تدفع مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدًا فيسبوك، السيدة سهير (اسم مستعار)، للقيام بعمليات تفتيش دقيقة، تستهدف أجهزة الاتصال الخاصة بابنتيها البالغتين، وتعمد لتفقد الرسائل النصية (الإيميلات) باستمرار يشوبه الفزع، هي التي لم تكن تعمد لمثل هذا التصرف سابقًا، كما تقول، إلا بعد حادثة الابتزاز المرعبة، التي كانت ابنتها الصغرى ضحيتها.
توضح السيدة الأربعينية، في حديثها لـ"جيل"، أنها اكتشفت محاولة استغلال ابنتها (16 عامًا) بالمصادفة، عقب قراءتها رسائل "إلكترونية"، تصل لابنتها من شاب، تحوي تحرشًا جنسيًا، بجمل سلسة ومبسطة، في مقابل ردة فعل، توحي باستجابة مبطنة من قبل ابنتها لتلك المطالب.
لم يكن ليحصل ذلك، تقول السيدة، لولا عملية الابتزاز، التي تمثلت، بتهديد ابنتها بنشر صورها، التي أرسلتها للشاب سابقًا، ما دفعها لتقديم شكوى، إلى قسم الجرائم الإلكترونية الأردنية في البحث الجنائي.
ذلك، لم يحدث في حالة الشابة العشرينية فرح (اسم مستعار)، التي ربطتها علاقة صداقة بشاب على موقع فيسبوك، ليتبين لها لاحقًا، أنه "مبتز ومخادع قذر"، كما تصفه.
"بعد أن أرسلت له صورتي، بدأ يتوعدني بنشر الصورة، ما لم أتحدث معه عبر الكاميرا، فكان له ذلك، وأصر على رؤية جسدي، ليتبين انه كان يقوم بعملية تسجيل كامل للمحادثة.. وهددني بأنه إذا لم أمتثل لرغباته الجنسية، سينشرها على موقع يوتيوب"، تبين الشابة الجامعية، التي تحدثت لـ"جيل"، أثناء وجودها في مركز متخصص لتكنولوجيا المعلومات، بغية مساعدتها في ملاحقة الشاب.
تؤكد، أن الذعر والخوف الذي صاحبها لأسابيع، اضطرها للجوء لهذا المركز، بعد أن نصحتها صديقتها بذلك، خوفًا من معرفة أهلها، الذين، تقول، "سيجبرونني على ترك الدراسة، وتلك أمنيتي، إن توقف الأمر عند ذلك فحسب".
بكلمات بسيطة، هذا واقع الحال، بالنسبة لآلاف الضحايا، الذين كانوا فرائس الابتزاز الإلكتروني في الأردن مؤخرًا، إلى درجة، أن يتحول هذا الحال، لفيلم رعب، لا تنتهي فصوله بمجرد الكشف عن خيوطه.
وفي لغة الأرقام، تصر إدارة الجرائم الالكترونية الأردنية، التابعة لشعبة البحث الجنائي، أن مجموع الضحايا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يتجاوز خمسة آلاف ضحية، في حين تكشف مصادر خاصة من داخل هذه الوحدة الأمنية، أن تلك الإحصائيات، تحتاج لتدقيق أكثر.
هذه المصادر، التي أصرت على عدم كشف هويتها بطبيعة الحال، أثناء حديثها لـ"جيل"، كشفت أن من بين كل أربع فتيات في الأردن، تتعرض، على الأقل، ثلاث فتيات لعملية ابتزاز جنسي، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدًا فيسبوك.
ومستدرجو هذه الفرائس من الفتيات، كما تبين هذه المصادر، يتبعون أغلب الأحيان، أساليب عاطفية، تتمثل بـ"وعود بالزواج مثلًا، فيسارعن إلى الثقة بهم، وتلبية مطالبهم بإرسال صور لهن في المنزل، في حالة يكن فيها أقل احتشامًا، لتتطور المطالب بعد ذلك إلى الابتزاز الجنسي، والمالي كذلك".
