول بين 30 سبتمبر و13 أكتوبر، والثاني بين 31 أكتوبر و9 نوفمبر/تشرين الثاني، والثالث بين 30 نوفمبر و9 ديسمبر/كانون الأول. كما شهد عهده إغلاقاً بين 30 سبتمبر و18 أكتوبر من عام 1978، ثم بين 30 سبتمبر و12 أكتوبر من عام 1979.
وشهد عهد الرئيس رونالد ريغن، 8 إغلاقات. الأول بين 20 و23 نوفمبر 1981، والثاني بين 30 سبتمبر و2 أكتوبر 1982، والثالث بين 17 و21 ديسمبر 1982، والرابع بين 10 و14 نوفمبر 1983، والخامس بين 30 سبتمبر و3 أكتوبر 1984، والسادس بين 3 و5 أكتوبر 1984، والسابع بين 16 و18 أكتوبر 1986، والثامن بين 18 و20 ديسمبر 1987. وشهد عهد الرئيس جورج بوش الأب إغلاقاً واحداً بين 5 و9 أكتوبر 1990. أما عهد الرئيس بيل كلينتون، فشهد إغلاقين. الأول بين 13 و19 نوفمبر 1995، والثاني بين 15 ديسمبر 1995 و6 يناير/كانون الثاني 1996. بالإضافة إلى إغلاق واحد في عهد أوباما، وآخر في عهد ترامب.
ومن شأن الارتباك في ملف الموازنة عرقلة تطلعات ترامب في تطبيق النجاح الاقتصادي الذي يعوّل عليه، انطلاقاً ممّا يعتبره خطوات اقتصادية من أبواب سياسية، مغلّفة بإقالات واستقالات متلاحقة في البيت الأبيض، وظهور كتاب "نار وغضب"، وخطبه الجدلية، وانسحابه من اتفاقية باريس العالمية لمكافحة التغير المناخي، وزيارته إلى السعودية، وإعلانه القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وصولاً إلى رفضه الاتهامات المباشرة وغير المباشرة له في وصوله إلى السلطة بدعمٍ روسي. كما أن الإجراء المالي، من شأنه أيضاً التخفيف من أي اندفاعة عسكرية له، سواء في شبه الجزيرة الكورية أو بحر الصين الجنوبي أو الشرق الأوسط. لكنّ شخصاً مثل ترامب، من الطبيعي أن يعتبر بعد الانتهاء من أزمة الإغلاق الحالي، أنه "دائماً على حق".