تغييرات واضطرابات كثيرة ومتقلبة أصابت المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في سورية، منذ بدء الحرب وحتى الآن. هذه المؤسسة التي كانت لأيام طويلة منبراً حقيقياً لعرض أعمال عربية منافسة توصِل حقيقة الجمهور السوري بكافة شرائحه من خلال أعمال اجتماعية سورية حفرت في ذاكرة الجمهور ووصلت إلى كل الناس.
في موسم رمضان 2019، أطلقَ مدير المؤسسة زياد الريس مشروعاً لدعم وتمكين الدراما السورية "الخالصة" بعنوان "خبز الحياة"، وأُنتِج في هذا المشروع سبعة أعمال العام الماضي، وذلك في خطوة ملفتة من المؤسسة التي عملت على تشغيل العديد من الوجوه الأكاديمية الشابة والمخرجين والفنيين في أعمالها رغم الميزانية الخجولة، ما حمّس الجمهور لمشاهدة النتيجة التي لم تكن عظيمة كما هو متوقع، حيث لم يُبَعْ من الأعمال سوى مسلسلين، هما "شوارع الشام العتيقة" و"غفوة القلوب" لقناة bein drama، في حين انحصرت باقي الأعمال في إطارها المحلي بالعرض على القنوات التلفزيونية السورية، فلم تكن المشاهدات جماهيرية.
أما على يوتيوب، فلم يكن عدد المشاهدات كبيراً، باستثناء مسلسلي "عن الهوى والجوى" و"ترجمان الأشواق"، هذا العمل الذي أُدرِجَ باسم "خبز الحياة" زوراً لأنه كان في عهدة الإدارة السابقة للمؤسسة بإشراف ديانا جبور، لكنّ عراقيلَ مقصودة قامت بها الإدارة الجديدة حالت دون عرضه لسنتين، ما جعل المخرج محمد عبد العزيز يناشد الصحافة العربية والسورية كي يخلق حالة جدل عَلى التلفزيون السوري يعرض له العمل الذي تعرَّضَ إجمالاً لمقص رقابي حاد، وأُعيدَ مونتاجه أربع مرات، ما أحدثَ حالة بلبلة في المؤسسة التي اتضح أن سقفها ما زال منخفضاً في التعبير عن شكل الفن وحريته ونظرته المستقلة عن نظرة النظام.
لكن، رغم ذلك، بقي الأمل في هذا المشروع بأن ينتجَ أعمالاً أخرى في موسم 2020، ترتقي أكثر وتبيّن دور المؤسسة درامياً، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، فالميزانية السنوية المقررة للمؤسسة، وهي ما يقارب مليار ليرة، استنزفها عمل واحد فقط، هو "حارس القدس"، الذي أخرجه باسل الخطيب ويلعب بطولته رشيد عساف، أمل عرفة، صباح الجزائري، سامية الجزائري، إيهاب شعبان، وعدد من نجوم الدراما السورية، وقد استمرّ التصوير في هذا العمل أشهراً عدة تجاوزت الخمسة بسبب التنقل بين عدة محافظات سورية كحلب وطرطوس ودمشق.
أما بالنسبة للعمل، فهو تاريخي معاصر يروي سيرة حياة المطران هيلاريون كابوتشي الذي كانت مواقفه مناوئة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي ومناصرة للقضية الفلسطينية. ورغم أن الشخصية غنية، لكن التساؤل الأكبر حول آلية تفكير المؤسسة الغريبة التي قررت إنجاز عمل يحكي عن فلسطين وهو بعيد تقريباً عن الواقع السوري الحالي وتفاصيله، سواء في فترة الحرب أو ما بعدها، ما يوضّح أن المشروع بدأ يبتعد عن الجمهور بدلاً من الاقتراب منه، علماً أنه قادر على ذلك، خصوصاً إذا ما لاحظنا الصدى الجيد الذي حققه "ترجمان الأشواق" و"عن الهوى والجوى" بعد العرض في الموسم الماضي.
تعرّض "حارس القدس" لعدة عراقيل أثناء تصويره، حيث انفجرت قنبلة صوتية كادت تودي بحياة الفنان إيهاب شعبان، فضلاً عن الميزانية والأجور اللذين كانا منخفضَين بشكل يدفع الفنان المتعامل مع المؤسسة للاستياء بسبب التهميش والتقليل من قيمته، خصوصاً أن بعض المصادر من داخل المؤسسة ترجح بأن هناك عمليات سرقة تتم على اسم كل عمل يجرى تصويره "سواء حارس القدس أو غيره"، ما يدفع بالشك حول سوية هذه الأعمال نتيجة نهب ميزانية المؤسسة والفساد المستشري فيها.
السيئ في المؤسسة أيضاً أنها تستذكر تصوير أعمال جديدة في الوقت الضائع؛ أي قبل رمضان بشهر وربما أقل، ما يسيء للعمل ككل، ويجعله مسلوقاً على عجل، فرغم أن هناك أخباراً عن عمل ثانٍ تحضر له المؤسسة للمخرج عبد الغني بلاط، كان من المفترض إنتاجه العام الماضي، إلا أن العمل لا يبدو أنه سيبصر النور حتى الآن، ولا أخبار جديدة أو جدية عنه، وفي كل الأحوال، فإن الإنتاج انخفض بشكل واضح من سبعة أعمال في موسم واحد إلى عمل واحد أو عملين بالكاد وقد لا يحققان جماهيريةً أو انتشاراً.