نشرت الصحافة المحلية، نقلا عن الخبير في شؤون البرمجة ومواقع التواصل، رائد سمور، خبرًا مفاده، أن "شابًا أردنيًا تقدم لخطبة 45 فتاة، وذلك عبر اللجوء إلى طرق احتيالية، بمواقع التواصل الاجتماعي".
كشف سمور، عن أن هذا الشاب، "قام بخطبة وقراءة فاتحة، ما يقارب 45 فتاة أردنية، من خلال التعرف عليهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، مبينًا، أنه "تمكن من استدراج الفتيات، من خلال مظهره وسيارته الفارهة، حيث يقوم بطلب أموال منهن، بحجة أن أمواله محجوز عليها من قبل ضريبة الدخل، ويريد فك ذلك الحجز".
لا يتوقف الأمر عند البالغين، بل إن تلك المصائد، لم ترحم نعومة أظفار طلاب وطالبات المدارس، حيث تفيد المعلومات المنتقاة من وحدة الجرائم الإلكترونية، التي تمكن "جيل" من الوصول إليها، عن تعرض مجموعة كبيرة جدًا من الأطفال في المدارس، للاستغلال الجنسي من مدرسيهم ومدرساتهم، عبر مواقع التواصل.
وتتبع "جيل"، مجموعة كبيرة من حسابات فيسبوك، أرشدنا إليها عدد من أولياء أمور طلبة، تبين أنها تعود لمدرسين ومدرسات، تعمدوا إنشاءها بأسماء وهمية، قاموا بإضافة تلاميذهم من الذكور والإناث، بغية ابتزازهم جنسيًا وماليًا.
ويعلق محمود (اسم مستعار)، وهو والد طالبة، تعرضت لابتزاز جنسي من قبل معلمتها، "صحيح، أن الفتيات لا يتأخرن خارج البيت، ولا يتحدثن في الهاتف الجوال مع غريب في علمنا.. إلا أن ذلك كله يتغير، بمجرد دخولهن غرفتهن، لتجلس إحداهن أمام شاشة هاتفها، ويحدث أن يتحقق أسوأ كوابيسنا".
وخوف هذا الأب المسكين، مبرر على كل حال، جراء الغزو الأسطوري لوسائل التواصل الالكترونية، كل بيت أردني، مع الإعلان مؤخرًا، في دراسة عالمية، تشير إلى "أن شغف الأردنيين، واستخدامهم المتزايد، لشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة (الفيسبوك، تويتر، انستغرام، سنابشات، وغيرها)، وضعته في المرتبة الأولى عالمًيا، في مؤشر نسبة عدد من يستخدمون منصات وشبكات التواصل الاجتماعي"، وفق مؤسسة Pew Research Center البحثية.
أظهرت الأرقام التفصيلية المعلنة عن تلك الدراسة، أن قاعدة مستخدمي فيسبوك في الأردن مثلًا، توسعت لتضم قرابة 5 ملايين حساب، فيما بلغ عدد مستخدمي تويتر حوالي 400 ألف مستخدم، فيما يقدر عدد مستخدمي إنستغرام قرابة المليون مستخدم، كما يقترب عدد مستخدمي سنابشات من الأردنيين إلى حوالي مليون مستخدم.
وفي ما يتعلق بالعقوبات الرادعة للابتزاز الإلكتروني، فإنها تقتصر على الحبس لمدة بسيطة، ويمكن استبدالها بغرامة مالية، ما يعني أنها عقوبات غير رادعة، وتزيد من الجرائم الإلكترونية، وفق حقوقيين.
يرى هؤلاء الحقوقيون، الذين تحدث "جيل" إليهم، "أن هناك كثيرًا من النصوص، التي يجب مراجعتها وتعديلها، لتواكب التطور التكنولوجي للجريمة، كما يجب فرض عقوبات رادعة، تتلاءم مع جسامة الأضرار التي تخلفها الجرائم الإلكترونية".