الإفطار على البحر... خيار أهالي غزة لمحاربة الملل
علاء الحلو
ويحاول سحويل كسر الروتين اليومي، وخلق حالة من البهجة والفرح لأسرته، خاصة بعد فترة من الحجر المنزلي، والذي تسببت به الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا.
واعتاد سحويل، كما يقول لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، على تناول طعام الإفطار على شاطئ البحر أكثر من مرة خلال شهر رمضان برفقة عائلته وأصدقائه، مبينًا أنه يختار الأيام التي يتم فيها قطع التيار الكهربائي، إذ يتم اعتماد جدول معين لوصل وفصل الكهرباء عن منازل القطاع، من أجل الخروج من المنزل.
ويعتبر الإفطار في الهواء الطلق وإلى جوار شاطئ بحر غزة، بعد يوم طويل من الصيام، خيارًا شبه وحيد بالنسبة للعديد من الأسر الفلسطينية في القطاع، في ظل انعدام الأماكن الترفيهية العامة، وسط الحصار الإسرائيلي منذ العام 2006.
ولم يتأثر المشهد على الشريط الساحلي لقطاع غزة كثيراً بفعل أزمة كورونا، إذ بدت أعداد الموجودين في وقت الإفطار طبيعية مقارنة بالأعوام السابقة، كذلك لم تمنع التوصيات الرسمية بمنع التجمعات والإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، من ممارسة تلك العادة السنوية المُحببة لدى الفلسطينيين.
وتتجه الأسر الفلسطينية نحو البحر، قبيل آذان المغرب، مصطحبة أواني الطعام والعصائر والمُسليات، للجلوس في حلقات على الأرض، أو على كراسٍ وطاولات بلاستيكية يتم تأجيرها مقابل مبلغ زهيد، وقد شجعتهم الأوضاع الاقتصادية المتردية على ارتياد الشاطئ غير المُكلف ماديًا.
وإلى جوار سحويل، يجلس الفلسطيني خليل الهبيل (32 عامًا)، وإلى جواره زوجته وطفلتاه تقى وهبة وعدد من أفراد عائلته، وقد بدأوا بتجهيز المائدة للإفطار، قبل لحظات من الآذان، في جلسة أسرية اعتادوها طيلة شهر رمضان، لقرب سكنهم من شاطئ غزة.
ويبين الهبيل، لـ"العربي الجديد"، أنّ الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا والجلوس في البيت لفترات طويلة سببت حالة من الملل، ما دفعه وعائلته إلى تجديد عادتهم السنوية، والتي يصطحبون فيها طعامهم، الذي تم تحضيره منزليًا، لتناوله بالقرب من الشاطئ.
ويتابع: "حياتنا مليئة بالمشاكل اليومية والأزمات المتلاحقة، وعلى رأسها التعطل عن العمل، وسوء الأحوال الاقتصادية، وانعدام الأفق"، مبينًا أنه يحاول قدر المستطاع الحفاظ على الحالة النفسية المتوازنة لأطفاله وأسرته، عبر خلق أجواء إيجابية جميلة، وفق قوله.
وتزداد حركة المواطنين على الشاطئ مع قرب آذان المغرب، إذ تبدأ كل عائلة بترتيب الطاولات التي يتم ملؤها عادة بالأكلات المُجهزة منزليًا، فيما يفضل البعض شراء الطعام الجاهز، وذلك وفق القُدرة المالية.
ولا تقتصر التجمعات على الأُسر والعائلات فقط، إذ يستغل عدد من الأصدقاء الشباب لحظة الإفطار للتجمع حول الطاولات البلاستيكية المنتشرة على طول الكورنيش، أو بالجلوس على رمال الشاطئ كسرًا للتقليدية، ومحاولة لصنع البهجة.
واختار محمود كُلاب من معسكر الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، غرب مدينة غزة، تناول إفطاره الرمضاني بمشاركة ثلاثة من أبناء عمومته، وقد تساعدوا فيما بينهم لتجهيز وجبة "الشاورما" وتحضير العصائر، وتصفيف أطباق المخللات على الكراسي الإسمنتية المُطِلة على البحر.
ويقول كُلاب إنه بات يشعر بحالة من الملل داخل البيت، خاصة بعد تعطله عن العمل، إذ يعمل بائعًا للألعاب أمام إحدى المدارس القريبة من منزله، والتي أغلقت بفعل الإجراءات الاحترازية الرسمية للوقاية من فيروس كورونا، مبينًا أنهم لم يحتاروا كثيرًا لحظة طرح فكرة تناول إفطارهم الرمضاني على الشاطئ.
ويوافقه الفلسطيني محمد قيطة، والذي تجمّع برفقة عدد من أصدقائه حول طاولة مُطِلة على البحر، وأوضح أن معظم المناطق في قطاع غزة المكتظ بالسُكان لا تحظى بمساحات واسعة، وأماكن ترفيهية، ما يجعل خيار التوجه إلى البحر أساسياً ووحيداً ربما، مضيفًا: "نشعر بسعادة بالغة ونحن نكسر الروتين اليومي، ونرغب بتكرار تلك التجربة أكثر من مرة".
ويطل قطاع غزة على البحر الأبيض المتوسط، ويعتبر المتنفس الوحيد أمام أهالي غزة التي تعاني أوضاعًا اقتصادية متردية بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 14 عامًا، وإغلاق مختلف المعابر، كما تجاوز حاجز الفقر فيها نسبة 80%.