اقــرأ أيضاً
في موسم رمضان 2019، أطلقَ مدير المؤسسة زياد الريس مشروعاً لدعم وتمكين الدراما السورية "الخالصة" بعنوان "خبز الحياة"، وأُنتِج في هذا المشروع سبعة أعمال العام الماضي، وذلك في خطوة ملفتة من المؤسسة التي عملت على تشغيل العديد من الوجوه الأكاديمية الشابة والمخرجين والفنيين في أعمالها رغم الميزانية الخجولة، ما حمّس الجمهور لمشاهدة النتيجة التي لم تكن عظيمة كما هو متوقع، حيث لم يُبَعْ من الأعمال سوى مسلسلين، هما "شوارع الشام العتيقة" و"غفوة القلوب" لقناة bein drama، في حين انحصرت باقي الأعمال في إطارها المحلي بالعرض على القنوات التلفزيونية السورية، فلم تكن المشاهدات جماهيرية.
أما على يوتيوب، فلم يكن عدد المشاهدات كبيراً، باستثناء مسلسلي "عن الهوى والجوى" و"ترجمان الأشواق"، هذا العمل الذي أُدرِجَ باسم "خبز الحياة" زوراً لأنه كان في عهدة الإدارة السابقة للمؤسسة بإشراف ديانا جبور، لكنّ عراقيلَ مقصودة قامت بها الإدارة الجديدة حالت دون عرضه لسنتين، ما جعل المخرج محمد عبد العزيز يناشد الصحافة العربية والسورية كي يخلق حالة جدل عَلى التلفزيون السوري يعرض له العمل الذي تعرَّضَ إجمالاً لمقص رقابي حاد، وأُعيدَ مونتاجه أربع مرات، ما أحدثَ حالة بلبلة في المؤسسة التي اتضح أن سقفها ما زال منخفضاً في التعبير عن شكل الفن وحريته ونظرته المستقلة عن نظرة النظام.
لكن، رغم ذلك، بقي الأمل في هذا المشروع بأن ينتجَ أعمالاً أخرى في موسم 2020، ترتقي أكثر وتبيّن دور المؤسسة درامياً، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، فالميزانية السنوية المقررة للمؤسسة، وهي ما يقارب مليار ليرة، استنزفها عمل واحد فقط، هو "حارس القدس"، الذي أخرجه باسل الخطيب ويلعب بطولته رشيد عساف، أمل عرفة، صباح الجزائري، سامية الجزائري، إيهاب شعبان، وعدد من نجوم الدراما السورية، وقد استمرّ التصوير في هذا العمل أشهراً عدة تجاوزت الخمسة بسبب التنقل بين عدة محافظات سورية كحلب وطرطوس ودمشق.
أما بالنسبة للعمل، فهو تاريخي معاصر يروي سيرة حياة المطران هيلاريون كابوتشي الذي كانت مواقفه مناوئة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي ومناصرة للقضية الفلسطينية. ورغم أن الشخصية غنية، لكن التساؤل الأكبر حول آلية تفكير المؤسسة الغريبة التي قررت إنجاز عمل يحكي عن فلسطين وهو بعيد تقريباً عن الواقع السوري الحالي وتفاصيله، سواء في فترة الحرب أو ما بعدها، ما يوضّح أن المشروع بدأ يبتعد عن الجمهور بدلاً من الاقتراب منه، علماً أنه قادر على ذلك، خصوصاً إذا ما لاحظنا الصدى الجيد الذي حققه "ترجمان الأشواق" و"عن الهوى والجوى" بعد العرض في الموسم الماضي.
تعرّض "حارس القدس" لعدة عراقيل أثناء تصويره، حيث انفجرت قنبلة صوتية كادت تودي بحياة الفنان إيهاب شعبان، فضلاً عن الميزانية والأجور اللذين كانا منخفضَين بشكل يدفع الفنان المتعامل مع المؤسسة للاستياء بسبب التهميش والتقليل من قيمته، خصوصاً أن بعض المصادر من داخل المؤسسة ترجح بأن هناك عمليات سرقة تتم على اسم كل عمل يجرى تصويره "سواء حارس القدس أو غيره"، ما يدفع بالشك حول سوية هذه الأعمال نتيجة نهب ميزانية المؤسسة والفساد المستشري فيها.
السيئ في المؤسسة أيضاً أنها تستذكر تصوير أعمال جديدة في الوقت الضائع؛ أي قبل رمضان بشهر وربما أقل، ما يسيء للعمل ككل، ويجعله مسلوقاً على عجل، فرغم أن هناك أخباراً عن عمل ثانٍ تحضر له المؤسسة للمخرج عبد الغني بلاط، كان من المفترض إنتاجه العام الماضي، إلا أن العمل لا يبدو أنه سيبصر النور حتى الآن، ولا أخبار جديدة أو جدية عنه، وفي كل الأحوال، فإن الإنتاج انخفض بشكل واضح من سبعة أعمال في موسم واحد إلى عمل واحد أو عملين بالكاد وقد لا يحققان جماهيريةً أو انتشاراً.
ربما، على المؤسسة أن تعود لتاريخها الماضي في تقديم مسلسلات تواكب الوضع الراهن وتقدم صورة عن المجتمع السوري، كما كان يحدث قبل أن تُحَلّ "المديرية" وتحُلّ محلها المؤسسة كشخصية اعتبارية مستقلة بذاتها منذ عام 2010، لذا عليها أن تستعيد الثقة من الناس بأعمال مشابهة لهم لتحظى بمحبة الجمهور وتصل إلى المجتمعات العربية بعيداً عن أي أدلجة سياسية منحازة أو أفكار متطرفة التي كانت سبباً أساسياً في أن تنأى القنوات العربية وبشكل كبير عن شراء أي عمل سوري نتيجة هذه العقلية غير الناجعة في تصدير صورة المسلسل بشكله الصحيح.