وشيدت أبراج المفتول الطينية الأربعة، التي لم يتبق منها إلا برج واحد، لمراقبة الغزوات المحتملة من جهة الحجاز، وحماية آبار المياه التي تعتبر مركز إسقاء المدينة وما حولها، فيما يقارب عمرها 400 سنة، وأصبح البرج الباقي معلما للمدينة التي تمتلئ بالآثار التي لا تجد من يرعاها أو يحافظ عليها من التجاوزات.
وتعرض البرج عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلى خطر الإزالة من قبل بعض المواطنين في زمن الفوضى، وتمت حمايته من قبل أبناء المنطقة بردع المتجاوزين، حسب قول سكان من منطقة الدريهمية المجاورة.
يقول الباحث التاريخي حسن زبون، إن الأبراج التي يطلق عليها المفتول، والتي تسمى باللهجة الزبيرية الطوُبة، كانت حتى أربعينيات القرن الماضي 3 أبراج، تهدم اثنان ولم يتبق سوى مفتول الدريهمية، والذي تم تشييده من قبل العثمانيين من الطين وفخار الطابوق ضمن 4 أبراج تحيط بالمدينة لحمايتها، وكانت نهاية البرج تضم مدفعا للطوب لردع المعتدين، و"بعد انسحاب الدولة العثمانية من العراق، أُهملت الأبراج، لكنها صمدت لسنوات قبل أن تتهدم".
ويقول سعدون الزهيري، وهو مُدرس من الزبير، إنّ "أهم ما يميز أي مدينة هو الحفاظ على هويتها التي تبيّن عمق تاريخها وخصوصيتها، غير أن ذلك لم يحدث في العراق، رغم وجود ما يستوجب الحفاظ عليه من تراث وآثار ومعالم يتمنى جل سكان العالم لو يمتلكونها، وفي مدينة الزبير ذات الجذور التاريخية توجد كثير من المعالم التي تستحق الاعتناء بها والحفاظ عليها لأنها تمثل هوية هذه المدينة".
وتابع لـ"العربي الجديد": "ربما نجح بعض الناس في الحفاظ على بعض الممتلكات العامة والآثار مثلما فعلوا مع برج المفتول، لكن هذا لم يمنع امتداد العشوائيات وتجاوزها على ذلك المعلم التراثي، وأعتقد أن الحفاظ عليه واستدامته يتطلب جهودا جدية من قبل الجهات الحكومية، وإلا سيختفي المفتول وغيره من الآثار والتراث البصري".
ويطالب رئيس لجنة التربية والسياحة والآثار في مدينة البصرة، مسلم الصرايفي، هيئة الآثار بضرورة حماية هذا المعلم التاريخي من الانهيار والتجاوزات، وإعادة ترميمه وإحاطته بسياج ليحكي قصة من قصص المدينة التاريخية التي يتجاوز عمرها مئات السنين. "يبدو أن هيئة الآثار لم تعد تهتم بمفتول الزبير، وكانت هناك محاولات لهدمه عندما أصبح بمحاذاة مشروع إنشاء مدرسة عام 2012".
ويؤكد الصرايفي، أن "هناك مخاطبات ومطالبات سابقة للحفاظ على المعالم والمواقع الأثرية في مختلف المناطق التي تعاني من الإهمال والتجاوزات، ولم يتم الأخذ بها أو متابعتها. ويتصدى المواطنون لمهمة حماية برج المفتول من الانهيار والتجريف والتجاوزات".
وسميت الأبراج بـ"المفتول" لأن البناء يشبه الحبال المفتولة إلى حد ما، وقد بني المفتول لحماية حدود الدولة العثمانية غير أنه في الآونة الأخيرة أصبح مكانا لتخزين مياه الآبار وحفظها.
ويعتقد أن مدينة الزبير تأسست في سنة 979 هـجرية الموافقة 1571 ميلادية، عندما أمر السلطان العثماني سليم الثاني، بأن يقام مسجد بجوار قبر الصحابي الزبير بن العوام في شهر رجب من نفس السنة.